أزواج في غرف الولادة...دعم للزوجات أم تقليد للمشاهير؟

1469019124-661690-inarticlelarge-jpg-42895856271693400
حجم الخط

بين رهبة الموقف والخوف من الألم، تنتاب المُقبلات على الإنجاب بعض المشاعر السلبية، خصوصاً في المرة الأولى، وعليه تؤكد الزوجات أن لدعم الأزواج دوراً كبيراً في استقرارهن النفسي، حتى أن بعض الأزواج أصرّوا على الدخول إلى غرفة الولادة مع زوجاتهم، لكن هل يفعل الرجال ذلك فقط لدعم زوجاتهم، أم من أجل توثيق لحظات الولادة بالفيديو والسيلفي، أم تقليداً للمشاهير؟ .

بين ليلة وضحاها، صارت تجربة الدكتور جورج إيميل ، طبيب أمراض نسائية، في توليد زوجته ماريان عاطف مثار دهشة وإعجاب وحديث مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، والسبب "فوتوسيشن" غرفة الولادة، التي أصر عليها صديقهما المصور ميشيل أسعد الذي نال جائزة نقابة الصحافيين في القصة المصورة، والتي دارت فصولها بداية من حمل ماريان وصولاً الى ما بعد الولادة، وكيفية دعم زوجها لها في شتى مراحل الحمل والولادة. تحكي ماريان القصة قائلة: "منذ علمت بالحمل، اقترح عليَّ زوجي التقاط صور توثيقية لمراحل الحمل على مدار الأشهر التسعة بكاميرا الهاتف الخليوي لتكون أقرب إلى "الفوتوسيشن" التي نراها في المواقع الأجنبية وتنال إعجابنا، خاصة أنها ستكون ذكرى جميلة في ما بعد، فاستحسنت الفكرة وبدأنا نناقشها ونرتب لها، وفي الوقت نفسه، اتصل بي صديقنا المصور ميشيل أسعد وأخبرته بحقيقة حملي، فأصر على أن يخصص لي جلسة تصوير، وعندما أخبرته بالفكرة التي اتفقت عليها مع زوجي، ازداد إصراره على تنفيذها بطريقة أكثر احترافية، خاصةً أنه مصور زفافنا، فوافقنا وأصبحنا نقطع عشرات الكيلومترات شهرياً للوصول إلى ستديو ميشيل". 

يلتقط جورج أطراف الحديث ويقول: "مشوار التصوير كان مرهقاً بسبب بُعد المسافة، لدرجة أن أُصبت بالملل في منتصف الطريق، لكن ماريان كانت تشجعني على الاستكمال، وفي الوقت نفسه لم يتوقف دعمي لها أثناء الحمل عند التصوير، بل كنت أتابع حملها كطبيب، فرغم أن الكثير من الأطباء يفضلون أن تتابع زوجاتهم مع أطباء مختلفين، كنت أصطحب ماريان معي شهرياً إلى العيادة لأُجري لها جميع الفحوص والتحاليل المطلوبة. ومن أجمل اللحظات التي مرت عليَّ في متابعة الحمل حين خضوعها للصورة الصوتية في بداية الشهر الخامس، واكتشافنا أنها حامل بذكر، فكانت سعادتي غامرة نظراً الى كوني رجلاً شرقياً يفضل إنجاب الذكور".

وتتابع ماريان: "نظراً لأن جورج هو الطبيب المتابع للحمل، كان أيضاً الزوج الذي يشرف على تناولي الأدوية والفيتامينات في مواعيدها اليومية المحددة، كما كان يسمح لي بتناول بعض الأطعمة الممنوعة في الحمل، لكن بكميات صغيرة، وأعتبر نفسي زوجة محظوظة ومدللة طوال فترة الحمل، وبناء عليه طلبت منه أن يقوم هو بتوليدي، لأنني سأكون أكثر اطمئناناً معه، خاصةً أنه قرر أن ولادتي ستكون قيصرية، فأصررت على أن يجري لي الجراحة بنفسه، وأن يحقنني ببنج نصفي حتى أرى الطفل فور الولادة".

