نسمع من المرضى أو نشاهد ونعاين أو تطالعنا الأنباء بين الفينة والأخرى، عن النقص، بل النقص الحاد في بعض الأدوية، سواء أكان ذلك في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، وبالأخص أدوية الأمراض المزمنة او الأمراض العضال، أي الأمراض التي يحتاج المريض الى تعاطيها لفترة طويلة، وما لذلك من تداعيات، وعلى كل الأصعدة، من تداعيات صحية واقتصادية ونفسية واجتماعية، او حتى من عدم الشعور بالأمان عند المريض والناس، وبالأخص حين يكون النقص في عيادات أو صيدليات وزارة الصحة، حيث يتجه الناس المؤمنون صحيا للحصول على الأدوية.
ومن الأمور التي تسعى إليها المجتمعات او الدول، هو تحقيق نوع من الأمن الداخلي، سواء أكان ذلك فيما يتعلق بالأمن الغذائي، او فيما يتعلق بتوفر الأدوية، وبالأخص الأدوية المنتجة محليا، بالنوعية وبالجودة وبالأمان وبالكمية، التي يحتاجها المريض او المستهلك الفلسطيني، أي توفر الأمن الدوائي، ويحدث في أحيان عديدة، ان تختفي فجأة بعض الأدوية، وبغض النظر عن سبب اختفاء الأدوية، سواء أكان السبب هو المورد او المستورد او صاحب المستودع، او صاحب الصيدلية، او وزارة الصحة، او حتى الإنتاج المحلي، أي المصنع الدوائي الفلسطيني، فإن من يدفع الثمن في المحصلة هو المريض، والمجتمع بشكل عام، بسبب حالة القلق والإرباك والتساؤلات التي يؤدي إليها اختفاء الأدوية.
ونحن نعرف ان مجتمعنا الفلسطيني، وأسوة بالمجتمعات العربية وحتى العالمية، بدأنا نعاني من آفة انتشار وتصاعد الأمراض غير السارية، ومنها الأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب وبأنواعها، والسكري، وأمراض السرطان وأمراض الجهاز التنفسي، وما الى ذلك، والتي كلها، لها علاقة بأنماط الحياة الحديثة، من تغذية وحركة ونشاط بدني، ومن ضغوط الحياة وتوتر وقلق، ومعروف ان أمراض القلب تشكل النسبة الأعلى من الوفيات في بلادنا، وتليها أمراض السرطان، وكل ذلك يحتاج الى الأدوية وبأنواعها، وبالتالي لماذا لا توجد خطة استراتيجية وطنية تضم الصناعة الدوائية والجهات الرسمية، تعمل من اجل توفير أدوية نحتاجها، بل نعاني من النقص منها، والتي من السهل إنتاجها، ولكن لا نجدها في الصيدليات تحت الأسماء المحلية، أي كمنتجات فلسطينية؟
وحسب الإحصائيات المتوفرة، تغطي الصناعة الدوائية المحلية حوالي 50% من القيمة السوقية للأدوية في فلسطين، وبالتالي هناك حاجة للحصول على حوالي 50% من احتياجاتنا من الأدوية من الخارج، أي عن طريق الاستيراد، سواء من إسرائيل او من الدول الأخرى، وما لذلك من تبعات اقتصادية وصحية وحتى سياسية، وفي نفس الوقت هناك آفاق لزيادة تغطية الصناعة الدوائية الفلسطينية لسوق الأدوية المحلية، وبالتالي تشغيل المزيد من الأيادي العاملة، المتعلمة والقادرة على تلبية حاجات الصناعة.
ومعروف ان شركات الأدوية في العالم، تقوم بتسويق أي دواء بناء على معايير السلامة والفعالية او الجودة، وفي بلادنا توجد صناعة دوائية تمتاز بالمواصفات الدولية المطلوبة، وهي بالكامل صناعة تحويلية، اي تقوم باستيراد المواد الفعالة ومن ثم وضعها في قوالب خاصة بكل شركة، ومن ثم منحها اسما خاصا بهذا المصنع او ذاك، لكي يميز المنتج، ومن ثم تسويقه تحت هذا الاسم، وتقوم الصناعة الدوائية الفلسطينية كذلك بالتصدير الى الخارج، الى دول أوروبية وعربية، ومعروف ان هدف هذه الصناعة وكأي صناعة أخرى هنا او في العالم هو الربح وتوزيع عائد الأرباح على مساهمي الشركة او على أصحابها.
وآفاق التطور لهذه الصناعة متوفرة، سواء أكانت بشكل عمودي، أي كصناعة تحويلية تنتج أصنافا جديدة، او من خلال تفعيل وتكثيف البحث والتطوير، الذي بات ضروريا لبقاء هذه الصناعة وغيرها من الصناعات وللتقدم والمنافسة، هذه الآفاق موجودة للصناعة الدوائية الفلسطينية، حيث يمكنها استخدام الأعداد الكثيرة من خريجي الجامعات الفلسطينية، في تخصصات ذات علاقة بإنتاج وتطوير الأدوية، مثل الكيمياء والصيدلة والتسويق وما إلى ذلك، وكذلك الخبرات والأيدي العاملة المدربة، والتي كفيلة بتطوير الصناعة الدوائية، لتلبية الحاجات المحلية، وللتعامل مع الأزمات القديمة والمتجددة من النقص في الأدوية وما الى ذلك من تداعيات كثيرة.
