قد تتفق مصالحنا كأردنيين وكفلسطينيين وعراقيين وكعرب مع مصالح السياسة الرسمية الإيرانية وقد تختلف، ولكن على الرغم من تباين هذه المصالح وربما تعارضها، لا نحمل العداء للشعب الإيراني ولقومياته المتعددة ومذاهبه المتنوعة، ومثلما لا نقبل التدخل الإيراني في شؤون البلاد العربية الداخلية، لا نقبل لأي منا أن يسمح لنفسه التدخل في شؤونها الداخلية، أو الدفع باتجاه إعلان العداء لإيران، أو الانحياز للمعارضة الإيرانية، ولذلك من رأى في نفسه الخصومة مع السياسة الرسمية الإيرانية والانحياز لمعارضتها والمشاركة في مؤتمرها فهذا حقه ولكنه لا يملك الحق، إطلاقاً في التحدث باسم الأردنيين أو الفلسطينيين أو العرب، فالمس بالمصالح يسبب الوجع والمتاعب لبلادنا وأمننا، كما يجب أن يفهم الإيرانيون، أن ذلك يسبب الوجع والتوتر لهم.
نختلف مع السياسة الرسمية الإيرانية لسببين :
أولهما : لأنها تفتقد في تعاملها الداخلي مع القوميات أو المذاهب لروح العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، أن يكون السنة مثل الشيعة، والعرب والكرد مثل الفرس، وهكذا لا نقبل التمييز، لأن امتدادنا في داخلهم وامتدادهم في داخلنا، مثلما لدينا تعددية عرقية ودينية ومذهبية، لديهم ما هو لدينا، لدينا الشيعة كما السنة، ولدينا الكرد كما العرب، ولدينا المسلمون كما المسيحيين، ولديهم ما لدينا، والعمل أو اللعب في أحشاء بعضنا، لن يوفر ظروف الثقة والعيش المشترك وحُسن الجوار بيننا وبين الإيرانيين، فحقائق الجغرافيا لا يمكن إزالتها أو تغيرها والتدخل الديني والمذهبي والقومي بيننا كعناوين عابرة للحدود لا يمكن تجاهلها أو القفز عنها أو التغاضي عن تأثيرها.
وثانيهما: أن إيران تستعمل أحزاب ولاية الفقيه وامتداداتها العربية، ويتم توظيفهم في خدمة مصالح الدولة الإيرانية وسياساتها وبرامجها الأحادية، ونحن إذ نحترم القوميات غير العربية التي تعيش معنا وتشاركنا المواطنة، لا فرق بيننا وبينهم سواء كانوا من الكرد أو الأمازيغ أو من الأفارقة أو شركس أو أرمن أو غيرهم، بنفس القيمة والمعيار نطالب الآخرين وخاصة الدول المجاورة لنا تركيا وإيران وأثيوبيا، معاملة القوميات والمذاهب التي تعيش عندهم ومعهم كمواطنين، بنفس القيمة والمعيار ومكانة المواطنة لكافة المواطنين على السواء، لا فرق بين قومية وقومية، وبين دين ودين، وبين مذهب ومذهب.
ومثلما لا نحمل العداء للدولة الإيرانية، لا نكن العداء للمعارضة الإيرانية، وعلينا جميعاً أن لا نقف ضدها، مع الرفض الشديد والمطلق لأي عمل مسلح يستهدف المدنيين أو مؤسسات الدولة الإيرانية، من قبل المعارضة الإيرانية ضد النظام، مثلما نرفض أي معارضة مسلحة لأي نظام عربي أو غير عربي، فالبلاء والخراب ظواهره فاقعة، في سورية وليبيا والعراق واليمن ومن قبلهم الصومال، حيث الموت والدمار وفقدان البلاد لمقومات حياتها، أما المعارضة المدنية السلمية الديمقراطية فهذا حق لها، وحق أن تجد الحواضن من قبل شعبها، والدعم والإسناد من قبل من يرى أنها على حق، وتستحق التضامن والتأييد والإسناد، ومثلما لا نقبل الدمار والخراب لبلادنا العربية، لا نقبل الموت والتدمير للآخرين، وخاصة من حولنا، ونحن إذ نرى بوجود تعارضات سياسية أو مصلحية بيننا كعرب من طرف وبين الدول والقوميات المجاورة لنا من طرف آخر، فنجد أن ما يجمعنا مع إيران وتركيا وأثيوبيا، العديد من عناوين الشراكة وضرورات حُسن الجوار، فالجغرافيا التي تجمعنا لا يمكن التهرب منها، والقيم التي وحدتنا خلال مئات السنين لا يمكن التخلص من تبعاتها، كما أن السوريين والعراقيين يشربون من تدفقات المياه القادمة من تركيا، والسودان ومصر يعيشون على مياه النيل القادمة من أثيوبيا، ومياه الخليج تجمعنا مع إيران اقتصاداً وأمناً وديناً ومذهباً وهكذا يمكن تعميق وتحسين القواسم المشتركة بيننا، وتحجيم مواد التباين وعناوين الخلاف الذي يُفرقنا إذا امتلكنا الإرادة السياسية والوعي الإستراتيجي بضرورة التعايش والشراكة وحُسن الجوار من قبلنا ومن قبلهم كذلك، وإذا كان ثمة اتجاهات رؤوسها حامية فعلينا تبريدها وتدجينها لمصلحتنا أولاً ولمصلحتهم كجيران ثانياً .
لقد سبق لمجاهدي خلق وأن دعوني عدة مرات لمؤتمر باريس الدوري، ولبيت دعواتهم، والتقيت غير مرة بالرئيسة مريم رجوي التي أكن لها كل التقدير والاحترام لشخصها وزوجها وعائلتها ولشعبها ولحركتها السياسية، وقد سبق وأن رجاني السفير الإيراني في عمان محمد إيراني وهو اسمه الحقيقي أن لا ألبي دعوة المعارضة لحضور مؤتمر باريس، ورفضت وخسرت صداقته، ولذلك لا أحد يتوقع منا أن نكون مع سياسات ولاية الفقيه المحافظة، مثلما لا نستطيع أن نكون في الخندق المتصادم مع المعارضة السياسية الإيرانية، ولكن ما يفرض علينا من موقف وسياسات هي الإحساس بالمسؤولية حتى ولو لم نكن في مواقع وظيفية مسؤولة، أو في أي موقع رسمي، بل مجرد كون الواحد منا مواطناً وصحافياً وكاتباً له رأي يكتبه، ولدينا قضية قومية هي قضية شعب فلسطين، نسعى من أجلها، من أجل توسيع قواعد الدعم والإسناد لها، من الإيرانيين كما من الأتراك ومثلهم من الأثيوبيين ومن كل قومية أو دين أو بلد محيط بنا، في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الصهيوني الإسرائيلي.