يقول جورج: "فكرة أن يتولى طبيب آخر توليد ماريان لم تكن واردة على الإطلاق، خاصةً أن والدتي استشارية أمراض نسائية وتوليد، وأعمل معها في مركزها الخاص، وبالتالي تعاونا كثيراً في توليد نساء العائلة، وكان الخيار الوحيد هو أن تقوم أمي بتوليد ماريان، حتى طلبتْ أن أوّلدها بنفسي"... مؤكداً: "وفي نهاية الشهر التاسع وعند التقاط الصورة الأخيرة، علم مايكل بحكم صداقته لنا أن الولادة ستكون في مركزنا الطبي الخاص، وأنني لن أستقبل أي حالات ولادة في هذا اليوم، فأصر على الحضور لتوثيق الولادة بالصور، خاصةً أنني سأوّلد زوجتي، فوافقنا، لكن والدتي رفضت في البداية وجود مصور في غرفة الولادة، موضحةً أن غرفة الولادة لها قدسيتها، لكن بعد فترة من الإقناع، وافقت ورافقنا مايكل بداية من التجهيزات قبل دخول غرفة الولادة، وفي أثناء الولادة وبعدها أيضاً".

تصف ماريان يوم الولادة قائلة: "لم أكن خائفة أبداً، خاصة أن جورج كان موجوداً معي، فدخلت غرفة الولادة في منتهى الهدوء، لكن بمجرد أن رأيت حقنة التخدير أصابني خوف شديد".

يرى جورج أن الخوف لم يكن من نصيب زوجته وحدها، ويقول: "أُصبت بالرهبة بمجرد أن أمسكت بمشرط الجراحة، وشرعت في تحديد مكان الجرح، ولم أسمح لتلك الرهبة بأن تتملكني لأكثر من ثوانٍ معدودة، فقررت على الفور السيطرة على مشاعري كزوج، وأن أتعامل معها كحالة ولادة عادية غريبة عني، حتى أتمكن من إجراء الولادة بنجاح، وهذا ما حدث بالفعل، وبمجرد أن أخرجت الطفل، وشعرت بأنفاسه الأولى سلّمته الى طبيب الأطفال الموجود معنا في غرفة الولادة ليكشف عليه، ثم اقترحت على أمي أن أتابع طفلي وأن تستكمل هي عملية الولادة، فطمأنت زوجتي، وانتقلت إلى طبيب الأطفال للتأكد من سلامة طفلي، وفي تلك الأثناء كان مايكل يوثّق بالصور كل مراحل الولادة، ورغم ذلك التقطت "سيلفي" مع الطفل وزوجتي فور إفاقتها قبل خروجنا من غرفة الولادة".

وتؤكد ماريان أن تجربتها الفريدة لا ترجع إلى كون زوجها طبيب أمراض نسائية وتوليد، وإنما لكونه رجلاً متعاوناً في الأساس، يدعم المرأة ويتفهمها، ويقدّر معنى الشراكة والرحمة في العلاقة الزوجية، فكم من أطباء لا يتابعون زوجاتهم ولا يدخلون معهن الى غرف الولادة... في حين يرى جورج: "أن دعم زوجتي واجب، فالحمل والولادة بطولة لا يقوى عليها أشجع الرجال، ولو لم أكن طبيب أمراض نسائية كنت حتماً سأدخل معها الى غرفة الولادة من أجل دعمها نفسياً، ولو عاد بي الزمن الى الوراء لكررت التجربة بكل تفاصيلها، من دعم وتصوير وخلافه".

متعة التوثيق 
أحمد حمدي ، مصور صحافي، 35 عاماً، يمتلك من الجرأة ما جعله يطلب بنفسه الدخول مع زوجته الى غرفة الولادة، ويقول: "صدق القائل بأن المهنة تطغى على الشخصية، فلكوني مصوراً صحافياً، أمتلك الجرأة لمواجهة أصعب المواقف والظروف، فضلاً عن عشقي للتصوير الذي تصاحبه متعة التوثيق، ومن هنا قررت مرافقة زوجتي الى غرفة الولادة".

