زرت قبل ايام عائلة التوائم الثلاث المتفوقات في امتحانات التوجيهي في طولكرم آلاء و ضحى واسراء عثمان اللواتي حصلن على معدلات عالية، وقبل ذلك سبقتهن شقيقاتهن سماء وسيماء وشقيقهن يزن بالتفوق بمعدلات فوق 95%.
الوالد المكافح والذي يعمل سائقا ربى ورعى عائلة من ستة فتيات وثلاث فتيان ما زال بعضهم في المدرسة، وسيوجد الآن خمسة على مقاعد الدراسة في الجامعات. ولكن هل يستطيع هو أو غيره أن يوفر أقساطا جامعية لخمسة طلاب في آن واحد؟
قبل عامين التقيت في احتفال لطلبة التوجيهي بعائلة اخرى دخل أربعة من أبنائها الجامعة في نفس العام، وعانوا الأمرين لتوفير أقساط ابنائهم.
معظم العائلات الفلسطينية تنجب الكثير من الأبناء والبنات ونحن نعتز بذلك باعتباره معيارا لصمود الشعب الفلسطيني وتعاظم عدده في وجه الاستيطان الصهيوني. وجميع الفلسطينين يعتزون بالعلم ويتمسكون به، باعتباره ضمانة أمن ومستقبل أبنائهم وبناتهم ووسيلة لتمكين وطنهم. وكلنا نمجد ذلك ونتفاخر به.
لكن فخرنا يصطدم كل عام بحقيقة أن أقساط الجامعات، مع أن معظمها لا يغطي تكاليف التعليم الباهظة، هي فوق طاقة معظم العائلات وأغلبها من ذوي الدخل المحدود.
قبل أربعة عشر عاما بالضبط حاولنا أن ندرس هذه المشكلة واستشرنا الطلاب وأساتذة الجامعات والتربويين ودرسنا تجارب الشعوب الاخرى وتوصلنا الى قناعة مسندة بالمعطيات العلمية أن الحل الجذري لمشكلة الاقساط وتحقيق تكافؤ الفرص مرهون باقرار قانون لانشاء صندوق وطني للتعليم العالي يوفر المنح لكافة الطلبة والطالبات المتفوقين دون تمييز ، وقروض مسهلة ( تغطي كافة تكاليف التعليم حتى التخرج) لباقي الطلبة، بحيث يقوموا بتسديدها بشكل مريح و فقط بعد ان يتخرجوا ويبدأوا بالعمل. وهذا الصندوق يصبح دورا بعد ثلاث سنوات من انشائه ويضمن استدامة العملية واسناد نفسه من دخله.
وقمنا بالفعل بصياغة قانون يلبي هذه المتطلبات، وكما وعدنا الناس، وضعناه على طاولة المجلس التشريعي الجديد في أول جلساته، ليكون أول قانون يقدم بعد انتخابات عام 2006 .
المجلس التشريعي ناقش القانون وأقره بالقراءة العامة بالاجماع. ثم انفرط عقد المجلس التشريعي، وتعطل بفعل الانقسام اللئيم ،وبقي القانون ينتظر.
واستمرت معاناة الطلبة وعائلاتهم وما زالت.
حاولنا اقناع الحكومات السابقة بتبني القانون واصداره. وتظاهر الطلاب بالآلاف امام مجلس الوزراء قبل سنوات لتشجيع ذلك. ولم يتغير شيء، مع أن تكلفة انشاء هذا الصندوق لن تتجاوز 8% من المساعدات الخارجية التي كانت تصل للسلطة سنويا، ولمرة واحدة.
ومع أن الصندوق سيصبح ممولا لنفسه، وسيضمن استدامة التعليم العالي، وتحسين رواتب العاملين والمدرسين في الجامعات، وتحسين مداخيل الجامعات لتطوير البحث العلمي ورفع مستوى التعليم.
علما بأن أكثر من ضعف تكلفة انشاء الصندوق ضاع على قروض للتعليم لم تسترد طوال السنوات العشرين الماضية. و علما بأن صندوق الاقراض القائم لايقدم حلا جذريا للمشكلة و الدليل على ذلك استمرارها.
لقد صدرت قوانين كثيرة خلال سنوات غياب المجلس التشريعي القصرية. ومعظمها لم يناقشها المجلس ولم يقرها. فلماذا لا يصدر هذا القانون الذي حظي بموافقة المجلس التشريعي سابقا بالاجماع؟
ولماذا لا نشجع تعزيز كرامة الطلاب والطالبات وعائلاتهم، بضمان البعثات والقروض الميسرة التي تغطي كامل الاقساط، دون الحاجة للبحث عن واسطة او اللجوء للمحسوبية، ودون جعل سداد الاقساط وسيلة لفرض الولاء السياسي أو غير السياسي.
كل الدول المتحضرة جعلت التعليم أولوية لها و أساسا للتنمية، وكلها خلقت نظام بعثات واقراض مسهل يحفظ كرامة الطالب وأهله، ويمنع التمييز بين الطلبة بسبب الفقر أو الغنى أو الانتماء السياسي.
وبذلك تحافظ هذه الدول على تطورها لأنها تعطي الفرص للعقول والمبدعين دون تمييز. فلماذا لا نفعل ذلك، باقرار قانون الصندوق الوطني للتعليم العالي ووضعه موضع التنفيذ الفوري، ونريح بذلك عائلة عثمان وكل العائلات الفلسطينية من معاناة الكدح القاسي لتعليم أبنائهم وبناتهم.
وبذلك تنتهي ظاهرة حرمان كثير من الطلاب وخصوصا الطالبات من حقهن في التعليم لأن اهلهن لا يملكون القدرة على تسديد أقساط الجامعات.