عندما نخجل من أنفسنا أمام الفرنسيين

عبد الناصر النجار
حجم الخط

نادراً ما يخجل الإنسان من نفسه أو تعريف ذاته من خلال قوميته أو دينه، ولكن في لحظات إنسانية لا يرغب العربي أو المسلم النظر إلى المرآة لأنه يخجل من نفسه بسبب ما ترتكبه أيدٍ إجرامية بحق أطفال ونساء وسُيّاح، جاؤوا من بقاع الأرض لقضاء يوم أو أسبوع للاستجمام في هذه العاصمة الأوروبية أو المدينة، فلا يجدون إلاّ القتل والدم. جريمة نيس الفرنسية أو كما يطلقون عليها عروس الريفيرا الفرنسية تجبر كل فرد فينا على أن يفكّر ألف مرّة لمَ يحدث هذا، ولمصلحة مَن، وباسم مَن؟!! أسئلة أكثر من مشروعة لأن عدم الإجابة عنها يتركنا في خضمّ تفاعلات نفسية شديدة التعقيد.
بدايةً، لا بدّ من التأكيد على أن أكثر المتضرّرين من عمليات الإرهاب التي تضرب أوروبا بين الفينة والأخرى هو الشعب الفلسطيني، لأننا في خضمّ حروب داحس والغبراء العربية ـ العربية  أصبحنا بحاجةٍ أكبر إلى التضامن الأجنبي وخاصة الأوروبي، لعلّ ذلك يغيّر معادلة الضعف التي نعانيها في السنوات الأخيرة، ومحاولات الافتراس الاستيطانية المكثّفة ضد الأرض والإنسان الفلسطيني.
ولكن كل حادث إرهابي في أوروبا يؤدي إلى مزيدٍ من الانحياز إلى اليمين الذي لا يتورّع عن تأكيد عنصريته.
أما المتضرّرون من هذا الإرهاب فهم اللاجئون الذين غادروا إلى أوروبا هرباً من جحيم دولهم وأنظمتهم، فتم الترحيب بهم، مُنحوا الجنسيات وأصبحوا مواطنين في هذه الدول.. ربما بعضهم حصل على الجنسية في أقل من خمس سنوات، في حين أن مئات الألوف وربما الملايين من العرب الذين يعملون أو يقيمون في دول عربية لا يُمنحون الجنسية ولو خدموا ألف سنة في هذه الدول، ولا يمكن حتى مقارنتهم بمواطني البلد الأصليين.. ويظلون تحت تهديد الطرد أو الترحيل عندما يُستغنى عن خدماتهم... دون أن يكون لهم حقوق. هؤلاء اللاجئون سيواجهون جرعة إضافية من العنصرية، وسينظر إليهم بشك وربما بخوف... إضافةً إلى الانفلات العنصري من قبل مجموعة متطرفة لا ترى في اللاجئين سوى الخراب يريدون تدمير الإنجازات الحضارية لأوروبا أو الغرب.
أمّا لمصلحة مَن هذه العمليات الأرهابية، فلا شك أنها لصالح الاحتلال الإسرائيلي أولاً الذي يسارع بالتلميح بعد كل حادث إرهابي في أوروبا أنه لا بدّ من محاربة الإرهاب والتعلُّم من التجربة والخبرات الإسرائيلية، بحيث تبدو إسرائيل وكأنها ضحية «للإرهاب» رغم أنها دولة محتلة تمارس ارهاب الاستيطان والمستوطنين وارهاب الاغتيالات والإعدام الميداني.. ولكن الحقيقة أن الاحتلال الإسرائيلي هو الذي يكسب هذه المعركة في كلّ مرّة.
أما أكبر الخاسرين فهم العرب والمسلمون... فالدين الإسلامي أصبح يوصم في العالم بأنه دين قتلٍ وذبحٍ وارهاب، أليس هذه هي الصورة التي يرسمها «دواعش» هذا الزمان حول هذا الدين.
أما باسم مَن تتم هذه العمليات، فهي تتم باسم الدين والدين براء من هؤلاء القتلة... الذين يحاولون من خلال غسل أدمغتهم محاولة تبييض تاريخهم الإجرامي مثل الذين نفذوا أحداثاً إرهابية في أوروبا، هم من المجرمين اللصوص، مدمنو ومروّجو المخدّرات...
في حادثة نيس عشرات الأطفال أصيبوا واثنان قتلا والبعض فقدته عائلته... هل الدين مثلاً يحضّ على قتل الأطفال؟!! أم أن الإسلام علمنا «لا تقتلوا طفلاً أو امرأة أو شيخاً، ولا تقطعوا شجرة، ولا تهدموا صومعة»؟ فأي دين هذا الذي يتحدثون عنه.
لا ننكر أن هناك أيديَ خفيّة وربما أجهزة خفيّة وراء هذا الإرهاب ووراء خلق المجموعات الإرهابية واستخدامها لفترة معينة، ولكن هذا لا يمنع كل عربي ومسلم أن يرفع صوته عالياً، وأن يسمي المسميات بأسمائها... هناك فكرٌ سلفيّ تُقدم له الأموال بسخاء... من أجل مصالح ما... ولكن هذا الفكر أصبح متغوِّلاً همجيّاً يدمر الحياة بكل أشكالها.. وربما الذين ساهموا في حالة التغوُّل هذه سيحترقون بنارها عاجلاً أم آجلاً..؟!!