أي مستقبل مخيف ينتظر شبابنا؟

عبد الغني سلامة
حجم الخط

حسب نتائج «مسح الشباب» الذي نفذه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني العام 2015، بلغ عدد الشباب الفلسطيني من الفئة العمرية (15 - 29 سنة) حوالي مليون وأربعمائة ألف نسمة، يشكلون ما نسبته 30% من إجمالي السكان؛ أي إنهم قوة هامة في تحديد مستقبل البلاد.
كما أشارت البيانات الى أن 37% من الشباب ملتحقون حالياً بالتعليم، وقد بلغت نسبة الذين أنهوا مرحلة التعليم الجامعي «بكالوريوس فأعلى» 13% من إجمالي الشباب من هذه الفئة. وأفاد 39% من الحاصلين على مؤهل علمي «دبلوم متوسط فأعلى» أنهم عاطلون عن العمل (بواقع 27% في الضفة الغربية و57% في قطاع غزة). وأشارت النتائج الى أن 83% من الشباب العاملين يشتغلون في القطاع الخاص، مقابل 10% يعملون في مؤسسات الدولة. فيما حاول 21% من الشباب إنشاء مشاريع خاصة.
كما أظهرت النتائج أن 24% من الشباب الفلسطينيين لديهم الرغبة للهجرة للخارج، (بواقع 37% في قطاع غزة مقابل 15% في الضفة الغربية.) معظمهم لأسباب اقتصادية، وتحسين ظروف المعيشة، ولعدم توفر فرص عمل في فلسطين.
وحسب بيانات وزارة التربية، تقدَّم لامتحانات الثانوية العامة لهذا العام 2016 نحو 78585 طالب وطالبة من كافة الفروع، نجح منهم نحو خمسين ألفا، يرغب حوالي 48% منهم بإكمال تعليمهم الجامعي، وهي نسبة عالية تبلغ ضعف مثيلتها في ألمانيا! ما يدل على خلل في هذا التوجه، وهذه النسبة تزداد سنويا، ولا يقابلها زيادة مماثلة في حجم سوق العمل.. ما يعني أن عشرات الآلاف من أبنائنا الطلبة تنتظرهم البطالة.
المشكلة الأولى التي ستواجههم هي عدم قدرة الجامعات المحلية على استيعابهم، رغم أن الجامعات أخذت في السنوات الأخيرة تغير من سياسات القبول، ما أثر سلبا على نوعية التعليم.. عشرات الآلاف منهم لن يدخلوا الجامعات، ولهذا الأمر وجه إيجابي، رغم صعوية تقبله من قبل الكثيرين، حيث سيضطر هؤلاء للتوجه للدراسات المهنية ومراكز التدريب.. أو للعمل..
المشكلة الثانية ارتفاع تكاليف التعليم؛ فالطالب الجامعي يكلف أهله بمعدل ثلاثة آلاف دولار سنويا كحد أدنى، وبعض التخصصات أضعاف هذا الرقم، وإذا رغب بالتعلم في الخارج سيُضاف تكاليف الإقامة والسفر.. فقد ولت أيام الدول الاشتراكية والعراق وسورية التي كانت تستقبل سنويا آلاف الطلبة بتكاليف شبه مجانية.
ما يعني أن التعليم سيقصم ظهر الأهالي، وسيرهقهم، لدرجة أن البعض صار يعتبره مشروعا فاشلا، سيما وأن العمل غير مضمون بعد التخرج..
والمشكلة الأخرى التي ستأتي بعد التخرج، هي صعوبة إيجاد فرصة عمل؛ السلطة لن يكون بمقدورها إستيعاب إلا نسبة ضئيلة من الخريجين.. الشركات الخاصة تشترط خبرة، أو تقوم بابتزاز الخريجين بتوظيفهم برواتب هزيلة، وظروف عمل شاقة..
المشكلة التالية ستواجه حتى المحظوظين الذين وجدوا فرصة عمل، وهي غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف الحياة، مقابل تدني الأجور.. بعد الوظيفة أو العمل الحر، سيبدأ الشاب/ة بالتفكير بالزواج.. تكاليف الزواج لا يقوى عليها أي شاب، دون مساعدة الأهل.. لكن قدرة الأهالي على المساعدة ليست دائمة.. سيبدأ الشبان بالاعتماد على أنفسهم.. سعر أرخص شقة في المدن 100 ألف دولار، سعر السيارة من 10~20 ألف دولار، وهي أرقام خيالية بالنسبة لشاب في مقتبل العمر.. وإذا اشترى شقة (أو سيارة) عن طريق البنوك سيظل مديونا طيلة عمره.. أجرة البيت تشكل من 40~50% من قيمة الدخل.. بقية الدخل بالكاد يكفي سد الرمق..
