في وقت متأخر من مساء الجمعة، شهدت تركيا ساعات دراماتيكية مخططة، حيث حلقت في سماء العاصمة التركية أنقرة طائرات حربية، بالتزامن مع سيطرة مجموعة من الجيش على مقر التلفزيون الرسمي، أعلنوا من خلاله الاستيلاء على السلطة في البلاد وفرض الأحكام العرفية، من أجل الحفاظ على الديمقراطية وحقوق الإنسان.
كانت أنظار الأتراك شاخصة تترقب خروج الرئيس أردوغان، فخرج لهم في مكالمة عبر "فيس تايم" على إحدى القنوات التركية، متوعداً محاولي الانقلاب على الديمقراطية بدفع الثمن باهظا أمام القضاء التركي.
لم يدم الأمر طويلاً فسرعان ما أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم السيطرة على محاولة الانقلاب التي وصفها بـ"الغبية" والتي نفذتها مجموعة من الجنود والضباط الذين تم اعتقالهم.
قال المحلل السياسي طلال عوكل، إنه من الصعب أن تكون الحكومة التركية لديها معلومات مسبقة حول مخطط انقلابي للإطاحة بالسلطات الحاكمة، ولو كانت تمتلك المعلومات الكافية لاتخذت إجراءات مناهضة، لمَا حصلت هذه الفضيحة.
وأوضح عوكل في حديث خاص مع وكالة "خبر"، أن من قام بهذا الانقلاب هو جزء صغير من الجيش التركي وليس الجيش بأكمله، لأنه لو كان كذلك لما انتهى الانقلاب خلال 24 ساعة، مشيراً إلى أنه بعد 11 سنة من حكم حزب العدالة والتنمية أجريت تغيرات كثيرة في تركيبة الجيش التركي بحيث لم يعد جيش معارض وإنما موالي للحاكم.
في حين اختلف رأي المحلل السياسي هاني حبيب، الذي اعتقد أن هذا الانقلاب من صنيع السلطات التركية لإصلاح بعض الأخطاء التي ارتكبها أردوغان، وإظهاره بدور البطل القومي الذي أفشل الانقلاب، وبالتالي تعود صورة تركيا لما كانت عليه في السابق.
ولفت عوكل إلى أن الانقلاب ليس بالدُمّل البسيط الذي يفتح وينتهي بعد تطهيره، بل له تبعات على أرض الواقع من ملاحقة للانقلابين وإصدار الأحكام بحقهم، ومن ثم تصحيح حالة الاضطراب في الشارع.
وحول دعوة الرئاسة التركية الأتراك إلى البقاء في الشوارع تخوفاً من تجدد الانقلاب، قال عوكل إن وجود الناس في الشوارع هو شكل من أشكال استعراض القوة الشعبية وحماية النظام، بالإضافة إلى أنه دلالة على التفاف الجماهير حول الحكومة التركية ودعمهم لها.
أما حبيب فقال إن نزول المعارضة التركية إلى الشوارع ورفضها للانقلاب، ليس حباً في أردوغان وإنما خوفاً على الديمقراطية المدنية من الضياع.
وتوقع عوكل أن تكون هناك أطراف خارجية وراء هذا الانقلاب، وأن الحكومة التركية لن تتركه دون بحث في امتداداته وخلفياته والقوى الداعمة له، وأشار بأصابع الاتهام نحو الولايات المتحدة واصفاً علاقتها مع تركيا بالمضطربة، وبحاجة إلى إعادة حسابات.
واعتقد حبيب، أن المسألة تتعلق بشكل أساسي بالمرتكزات الداخلية التركية، وإن كانت هناك جهات خارجية، لكنها غير حاسمة وغير قادرة على أن تؤثر تأثيراً مباشراً على الوضع في تركيا.
وبالحديث عن تأثيرات الانقلاب، أوضح حبيب أن ستكون هناك فترة من عدم الاستقرار في تركيا، مع تراجع كبير في الاقتصاد والسياحة، لكن هذا من شأنه ألا يستمر طويلاً.
وتحدث عوكل أن تركيا ستصبح في نظر الآخرين بلد غير مستقر، ولديه مشاكل داخلية مع الأكراد من جهة، والمعارضة والانقلابين من جهة أخرى، ما يؤثر سلباً على وضع تركيا.
وأشار حبيب إلى أنه من المتوقع أن ينسحب الجيش والشرطة من الشوارع وتختفي المظاهر العسكرية، في حال فرض الحزب سيطرته السياسية الكاملة على البلاد، وسيعلن بعدها عن بدء محاكمة المنقلبين.
وأكد عوكل على أن هذا الانقلاب سيكون سداً منيعاً لأي محاولة أخرى في المستقبل، وأن نجاح أردوغان في إفشال الانقلاب سيعزز من مكانته على الصعيد الداخلي، أما على الصعيد الخارجي فهو مرهون بمن يقف وراء الانقلاب وإن كان ذلك، فإن هناك وضع غير سوي بتراجع سياسة تركيا وعلاقاتها مع الإقليم.
واعتبر حبيب أن فشل الانقلاب سيعزز من مكانة أردوغان بين الدول، وهو يأتي نتيجة للإصلاحات التي قام بها أردوغان على سياساته مثل المصالحة مع الإقليم، وعقد اتفاقات مع إسرائيل، والاعتذار إلى روسيا.
ويعد هذا الانقلاب هو الانقلاب الخامس في تاريخ الدولة التركية، وهو أول انقلاب يفشل في تركيا، كان يرمي للإطاحة بنظام أردوغان وحزبه الحاكم لتركيا منذ عقد من الزمن.