ما قاله الحاخام يغئال لفنشتاين، رئيس الكلية العسكرية التمهيدية في عالي، حيث وصف الطائفة المثلية «بالمنحرفين»، ودعا التيار الاصلاحي اليهودي بأنه «تيار في المسيحية» ووقف ضد الميل «الخطير» للاعتراف بالمختلف وبالآخر – لم يكن صدفة. فهذا لا يعبر فقط عن معارضة قيمية لما يجري في الجيش، بل هو ايضا خطوة سياسية تستهدف الاشارة الى رئيس الاركان والى ضابط التعليم الرئيس بأن لفنشتاين وحاخامين مركزيين آخرين في الصهيونية الدينية لا يعتزمون التنازل بسهولة عن التأثير الكبير ومراكز القوة في تصميم نمط الحياة والقيم لدى جنود الجيش الاسرائيلي.
يستخدم الباحث البروفيسور يغيل ليفي اصطلاح «التحول الثيوقراطي للجيش» كي يصف التأثير حاخامي الصهيونية الدينية، بعضهم رؤساء تمهيديات وبعضهم رؤساء مدارس تسوية، على الجيش الاسرائيلي. والمقصود هو ظاهرة دحر صلاحيات الدولة وقوانينها عبر صلاحيات فقهية وبقوانين دينية. ففي نظر حاخامين مثل لفنشتاين فان شرعية قوانين الدولة محدودة، وفي الحسم بين قوانينها وبين قوانين الهلاخاه – الفقه الديني، كما هو وزملاؤه يفسرونها، فان قوانين الهلاخاه تتغلب.
يشارك في هذا الفهم الحاخام العسكري الرئيس المرشح، ايال كريم، هو الآخر، والذي يتقاسم مع لفنشتاين مواقف مشابهة في مواضيع النساء والمثليين وفي كل ما يتعلق بقواعد الحرب الفقهية، التي تبرر برأيه افعالا كقتل الجرحى والمدنيين الأبرياء. أفعال يُعرفها القانون الدولي كجرائم حرب وتشكل انتهاكا لقوانين الجيش والدولة.
إن هذه المسيرة المتمثلة باخضاع نمط حياة الجنود للمبادئ الدينية تتميز، برأي ليفي، ليس فقط بمحاولات للضغط على الجيش لتطبيق قيم وممارسات دينية، بل ايضا في التأثير على ما يجري فيه من خلال السيطرة التدريجية على مواقع قوة في داخله. شريك الحاخام لفنشتاين في تأسيس التمهيدية في عالي وزعيم التمهيديات الدينية العسكرية، الحاخام ايلي سيرين، الذي نال هذه السنة جائزة اسرائيل، مع أنه تحفظ على تصريحات لفنشتاين، إلا أنه قال في الماضي: «يجب الدخول الى كل الاجهزة – الجيش، المخابرات، الاجهزة القضائية من اجل تصميم الدولة المثالية». اقوال بهذه الروح قالها في الندوة الحاخام شلومو افينر: «جيشنا مقدس: في الداخل يوجد عدة تغييرات لا تكون جيدة احيانا، وهم لن ينجحوا. لا تغفوا في الحراسة، ولكن اعلموا بأننا سننتصر».
تتضمن «التغييرات غير الجيدة» ليس فقط دعوة «منحرفين» لالقاء المحاضرات في قواعد التدريب للضباط أو مشاهدة الجنود للمسرحيات الانهزامية والمنفلتة في المسرح، بل اساسا فيما يعتبرونه كتراجع واندحار لتأثيرهم على ما يجري في الجيش – خطوات مثل اخراج فرع الوعي اليهودي من أيدي الحاخامية العسكرية بقرار من رئيس الاركان وسياسة ضابط التعليم الرئيس الذي يرى في التعليم على التعددية الدينية، التسامح والاعتراف بالآخر والمختلف، قيما جديرة بغرسها في الجنود.
إن الحرب الثقافية بين قوانين الدولة وقوانين الهلاخا يجب أن نراها في سياق مقلق آخر: لفنشتاين، وحاخامون آخرون، يعربون عن مواقف مشابهة، ينتمون الى التيار التأصلي – الحريدي المتعزز في الصهيونية الدينية – تيار معاد لروح التعليم العام وقيم الديمقراطية ويشدد على فهم ديني اصولي الى جانب ايديولوجيا قومية متطرفة. ويتعاظم هذا التيار في جهاز التعليم الرسمي – الديني في السنوات الاخيرة. وكما أشار شموئيل شيتح، مدير عام حركة «أمناء التوراة والعمل»، فقد وجدت الظاهرة تعبيرها في الارتفاع في عدد تلاميذ التوراة الصهاينة، الذين هم أطر خاصة للتعليم الابتدائي للبنين.
في هذه الأطر، التي هي في واقع الامر مدارس خاصة بتمويل الدولة، يوجد تعزيز كبير للتعليم الديني على حساب التعليم المدني، فصل بين البنين والبنات وآليات قبول انتقائية تميز التلاميذ من الطبقات الضعيفة، قسم كبير منهم شرقيون. بعض خريجي هذه المدارس يصلون في المستقبل الى التمهيديات العسكرية ومدارس التسوية التي تمول بأموال الدولة ويترأسها حاخامون مثل لفنشتاين ممن يتآمرون عليها.
إن الحرب الثقافية لا توشك على الخبو في السنوات القريبة القادمة، والصراع على التعددية، المساواة بين الجنسين، العدالة الاجتماعية والديمقراطية، يتفاقم فقط – في الجيش وفي خارجه.