وحسب دراسات ميدانية، فإن خط الفقر في فلسطين لأسرة مكونة من خمسة أفراد هو 2293 شيكل، وخط الفقر المدقع هو 1832شيكل، والمقصود بالفقر المدقع هو مستوى الاستهلاك من الحاجات الأساسية؛ المأكل والملبس والمشرب فقط. بينما في (إسرائيل) وبحسب تقارير رسمية فإن العائلة المكونة من خمسة أفراد إذا كان دخلها أقل من 9،230 شيكل تعتبر فقيرة. علما أن معدل الأسعار في إسرائيل أعلى بنسبة بسيطة مقارنة بالأراضي الفلسطينية. الحد الأدنى للأجور في إسرائيل هو 4825 شيكل، بينما في فلسطين هو 1450 شيكل، فإذا كان معدل إيجار البيت في المدن الفسطينية بحدود الألف شيكل، ما يعني أن الأسرة الفلسطينية التي يعيلها عامل، إذا كانت تسكن بالإيجار عليها أن تمتنع عن الأكل والشرب وتكتفي بالهواء، وهو بالمجان لحسن الحظ!
أهلنا في القدس وضعهم أصعب، فحسب الأرقام الرسمية الإسرائيلية: 82% من سكان القدس الشرقية يعيشون تحت خط الفقر، خاصة بعد وقف الاستيراد من الضفة.. في غزة الوضع كارثي، بسبب الحصار..
في الدول الأخرى عندما تضيق الحياة بإنسان، بإمكانه أن يتجه لورش البناء، أو للحقول، أو للعمل الحر. أما في فلسطين، فتنحسر الخيارات.. ماذا يعمل المزارع بعد أن صودرت أرضه ومياهه؟ وكيف سيجد العامل عملا في سوق يعاني أصلا من بطالة؟ والسوق الإسرائيلي شبه مغلق، فإسرائيل تمنح تصاريح عمل لعدد بسيط جدا
من العمال.. وأين سيذهب أصحاب الكفاءات والطموح؟ بعد أن ضاق العالم بهم، وبدأت بعض البلدان العربية تقذف ما عندها وترجعهم إلى بلدانهم!
هذه الأرقام والمعطيات مخيفة، ومحبطة.. ولكنها حقيقية.. وهي واقع نواجهه الآن، وسنواجهه بجرعات مضاعفة في المستقبل.. على الحكومة البدء من الآن (مصيبة إذا كانت لم تبدأ بعد) بإعداد خطط إستراتيجية بعيدة المدى لمواجهة هذه المعطيات.. وهي مهمة تقع على عاتق المجتمع أيضا.. المؤسسات ومراكز الأبحاث والقطاع الخاص والمنظمات الأهلية.. المطلوب توجيه التعليم، وإنشاء المشاريع، والتوجه نحو التنمية المستدامة.. والمطلوب من المجتمع تغيير الكثير من مفاهيمه.. ليس شرطا أن يتخرج الجميع من الجامعات.. الطب والهندسة ليستا أفضل من الآداب والزراعة.. التعليم الجامعي ليس أفضل من التعليم المهني.. عمل المرأة لم يعد خيار ترفيا، صار أمرا ملحا.. وعلى صعيد آخر، مطلوب تغيير ثقافة المجتمع بشأن الزواج والمهور والمظاهر والتفاخر المزيف والثقافة الاستهلاكية.
الشباب هم بناة المجتمع وعماده وثروته الحقيقية.. هذا إذا كان لدى الحكومة رؤية مستقبلية.. وإلا سيكون هؤلاء الشباب عبئا على المجتمع، يلتهمهم شبح البطالة والإحباط.. أو تتخطفهم التيارات المتطرفة، لينفجروا في وجوهنا.. سيما وأن نسبة غير بسيطة منهم تشعر بالسخط، والتيه، وفقدت ثقتها بالقيادة، وبالفصائل، وبالعملية السياسية، وحتى بالمستقبل..
هذه ليست دعوة للإحباط؛ إنما دق لناقوس الخطر..