الانقلاب أفشل ما تبقى من الديمقراطية في تركيا

160717145522_turkey_coup_640x360_bbc_nocredit
حجم الخط

ليس واضحاً إن كانت النوايا طيبة. من الواضح ان النتيجة ستكون سيئة لتركيا بالاساس. فمنذ نحو عقد ونصف يوجد لتركيا زعيم شعبي وقوي، رجب طيب اردوغان، كلما قوى نفسه أضعف الديمقراطية. والآن، في اعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة سيكون الزعيم أقوى أكثر فأكثر، والديمقراطية أضعف أكثر فأكثر. الأغلبية تؤيد اردوغان، وقد انتخب في اجراء ديمقراطي. الموضوع هو ان لا حاجة للعودة الى الاجراء الديمقراطي في ألمانيا في الثلاثينيات كي نفهم بان الاجراء الديمقراطي لا يضمن الديمقراطية، بل هو بعيد عن ذلك.
منذ عشرات السنين وتركيا تعيش في توتر بين الجيش، الذي يعتبر علمانيا، وبين الحكم الذي يوجد في ايدي أحزاب اسلامية. في التسعينيات سيطر على تركيا حزب الرفاه، الذي ترأسه نجم الدين اربكان، والذي شغل منصب رئيس الوزراء. اربكان، مثل حزبه، كان اسلامياً واضحاً. اما الجيش التركي، الذي تبوأ الدور التقليدي لحارس تقاليد مؤسس تركيا العلمانية، مصطفى كمال أتاتورك، فقد اسقط حزب الرفاه من الحكم. وصادقت المحكمة الدستورية التركية على رفض الحزب. رفع الحزب واربكان التماسا الى المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان، والتي هي المحكمة الدولية التي ضمن صلاحياتها تقع كل دول اوروبا. وقررت المحكمة في قرار دراماتيكي وتأسيسي ان قرار رفض الحزب قانوني، لأن من يهدد مبادئ الديمقراطية ويخطط لنظام ثيوقراطي لا يستحق حماية المحكمة.
أحد شباب الحزب كان رجب طيب اردوغان. وقد اسس حزب العدالة والتنمية، الذي هو في واقع الامر حزب ابن للحزب الذي رفض. وفي غضون وقت قصير استولى حزب العدالة على الحكم، في إجراء ديمقراطي تماما. وأثناء العقد السابق نجح اردوغان في اضعاف مراكز القوى العلمانية، وعلى رأسها الجهاز القضائي، الجيش، الشرطة ووسائل الاعلام. وفرض اردوغان ديمقراطية عرجاء في ظل المس الكبير بحرية التعبير والمس المتكرر بالشبكات الاجتماعية التي في تركيا ايضا هي مركز للانتقاد الشديد للحكم.
ضحكة المصير هي أن اردوغان ذاته ركض بنفسه ليلة الجمعة نحو الشبكات الاجتماعية، التي كانت معطلة جزئيا كي يدعو الشعب الى انقاذ حكمه. ونجح في الوصول الى قناة تلفزيونية قطرية بالذات من خلال "فيس تايم" ونشر تغريدة ايضا: أدعو الامة للخروج الى المطارات والميادين لاعادة الديمقراطية وارادة الشعب". لقد فشلت محاولة الانقلاب ايضا بسبب الاستخدام الناجع للشبكات الاجتماعية واخراج الجماهير الى الشوارع.
تتضمن ديمقراطية اردوغان مئات مواقع الانترنت المغلقة بأوامر من الحكم وعشرات الصحافيين الذين رفعت الدعاوى ضدهم و/او زجوا في السجن بسبب إهانة الحاكم الاعلى. والنتيجة هي ان تركيا تسير نحو احتلال مكان أدنى فأدنى في جدول الديمقراطية. فقرابة عقدين مرا منذ اخرج الجيش حزباً اسلامياً عن القانون، ونال تأييد المحكمة الدولية الأهم. في تلك العهود كانت تركيا اكثر ديمقراطية بكثير. مرّ الزمن، وأصبحت تركيا أقل ديمقراطية، واحتمال هزيمة اردوغان من خلال مركز القوة العلمانية الاهم، الجيش، يقترب من الصفر.
للانقلاب العسكري دوما رائحة كريهة. ولكن عندما يمثل الجيش بالذات قيم الدولة العلمانية، فيما يمثل الحكم المنتخب التدهور نحو المزيد من الاسلامية، فليس واضحا ان قرار الاغلبية هو كل شيء. الديمقراطية هي ايضا حكم الاغلبية ولكنها ليس فقط حكم الاغلبية. لقد اصبحت "حماس" الحزب الاكبر في انتخابات ديمقراطية. فهل ثمة ذرة في هذا من الديمقراطية. سيطر "الاخوان المسلمون" على مصر في انتخابات ديمقراطية. وفي غضون وقت قصير تمكنوا من أن يضربوا كل قسم طيب تقريبا. لم يقم الجيش بانقلاب. في هذه الاوضاع لا يكون الخيار بين الخير والشر بل بين الشر وشر اسوأ منه. يحتمل أنه ينبغي رفض الانقلاب العسكري في كل الاحوال. يحتمل أن يكون اردوغان هو أهون الشرور. ولكن الانقلاب الذي فشل أفشل ايضا ما تبقى من الديمقراطية التركية. كانت لها سنوات سيئة. من هنا فصاعدا، ستكون لها سنوات اسوأ بكثير.