اهدؤوا. الجيش الاسرائيلي انتصر على تائير كمينار. فقد طردها من صفوفه بسبب «عدم الملاءمة»، وأضاف لذلك توبيخا شديداً، بسبب «السلوك السيئ والخطير جدا».
قضت تائير كمينار 150 يوما في السجن العسكري بسبب رفضها الخدمة العسكرية، حيث أنها تعتبر الجيش «جيش احتلال». وبدلا من هذه الخدمة كانت مستعدة لتقديم الخدمة المدنية، لكن الجيش رفض ذلك. وقبل موعد تجنيدها كانت خدمت كمتطوعة مدة سنة في سدروت. والامور التي رأتها هناك والندب التي سببتها الحياة تحت النار لاولاد سدروت، جعلتها ترفض الخدمة في الجيش من اجل «عدم أخذ دور في دائرة الكراهية في غزة وسدروت»، قالت.
حالة تائير كمينار وضعتني في مفارقة: أنا ضد رفض الخدمة في الجيش لأنني أشعر أن الديمقراطية الاسرائيلية (ما بقي منها) ضعيفة جدا، والخروج ضد قوانينها يعرضها للخطر. ولأن الجيش الاسرائيلي ليس فقط جيش احتلال، بل ايضا جيش الدفاع عن اسرائيل، ولأن من يؤيد رفض الخدمة العسكرية الآن لن يكون له الحق الكامل في الوقوف أمام الجنود والمستوطنين الذين يرفضون الاخلاء، الذين قد يقاومونه بشكل ناجع.
لكن مع مرور الوقت، وقت تائير في السجن، ومع كل تمديد للاعتقال، بدأت أشعر مثل الكثيرين بأن الجيش لا يعاقب تائير فقط، بل يقوم باذلالها والانتقام منها، الامر الذي يثير احيانا الشعور بأن الجيش يخاف من هذه الفتاة المصممة ومما تمثله، لذلك فهو يصمم على «كسرها».
تجاوزت تائير كمينار القانون، ولا خلاف على ذلك، لكن الطريقة التي تعامل بها الجهاز العسكري كشفت عن صلابته غير الانسانية والاجحاف الذي قد يسببه القانون نفسه، خصوصا عندما يواجهه موقف مبدئي واخلاقي يتحدث بلغة تختلف عن لغته.
لو جاءت تائير كمينار من رحم امرأة حريدية أو مجرد متدينة، رحم محمي من التجنيد بناء على اتفاقات ائتلافية ابتزازية، لما كان هناك سؤال. ولكانت حصلت على اعفاء اوتوماتيكي. إلا أن تائير ولدت كجزء من السكان الذين يحملون على أكتافهم عبء وجود دولة اسرائيل، لهذا فهي توجد في اطار معاقبة الدولة لها. ولهذا قضت في السجن 150 يوما رغم اقتراحها أن تخدم الدولة من خلال مجالات اخرى مدنية. 150 يوما في السجن رغم أن رفضها للخدمة العسكرية لا يقل اخلاقية ومبدئية عن قناعات بنات جيلها المتدينات.
موقف الجيش واضح. لا خيار أمام الجيش، أو هكذا يشعر على الاقل، سوى التعبير عن موقف متصلب لا تراجع فيه في هذا الموضوع الحساس. ما الذي سيحدث؟ يسأل قادة الجيش، اذا جاء الآلاف من الرافضين بعد تائير؟ من الواضح أن هذه امكانية تبدو خيالية في ظل الاجواء الحربية السائدة في البلاد، لكن اذا حدث هذا فهل يبدأ قادة الدولة والجيش في فهم أنه توجد مشكلة مع الواقع وليس مع من يحتجون ضده؟.
اضافة الى ذلك، جاء اعلان الجيش الاستفزازي: «تم تسريح كمينار بسبب سلوكها السيئ والخطير جدا».
صحيح، لقد تجاوزت القانون، رفضت التجنيد، لكن الجيش الذي يفعل كثيرا من الامور السيئة والخطيرة، الجيش الذي منذ خمسين سنة يقمع ويقتل المواطنين والاولاد في «المناطق» المحتلة، هل هذا الجيش يمكنه أن يقف بضمير نظيف أمام هذه الفتاة الشجاعة التي تسعى للسلام، وتوبيخها بسبب «السلوك السيئ والخطير جدا»؟.
حالة تائير كمينار يمكنها أن تكون فرصة للجيش ومن يترأسه لاعادة النظر في رد «الجهاز» على الرافضين، والحاجة الى المرونة واقتراح مسار خدمة بديل. إن الاعتراف بأن الجيش يعمل منذ عشرات السنين في واقع اشكالي من الناحية الاخلاقية، قد يُمكّن من هو غير قادر على ذلك من التعبير عن ضميره. هذا هو القليل الذي يستطيع الجهاز أن يفعله.
إن من يعارض موقف تائير كمينار، يمكنه القول إنها تنتمي الى اولئك الاشخاص الشباب الذين نريد أن ينشؤوا هنا وأن يساهموا في المجتمع بطريقة تفكيرهم الانتقادية والحرة. هؤلاء هم الاشخاص الذين يتفاخر بهم المجتمع الانساني المتنور. ويصعب التفكير بأننا وصلنا الى درجة أن الجيش الاسرائيلي يريد كسر روح هذه الفتاة.