ويتابع: "أهلي وأهلها حاولوا منعي وإقناعي بشتى الطرق بأنني لن أقوى على تحمل الوضع داخل غرفة الولادة، لكن عمّة زوجتي كانت الوحيدة التي دعمتني في قراري، ونظراً الى رفض الأهل نسّقت مع الطبيب قبل الولادة بأن يعطيني إشارة لا يفهمها الموجودون فأنسحب بهدوء ولا يشعرون بدخولي إلى غرفة الولادة، وهذا ما حدث فعلاً، إذ دخلت ووقفت في جوار زوجتي لأطمئنها، بحيث إن تخديرها كان نصفياً، وبعد دقيقة واحدة أبصرت «كرمة» النور، فسارعت في تصويرها وتوثيق تلك اللحظات بالفيديو، والتقطت في النهاية سيلفي تجمعنا نحن الثلاثة، أنا والأم والطفلة، داخل غرفة العمليات، فشعور أن أكون أول من يرى طفلي فور قدومه إلى الحياة لا يقاوم بأي مغريات في الوجود".

عبء نفسي 
أما أميرة بشادي ، فنانة تشكيلية، وحامل في طفلها الثاني، فتؤكد أن وجود الرجل في غرفة الولادة يكون عبئاً نفسياً عليه، وتقول: "كزوجات يجب أن نكون أكثر إنصافاً، وألا نطلب من أزواجنا المستحيل، وشخصياً أرى أن وجود الزوج في غرفة الولادة يمثل عبئاً نفسياً عليه، لأنه بطبعه كرجل غير مؤهل لذلك، لكن دعمه يصلني بأشكال مختلفة أثناء الحمل وقبل دخولي غرفة الولادة، ومهما كانت المرأة قريبة من أهلها، فهي تحتاج الى بقاء زوجها الى جانبها في تلك اللحظات".

وتتابع: "في ولادتي الأولى، تمثل دعم زوجي في وجوده معي أثناء الطلق، وفور خروجي من غرفة الولادة، فالمرأة تحتاج أن يكون زوجها بقربها بمجرد أن تفيق من التخدير. لكن في ولادتي الثانية وبما أنني في الشهر التاسع، بدأنا التحضير لدعم مختلف، فرحنا نتفق على العناية بالطفل الأول وقت الولادة، وبدأنا نفكر أين سيكون... معنا في المستشفى أم عند إحدى أخواتنا؟".

وتضيف بشادي: "تقسيم الأدوار في حد ذاته مشاركة ودعم، لكن وجود زوجي في غرفة الولادة لم يكن مطروحاً على الإطلاق ولم أطلبه أو حتى ألمّح اليه، لأنني أرأف به وبمشاعره، وأعلم جيداً أنه لن يحتمل رؤيتي أتألم، خاصةً أنني ألد طبيعياً، ولا أدري انعكاس ذلك عليه، فهناك أزواج يصابون بالإغماء عندما يرون زوجاتهم في غرف الولادة".

موضة ودعم 
الدكتور عمرو العباسي ، استشاري أمراض النساء والتوليد والعقم في المركز القومي للبحوث، يؤكد أن عدد الأزواج الذين يطلبون الدخول مع زوجاتهم الى غرف الولادة في تزايد مستمر، ويتابع: "الهوس بمشاركة الذكريات على مواقع التواصل الاجتماعي، أحد الأسباب التي تشجع الأزواج على خوض تلك التجربة، فمثلاً أجد مريضة أو زوجاً يشاركانني على مواقع التواصل الاجتماعي في صورة تم التقاطها في غرفة العمليات، لكن إذا نظرنا إلى الناحية النفسية، نجد أن هذا أحد أنواع الدعم الذي تسعد المرأة كثيراً بتلقيه من زوجها".

ويؤكد د. العباسي أن هناك بعض الأزواج المتخصصين في أمراض النساء والتوليد، يصرون على توليد زوجاتهم أو مرافقتهن الى غرفة التوليد على الأقل من أجل الدعم النفسي.

التواصل الاجتماعي 
من جهته، يؤكد الدكتور حسن جعفر ، أستاذ مساعد أمراض النساء والتوليد في كلية الطب- جامعة القاهرة، أن رغبة الأزواج القوية في الدخول الى غرف التوليد لها أسباب كثيرة، أولها أن الولادة سواء كانت طبيعية أو قيصرية، تتم ببنج نصفي حالياً، مما يجعل وجود الزوج عنصراً داعماً، وبالتالي يخفف شعور الزوجة بالألم. أما ثاني الأسباب فيرجع إلى انتشار فيديوات الولادة الطبيعية والقيصرية على الإنترنت، والذي خفّت معه رهبة الأزواج من دخول غرف التوليد بعدما كانوا يشعرون بتوتر شديد وهم خارج قسم العمليات، لكن هذا لا يمنع أن بعض الأزواج يصابون بحالات إغماء داخل غرفة الولادة، وهناك من يغادرون بسرعة بمجرد أن يروا مشهد الدم". 