عن حوادث السير المروعة وتكرارها
يكاد لا يمر يوم أو بضعة أيام، إلا ونسمع عن أو نشاهد صورا ومآسي حوادث السير المروعة والمأساوية، ورغم الألم الذي يرافق ذلك، ورغم الحزن الذي يلف أفراد العائلات والناس بشكل عام، من المفترض ان يكون ذلك درسا وعبرة، من اجل إعادة دراسة قوانين السير، وإجراءات كيفية الحصول على رخصة السياقة، وعملية او كيفية ترخيص المركبات من حيث الأمان والسلامة، وكذلك مراجعة شاملة لأداء الجهات المختصة في السير والسياقة، من أفراد الشرطة ومن وزارة المواصلات ومجلس المرور ومن له علاقة بذلك.
وما زلنا نشاهد وبشكل يومي كذلك، الزعرنة او الفهلوة في السياقة وبأنواعها، وخاصة السياقة او التجاوز خلال الإشارة الحمراء، وكأنها أصبحت شطارة او هواية، وحسب الإحصاءات فإن عشرات المواطنين يلقون حتفهم بسبب حوادث السير، هذا بالإضافة الى المئات من الجرحى، وبعض هؤلاء الجرحى من يبقى معاقا بقية حياته، ومن المعروف بديهيا ان حوادث السير تحدث، أما بسبب السائق او بسبب المركبة او بسبب الشارع او المشاة، او هذه العوامل معا او مجتمعة.
واذا كان عدم الالتزام بقوانين أو آداب أو سلامة السير قد اصبح من المسلمات او الأمور الواضحة في بلادنا، سواء من قبل أصحاب المركبات العمومية وبأنواعها او حتى من قبل بعض المركبات الخاصة، وبالأخص في الطرقات السريعة، تلك التي تربط المدن بالمدن او القرى بالمدن، فالسؤال الذي يطرحه المواطن والذي نسمعه باستمرار هو أين هي تلك الجهات التي من المفترض ان تراقب تطبيق قوانين السير، أي أين هي الشرطة، وبالأخص شرطة السير، وبالأخص في نقاط او تجمعات او مفترقات تزداد فيها احتمالات الحوادث.
وأين هي الإجراءات التي يتم اتخاذها لمنع وقوع الحادث التالي، واذا كان التجاوز او السرعة الزائدة هي من الأسباب الأساسية لوقوع الحوادث في بلادنا، فهل تم اتخاذ الإجراءات التي تردع ذلك، وهل تم تسخير جزء من طاقات الشرطة لتطبيق ذلك، ولماذا لا يتم البدء باتخاذ الإجراءات او مراجعة الأوضاع، إلا حين وقوع الحادث، والسؤال الآخر هو هل القوانين الموجودة هي بالفعل رادعة، وهل هناك خشية عند المخالفين من تطبيقها عليهم، وهل المخالفات والغرامات وحتى سحب رخص السياقة او حتى إيداع السجن يمكن تجاوزها من خلال الواسطة والمحسوبية والثقافة السائدة في هذا المجتمع.
وفي ظل الحزن والغضب الذي يصاحب حوادث السير، فإنه يجب التذكر ان الأمر الخطير الآخر فيما يتعلق بالسياقة او التهور او عدم المبالاة من قبل السائقين، هو عدم الالتزام بالإشارات الضوئية، فهذا يؤدي الى تشجيع الآخرين وتدريجيا الى عدم الالتزام بالإشارات والذي بدوره سوف يؤدي أجلا او عاجلا الى وقوع حوادث وربما كوارث.
وحوادث السير، وان حدثت في مناطق أخرى في العالم، فإنها لا تمر بشكل سريع او عابر، ولكن تتشكل اللجان ويتم فحص الأمر من كل الجوانب، والاهم يتم اتخاذ الإجراءات لكي لا يتكرر الحادث، او حوادث أخرى في ظروف مشابهة، وهذا يدعونا الى ان نطالب بأن تتنبه الجهات المعنية الى القيام بالدور المطلوب لتطبيق الالتزام بالإشارات الضوئية مثلا، ومن ثم ضبط المخالفين وإيقاع العقوبات، ومن ثم فحص النتائج، أليس هذا الأمر بالبسيط وغير المعقد وغير المكلف، قبل ان تستشري ثقافة عدم الالتزام بالإشارات الضوئية وبالتالي تتلاشى الألوان الموجودة عليها، وحتى تتداعى ثقافة عدم الالتزام بكل قوانين السير الموجودة، وبالتالي يستمر تزايد أعداد القتلى والجرحى والمعاقين والمآسي والحزن، من حوادث السير يوما بعد يوم.