المتوكل طه " حوارٌ في المنفى "

thumbgen
حجم الخط

 (مع أبي عبد الله الصغير، بعد أن سلّم غرناطة ، وطردوه من الأندلس)

ماذا تركتَ هناك؟

قال: فؤادي،

في جنّةِ الأعراسِ والأعيادِ.

كم كنتُ أرغبُ أنْ تكونَ منيَّتي

في ظلِّ مَنْ شهدتْ على ميلادي..

 لكنّها الدُنيا تبدِّلُ ثوبَها الحرباءَ

 أو تمضي بلا ميعادِ،

وهي التي تَرمي عقاربَها على

مَنْ ظنّ فيها واحةَ الإسعادِ!

وانْظُرْ إلى ما صِرتُ!

أين ممالكي،

فسطاطُ عرشي،

قادتي وعتادي؟

أنا مثلَما ظهرتْ إليكَ نهايتي،

وحدي، بلا زوجٍ ولا أولادِ.

هلْ ينفعُ الندمُ المُمِضُّ؟

وهل أنا

مَنْ باعَ مملكتي وأرضَ بلادي؟

لِمَ لَمْ  تقولوا : كنتُ فرداً أعزلاً

في السجنِ ، عند تزاحمِ الأضدادِ؟

ورأيتُ أنَّ قلاعَهم معصومةٌ

وأنا أنوءُ بعَوْسَجي وقتادي..

وممالكُ العرَبِ الشقيقةُ أغلقتْ

أبوابَها دوني على استعبادِ!!

وُزراءُ قصري مَنْ أشار عليَّ أنْ

أمضي إلى التوقيعِ والإبعادِ..

كي لا تضيعَ بقيةٌ من أرضنا

والخيرُ في التسليمِ دونَ عنادِ..

غدروا بي..(القشتالُ)

ثم وجدتني؛

والموتُ كلُّ رغائبي ومُرادي..

قد خانني الوزراءُ والتجّارُ والْ..

كانوا عزوتي ورشادي..

قلتُ:

هذه بطانتُكَ التي أَمَّرْتَها

وجعلتها الحُكّامَ دونَ سَدادِ

أنتَ الذي اخترتَ النهايةَ عندما

اخترتَ الطريقَ وثُلّةَ الفُسّادِ..

مَنْ يجعلِ الأفعى شريكةَ نَوْمِهِ

تَنْـزُ عليه بِسُمِّها الرقّادِ.

أنتَ الذي أصبحتَ رمزاً نافِراً

لخيانةِ الفُقراءِ والزُهّادِ

لا يَرْغَبَنْ أحَدٌ بذِكرِكَ طالما

بِعْتَ الشهيدَ وشاهدَ الأجدادِ.

وإذا ذُكِرتَ يكونُ ظلاًّ قاتماً

لخيالِ مَنْ ضَربوا على الأكبادِ،

مَنْ كانَ يأملُ في مياهِكَ ظامئاً

قد ماتَ مِن ظمأ السرابِ البادي،

شقّوهُ بالسّفّودِ فوقَ جحيمهِ

ليهبَّ قَطْرُ لهيبهِ الوَقّادِ.

هذي الخيانةُ إنْ وقعتَ ببئرِها

بحثاً عن النبعِ الدفوقِ الغادي

ستظلُّ في قيعانها عبداً لها

وتظلّ دون مياهها.. يا صادي.

ها أنتَ تنعبُ في المنافي مُفْرَداً

والناسُ في الأصفادِ دون مُنادِ..

والبعضُ يَهْدِلُ في البراري سائلاً قمراً

وكان البدرَ في الأسيادِ.

قال:

رُحْماكَ.. صَمْتاً.. لم تَعُدْ لي قدرةٌ

لسماعِ ما اقترفتْ يدي بعبادي،

يا ليتني قد مِتُّ فوقَ مطيّتي

كي لا أكونَ مطيّةَ الأوغادِ،

يا ليتني ألقى الكلابَ، فعندها

سأُقَطِّعُ الشريانَ بالورّادِ..

يا ليت.. كيفَ أعودُ.. 

كي أمضي إلى الزغل الذي

يحنو عليه الآسُ قُرْبَ الوادي،

يا ليتَ أُمّي

- أين أُمّي الآن؟ -

قد قطعتْ يدي،

كي لا أُوَقِّعَ صفحتي بسوادي....

وبكى الزُغَيبيُّ الذليلُ.. وقال لي:

أنتَ الذي قد كنتَ أولَ زائري

ستكونُ، حتماً، آخرَ العُوّادِ.