ويتابع: "السبب الثالث في تهافت الأزواج على غرف الولادة، هو أن السيدة نفسها تطلب من الزوج الدخول معها الى قسم الجراحة، وهذا يتوقف على شخصية الطبيب وتفهمه للأمور، وغالباً ما نُلزم الزوج بالوقوف في مكان معين ليصور طفله أثناء الولادة وقطع الحبل السري وبالتالي معاينة طبيب الأطفال له، وبالطبع تبقى هذه الصور ذكريات جميلة للزوج والزوجة". ويشير الدكتور جعفر إلى بعض المواقف الطريفة، قائلاً: "هناك أزواج يخافون بمجرد دخولهم غرفة العمليات، فيبدأ ضغطهم بالانخفاض أو يُغمى عليهم، وثمة أزواج يتمتعون بالشجاعة، وآخرون عاطفيون يبكون من شدة التأثر، أو ينبهرون فينسون تصوير الطفل أثناء العملية".

حالات إغماء 
من الجانب النفسي، يؤكد الدكتور أحمد عبدالله ، أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق، أن دخول الأزواج مع زوجاتهم الى غرف الولادة أحد أنواع الدعم النفسي الذي تحصل عليه المرأة في هذه الفترة الهامة، حيث تشعر بأنه يشاركها ألم طفل تعاونا في إنجابه، وبالتالي تشعر بالطمأنينة وتكون أكثر قدرة على تحمل الألم.

ويتابع: "كثير من الرجال لا يفهمون طبيعة المرأة في هذه المرحلة، ولا يدركون مدى ألمها النفسي والجسدي، ولكنْ هناك فارق كبير بين هذا النمط غير الواعي وبين من يصرّون على دخول غرف الولادة، ويكمن هذا الفارق في الثقافة والوعي، حيث إن كل المعلومات المتعلقة بالحمل متاحة على الإنترنت، وكذلك فيديوات الولادة الطبيعية والقيصرية، الأمر الذي يحفز الزوج على مساندة شريكة حياته في أصعب لحظاتها على الإطلاق".

ويفسر أستاذ الطب النفسي حالات الإغماء التي تصيب بعض الأزواج في غرف الولادة، قائلاً: "أثبت العديد من الدراسات أن الرجال لا يستطيعون تحمل تلك اللحظات، وبناء عليه نجد البعض يعاني رهبة شعور زوجته بالألم، إضافة إلى رهبة مشاهد الدم، وعظمة خروج روح من روح، عندها لا يستطيع الرجل استيعاب كل هذه الأمور في لحظة واحدة، مما يعرضه إلى انخفاض في ضغط الدم، فإما يغادر غرفة الولادة، أو يبقى مع احتمال تعرّضه للإغماء، كما حدث مع الكثيرين ممن رافقوا زوجاتهم في غرف الولادة".

يؤكد الدكتور أحمد عبدالله، أن هناك نوعاً من الرجال الذين يعترفون بعدم قدرتهم على تحمل الموقف إذا طلبت منهم زوجاتهم ذلك، وهذا لا يمنع أنهم رجال متعاونون ويقدمون الدعم العاطفي والنفسي قبل الولادة وبعدها، في مقابل بعض الأزواج الذين لا يلتزمون بواجباتهم تجاه زوجاتهم، ويظهر ذلك في بعض التصرفات البسيطة، مثل إهمال اصطحاب الزوجة وقت المتابعة الشهرية أثناء الحمل، وأحياناً لا يحضرون الولادة بحجة العمل.

وفي النهاية، يشدد أستاذ الطب النفسي على أهمية دعم الرجل لزوجته في فترة الحمل والولادة، لأن ذلك يمنحها شعوراً بالأمان كزوجة وكإنسانة، وبالتالي يقوّي أواصر العلاقة الزوجية.