السماء التي نراها هي حدود بصرنا، لكن التحليق فيها يلزمه مركبات فضاء، ودون أن تصبح رائد فضاء صعوبات وتحديات تصنعها مئات العناصر والأسباب البدنية والشخصية والنفسية وحتى السياسية. قبل أن تحلم بطريق السماء أقرأ هذا المقال.
تيم بيك، ضابط بريطاني سلك الطريق إلى السماء وعاد إلى الأرض قبل شهر بعد أن أمضى 6 أشهر في رحاب الكون المجهول، راحلا بين الكواكب والنيازك والشهب،حيث لا يملك إلا الهواء المحمول معه في قناني مركبته. لكي يسلك طريق الأفلاك تنافس بيك مع 8 آلاف متقدم، فقهرهم وحصل على مقعد في رحلة وكالة الفضاء الأوروبية.
هي ليست عملية سهلة ولا مهنة مثل أي مهنة أخرى، إذ لا توجد مدرسة "لرواد الفضاء" ولا جامعة يتخرج منها الإنسان ليصبح رائد فضاء. كما لا توجد مناهج محددة واضحة لإتقان هذه المهنة الغريبة. على المتقدم أن يتعلم آلاف الأشياء بنفسه وأن يملك مؤهلات بدنية ونفسية لذلك. مهنة الطيار تبدو بدائية إزاء مهنة رائد الفضاء.
في العادة تبحث وكالات الفضاء عن أفضل الناس لترشحهم للتدريب أولا، وتدريب رائد الفضاء هو الاستثمار المضمون الوحيد لأي وكالة فضاء تريد أن تطلق مشروعا، لكن هذا التدريب طويل جدا، ومكلف للغاية، ويلزمه دعم مستمر قبل الرحلة وبعدها، والأخطر أن البرنامج قد ينهار لأقل عارض صحي قد يصيب رائد الفضاء ويجبره على ترك المهمة.
موقع وكالة الفضاء الأوروبية "يوروبيان سبيس ايجنسي" سلط الضوء على كواليس المهنة الصعبة.
ما هي الصفات التي يحتاجها رائد الفضاء؟
*يلزم روّادُ الفضاء استحضار كل معارفهم ومهاراتهم لإنجاز المهمة التي دربوا لخوضها، وعليهم أن يتحملوا مسؤوليات عملاقة وهم في الفضاء داخل المدار المطلوب أو في الطريق إليه أو رجوعا منه. ليس أمامهم سوى خيار" انجح أو انجح"، وهذا ما يميزهم.
*مطلوب منهم ثقافة علمية وإتقان للضوابط التقنية مقرونا بخلفية متميزة في مجال البحوث والفروع التربية، علاوة على معرفة في الفيزياء وفيزياء الكم وفروع كثيرة من الرياضيات والجبر وتطبيقاتها وكل ذلك مقرونا بمعرفة هائلة في عالم الكومبيوتر والعلوم الرقمية وتطبيقاتها وآخر تطوراتها. أولئك الذين سبق أن خاضوا تجارب في مجال الطيران أو مجالات متعلقة بعلوم الفضاء سيمتلكون ورقة رابحة إضافية في هذا السبق.
*فوق كل هذا، يلزم رائد الفضاء وضع جسماني صحي ممتاز لأنه سيمر بفترات تدريب طويلة ضمن غرف مفرغة من الجاذبية، وفي شروط طويلة صعبة. كما أن أي وعكة صحية (التهاب أو انفجار المصران الأعور مثلا) قد تكون سببا لكارثة، كما أنّ طول الرحلات الفضائية يخضع الجسد والعقل البشري إلى ضغوط لا يطيقها إلا من كان ذو جسم سليم.
*التحدي الآخر الذي يواجه رائد الفضاء هو خيار أن يعيش في حيز لا يتجاوز بضعة أمتار لأشهر طويلة مع أشخاص من مختلف الأمم والشعوب وبتقاليد بعيدة عما تعلمه ونشأ عليه. هم يتنفسون معا ويفكرون معا ويخافون معا ويأكلون معا ويقضون حاجاتهم معا وينامون معا ويحلمون معا ويحزنون ويفرحون ويشتاقون لأمهم الأرض معا، وفوق كل ذلك هم يعملون ويتحملون الصعاب معا وعليهم أن يقبلوا بعضهم. وهو مطالب أن لا يفقد أعصابه ولا يخلق مشكلة، فالمهمة لا تحتمل أي خطأ أو غضب أو إهمال.
*في الجانب العملياتي، يجب على رائد الفضاء أن يتكيف بشكل سريع مع كل موقف أو طارئ قد يستجد أثناء الرحلة بين النجوم والشهب والنيازك. وأهم تحدٍ يواجهه هنا هو عدم وجود سوابق يمكن أن يتعلم منها لأن كل رحلة فضاء لها خصوصيات تفرقها عما سبقها بشكل كامل أحيانا، قراراته الناضجة وقرارات زملائه في الرحلة هي التي سوف تحدد مصيرهم ومصير رحلتهم التي كلفت أهل الأرض مبالغ خيالية وجهودا دامت أعواما.
*المشكلة الأخطر أن بصر رائد الفضاء مهما كان قويا لن يفيده لأن الفضاء فراغ هائل تخرقه نجوم وكواكب وشهب ونيازك وصخور عائمة وسدم كونية وسحب من مواد غريبة لا أحد يعرف تأثيرها على المركبة التي تقلها، فهو يسبح وزملاؤه في عالم لا متناه لا قرار له، وقراره الوحيد الآمن هو عودته إلى أمه الأرض التي تبعد عنه مئات أو آلاف أو ملايين الكيلومترات.
*فوق هذا وذاك، فإن رائد الفضاء مطالب دائما بأن ينتصر على مشاعره، فالشوق إلى الأرض" نوستالجيا الوطن" جارف، ولا يستطيع كثيرون تحمله.
*كل رواد الفضاء مطالبون بتعلم وإتقان أكثر من لغة، لأن معاهد إعدادهم تتوزع بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وروسيا وألمانيا وبريطانيا إلى حد ما، وبالتالي تصبح الانكليزية مثلا لغة لابد منها بغض النظر عن أصل رائد الفضاء.
*كما أن رائد الفضاء مطالب بتعلم مستوى معين من أساليب التعامل مع الإعلام والصحافة، بطريقة تضمن أن لا يكشف إسرارا تحرص الجهات المنظمة للرحلة على عدم الكشف عنها.
*ويؤكد موقع وكالة الفضاء الأوروبية أن من يجد في نفسه القدرة على خوض التجربة ويمتلك إمكاناتها بوسعه أن يقدم للوكالة شرط أن تكون الدولة التي يحمل جنسيتها عضوا في الوكالة.