أنا يسارية، ولا أفخر بذلك. حسب الاحصائيات، لو كنت ولدت لعائلة يمينية لقمتُ كما يبدو بالتصويت لليمين.
ولو لم أترب في اليسار لما كنت أصمم على معرفة فظائع الاحتلال. لو كنت أعتمد على محطات الاخبار المركزية لما كنت أعرف أي شيء عن الاحتلال.
كتب كوبي نيف في مقال له بعنوان "لا نريد أن نرى" ("هآرتس"، 13/7) يصف ظاهرة اربعة يساريين ساذجين، يؤمنون أنهم لو كانوا تحدثوا بشكل دائم عن جرائم الاحتلال في القناة الثانية لكان الرأي العام حول الاحتلال سيتغير.
وحسب زعمه فان تغطية ما يحدث في "المناطق" لن تغير في الامر شيئا، بل ستجعل المشاهدين يهربون. لأنـ "هم" القوميين المتطرفين لا يريدون أن يعرفوا. يُسمع هذا الزعم مرة تلو الاخرى من يساريين يائسين. والدليل الوحيد لينيف هو محاولة الأميركيين اعادة تربية الالمان بعد الحرب (لقد أداروا رؤوسهم ولم يرغبوا في المعرفة).
ليس هناك أي طريقة لمعرفة ما الذي كان سيحدث لو كانت شركة الاخبار للقناة الثانية تقوم بواجبها الصحافي الاساسي، وتعمل على تغطية الحياة من وراء الجدار بشكل دائم.
كما أنه لا يمكن معرفة ما الذي كان سيحدث لو أنها لم تكن متعاونة مع ألاعيب بنيامين نتنياهو اثناء الحملة الانتخابية الاخيرة. فمن جهة كان هناك برهان على أن الامور المغضبة والخلافية تجذب الاهتمام وتزيد من نسبة المشاهدة.
يتبين أن الصحافة الانتقادية والمعلومات حول ما يحدث في "المناطق" باسمنا وبأموالنا وبخدمة أبنائنا العسكرية، هي ايضا ميزة.
فالمعرفة هي قوة جميلة من اجل نقاشات الصالونات اليائسة. وقد قال لي ذات مرة شخص جدي في مجال تغطية "المناطق" في قناة مركزية، أنه عندما يقوم الجيش الاسرائيلي باطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع في قرية فلسطينية، يكون ذلك موضوعا مهما.
لأنه يحدث كل الوقت، هذا نوع من التراجيديا للخيال العلمي، هذا يحدث كل الوقت، لهذا هو لا يحدث.
إن ايمان اليسار اليائس قائم على الفرضية التي تقول إن مصوتي اليمين هم على ما يبدو أقل اخلاقية (فهم ناكرون للجميل ولامبالون بطبيعتهم).
أو أنهم أقل فضولية، وهذا لا يعني أنهم ولدوا هكذا – قول كهذا لن يكون يساريا – بل هم يقومون بالافساد بطريقة لا رجعة عنها.
إن اليأس من قدرة مصوتي اليمين العقلية ينعكس في التنازل المسبق لقادة حزب العمل عن المعلومات المتعلقة بثمن الاحتلال، عندما يُعدون حملة انتخابية. وايضا قادة المعجزة التي تم تفويتها في صيف 2011 لم يتجرأوا على التورط مع اليمين العصبي، أو الاعتماد على تقديراته، وفضلوا التعاون مع عدم شرعية اليسار واسكات موضوع الاحتلال.
اليأس عميق، وهو الذي يقف كما يبدو من وراء الرغبة في إحداث انقلاب عسكري من اجل الديمقراطية، أو انتظار اوروبا لمقاطعة اسرائيل.
وكأن خطوة عنيفة تتم بالاكراه هي التي ستحدث التغيير. بماذا يختلف هذا عن نظرة مصوتي اليمين للفلسطينيين عندما يقولون إنه لا يوجد من نتحدث معه؟
إن خمسين سنة من الاسكات والنفي في وسائل الاعلام لا يمكن أن تكون موضوعا هامشيا. واليائسون يقولون: انظروا الى خروج بريطانيا والى دونالد ترامب – الهستيريا والديماغوجيا ينتصران، هذه ظاهرة عالمية، وبحق فإن الهستيريا والكراهية هي مصادر ممتازة: متوفرة ورخيصة وقابلة للاشتعال مثل اليأس. ولكن المنطق والسعي الى الازدهار حققا الكثير بالمثابرة.
اذا قررنا التنازل مسبقا عن الصحافة وعن الاقناع، وبشكل عام عن الاجماع، فمن الافضل لنا دفن رؤوسنا في الرمل.
فتوح: جرائم الاحتلال تعيد للأذهان مجازر عام 48
06 أكتوبر 2023