يبعث كتاب خيرية قاسمية «يهود البلاد العربية» مسألة اليهود العرب في بعدها العربي والإسرائيلي، فقد كان هؤلاء جزءاً من الدول والمجتمعات العربية على مدى التاريخ، لكن معظمهم هاجر بعد 1948 إلى إسرائيل أو دول أخرى في أوروبا وأميركا، وهم يشكلون اليوم نسبة كبرى بين اليهود في إسرائيل، وإذا أضيف إليهم العرب الفلسطينيون - «الإسرائيليون» فإنه يمكن القول إن الغالبية الكبرى من الإسرائيليين هم عرب، أو إن إسرائيل دولة عربية، وإن كان ذلك بطبيعة الحال لا يغير شيئاً في الواقع القائم واتجاهاته وصراعاته، فقد نجحت إسرائيل في دمج هؤلاء في منظومة العداء والكراهية للعرب والفلسطينيين، بل أضافت إليهم آخرين من غير اليهود! لكن ذلك لا يمنع أن تكون مسألة اليهود العرب محتملة الإيجابية أو مفيدة في تسوية الصراع العربي والفلسطيني - الإسرائيلي.
وكما يشكّل اليهود العرب مسألة عربية معقدة، فإنهم يمثلون أيضاً حالة إسرائيلية ويهودية معقدة، فقد كانوا وما زالوا يخضعون لسياسات تمييز وتهميش من اليهود الأوروبيين المهيمنين على دولة إسرائيل والحركة الصهيونية، بل إن مفكرين ومثقفين من اليهود العرب يعتبرون أنفسهم ضحايا للصهيونية والسياسات الإسرائيلية مثلهم مثل الفلسطينيين، وقد وقعت حوادث احتجاجات ومواجهات بين اليهود العرب والشرطة الإسرائيلية، ومن أشهرها حركة الفهود السود، كانت غالبيتها تركز على قضايا المساواة الاجتماعية والاقتصادية، لكن «المزراحيين» أو اليهود العرب والشرقيين بدأوا منذ التسعينات ينظمون أنفسهم في تشكيلات سياسية واجتماعية تشارك في الحياة العامة في إسرائيل كما شغلت بالثقافة الخاصة بهم إضافة إلى العدالة الاجتماعية، والنضال لأجل الهوية العربية.
ومن النشطاء االمهمين في الوسط اليهودي العربي: إيلا حبيبة شحوط، وهي أستاذة في جامعات أميركية، ودانيل شاشا مدير مركز التراث السفارديمي، وجوردن الغرابلي مدير مركز الثقافات المشرقية، وإميل القلالي، ويهودا شانهافا، وهنان هيفر، ويصنف هؤلاء أنفسهم ثقافياً واجتماعياً على أنهم عرب ينتمون إلى بلادهم الأصلية التي هاجروا منها وإلى ثقافتها وتاريخها.
لم يكن اليهود العرب يشعرون بتناقض بين هويتهم العربية وديانتهم اليهودية، وقد نشر كثر من المثقفين اليهود كتباً ودراسات كثيرة باللغة العربية في الثقافة والعلوم والشعر والديانة اليهودية، كما ساهموا بفاعلية في الثقافة والفنون العربية وفي الموسيقى والشعر والمسرح والسينما والدراما والصحافة، وكان قادة صهاينة في الأربعينات قد عبروا عن قلقهم من أن اليهود العرب يحملون الثقافة العربية العامة وليست لديهم ثقافة خاصة بهم كما يهود أوروبا.
لكن المسألة اليهودية العربية تحمل ظواهر وأبعاداً أخرى تبدو غريبة، إذ يشكل اليهود العرب كتلة مؤثرة في اليمين الإسرائيلي والحركات الدينية المتطرفة، وهي كتل سياسية ودينية تشكل الحالة الأكثر عدائية وتطرفاً تجاه العرب والفلسطينيين، ويفسر بوشنان بيريز هذا الاتجاه العدائي بأنه محاولة من اليهود الشرقيين للحصول على قبول كامل في المجتمع الإسرائيلي.
وهناك في المقابل، حركات يهودية عربية مثل «تحالف قوس قزح المزراحي الديموقراطي» بقيادة الأكاديمي العراقي يهودا شناف، تدعو الى الاعتراف بالهوية العربية اليهودية وإلى رفع الظلم الواقع على الفلسطينيين في إسرائيل، وكتب شناف قائلاً في مقالة له نشرت في صحيفة «هآرتز» الإسرائيلية، أنه كما يملك اليهود الحق لتقرير مصيرهم الجماعي في إسرائيل، فإن على الدولة الإسرائيلية أن تتوصل إلى اتفاق مع المواطنين الفلسطينيين حول تمثيلهم الجماعي كأقلية عرقية داخلها.
ونشرت الباحثة والناشطة في ميدان حقوق الإنسان يفات بتون، مقالاً في مجلة الدراسات الشرقية تقترح فيه تعاوناً مشتركاً بين الفلسطينيين العرب في إسرائيل واليهود العرب، أساسه المطالبة بالعدالة ضد التمييز الذي يعانيه الجانبان، عنوانه الحلم وبناؤه التعاون المزراحي العربي لمقاومة التمييز.
ويبقى الدرس الأهم بالنسبة الى النخب والأنظمة السياسية العربية في مسألة اليهود العرب، أنها في عجزها عن استيعاب مواطنيها ودمجهم تواصل العمل ضد نفسها، وما يبدو من رغبة يهودية أو كردية أو أمازيغية أو أفريقية للانفكاك عن العرب ليس سوى الجانب الأكثر وضوحاً من الانشقاق الكبير بين النخب وسائر المواطنين أفراداً أو فئات أو طبقات.
عن الحياة اللندنية