خصص رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أول من أمس، نحو ثلاث ساعات للقاء استثنائي مع المراسلين العسكريين أطلق عليه اسم «لقاء أول». ركزت أقوال نتنياهو في البداية على محاضرة تم إعدادها بشكل جيد وهي لافتة بحد ذاتها، حول وضع الدولة الاستراتيجي والتحالفات التي عقدها نتنياهو في الشرق الاوسط وخارجه، مع استغلال الامتيازات الاستخبارية والتكنولوجية الاسرائيلية على خلفية عدم الاستقرار العالمي وخطر الارهاب. لم يكن في هذه الاقوال أي تجاوز لاقوال رئيس الحكومة في الآونة الاخيرة، اثناء «ساعة الاسئلة» في الكنيست وفي لقاءات اخرى.
السبب الرئيس للقاء الصحافيين، الذي تم إبلاغهم به قبل فترة قصيرة، تبين فقط في الجزء الأخير من اللقاء. فقد أراد نتنياهو كبح الانتقادات الموجهة اليه على خلفية طريقة علاجه لخطر الأنفاق في قطاع غزة عشية عملية «الجرف الصامد» قبل سنتين وخلالها. بدأت هذه الانتقادات في الكنيست وفي الكابينت. وخصوصا من الوزير نفتالي بينيت، وفيما بعد في مسودة مراقب الدولة، وانعكست في الآونة الاخيرة في طلب قامت بتقديمه 30 عائلة ثكلى قتل أبناؤها في قطاع غزة، قريبا من موعد إحياء الذكرى الرسمي الذي سيتم اليوم (أمس)، من اجل اقامة لجنة تحقيق لفحص حيثيات الحرب.
مسودة التقرير، التي تم نشر بعض تفاصيلها في صحيفة «هآرتس» قبل شهرين، لم تعتبر نتنياهو مسؤولا رئيسيا عن المعلومات القليلة التي كانت لدى الكابينت حول خطر الانفاق قبل الحرب. لكن انتقادات العائلات الثكلى وجهت اليه في الاساس، وبدا أن رئيس الحكومة مصمم على كبح هذه الانتقادات. في خطوة استباقية قبل العاصفة السياسية التي من شأن تقرير المراقب إثارتها، طلب مكتب مراقب الدولة اجابات على المسودة من الذين تم انتقادهم منذ بداية آب، ومن ضمنهم رئيس الحكومة نتنياهو. ويبدو أن مراقب الدولة ينوي نشر التقرير النهائي خلال فترة الاعياد، رغم أن الموعد قد يتأجل.
القادة الامنيون والعسكريون، مثل نتنياهو، على قناعة أن لديهم اجابات جيدة على الادعاءات التي جاءت في المسودة. وهم يفترضون أنه منذ لحظة تدخل المراقب، يوسف شبيرا، في وضع الصياغة النهائية، ستكون هناك مرونة كبيرة للادعاءات التي جاءت في المسودة.
يتضح من أقوال نتنياهو، أول من أمس، أن لديه قاذفات لا بأس بها تجاه الادعاءات التي جاءت في المسودة. أُعدت الوثيقة في معهد بحوث الامن القومي والسكرتاريا العسكرية لرئيس الحكومة، وقام نتنياهو بعرض مضمونها في لقائه مع العائلات الثكلى، وخصوصا مجموعة من الخطوات التي اتخذت قبل الحرب. ثماني جلسات للكابينت، من تشرين الثاني 2013 حتى 30 حزيران 2014 (اليوم الذي تم فيه معرفة مكان جثث الفتيان الثلاثة، قبل اندلاع الحرب في غزة بأسبوع)، حيث طُرحت مشكلة الانفاق، اضافة الى عدد من الزيارات التي قام بها نتنياهو الى غلاف غزة. وطُرحت حلول تكنولوجية وعملية للتهديد.
نتنياهو مسلح بالكثير من الاقتباسات، لكنه لم يعلن عنها حتى الآن. يوجد لديه رد واحد قيل، أول من أمس، في أحد الاقتباسات: «الادعاء أنه لم يكن هناك نقاش جدي في الكابنت حول موضوع الانفاق، بعيد عن الحقيقة». في المقابل، سيتم بالطبع طرح سؤال ما اذا كانت النقاشات التي تمت عميقة واذا كان العنوان «الاهتمام بالانفاق» له مضمون عملي مع وجود توجيهات عملياتية واضحة وجدول زمني ملزم لعلاج التهديد.
كان واضحا من بين السطور في الاقوال، أول من أمس، الشك حول عمل المراقب واجهزة الفحص والرقابة بشكل عام. إنها تركز على «قائمة المشتريات» للجلسات والاعمال التي يفترض أن تنفذ حسب البروتوكول، بدلا من الفهم بأن الامر الاساسي هو نوعية القرارات بشأن الانفاق. في هذه النقطة يعطي رئيس الحكومة لنفسه علامة عالية: كانت الحرب الاخيرة في نظره نجاحاً كبيراً. ولم تحقق «حماس» أي طلب من مطالبها. ونفذ الجيش الاسرائيلي المطلوب منه وخرج من القطاع دون الغرق في وحل غزة. وأيضا بعد مرور سنتين على الحرب ما زالت «حماس» تخشى مواجهة اخرى مع اسرائيل.
في ظل انتقادات بينيت وتهديداته السياسية، يوجد منتقد آخر صامت منذ تعيينه وزيرا للدفاع، افيغدور ليبرمان. على خلفية عدد المرات التي ذكرت فيها، أول من أمس، التوجيهات التي تم اعطاؤها للجيش فيما يتعلق بمواجهة الأنفاق، يبدو أن خطة الدفاع هي أن يتم القاء المسؤولية على المستوى العسكري والأمني. من هذه الناحية يجدر القول إنه حتى الآن لا توجد لإسرائيل حلول لموضوع الانفاق، مثلما استطاعت ايجاد الحلول للصواريخ من غزة، الأمر الذي يفخر به نتنياهو وبحق، حيث تم الاسراع في انتاج صواريخ «القبة الحديدية».
في الوقت الذي جلس فيه نتنياهو مع المراسلين في مكتبه، كان ليبرمان في الكنيست من اجل «ساعة اسئلة». عضو الكنيست، عوفر شيلح، من حزب «يوجد مستقبل»، وواضع صيغة التقرير والذي تم استبعاده من لجنة الخارجية والامن حول عملية «الجرف الصامد»، سأل وزير الدفاع حول التقارير في الصحافة الفلسطينية التي تقول إن اسرائيل وافقت، هذا الاسبوع، على أن تدفع قطر رواتب موظفي حكومة «حماس» في غزة. وذكر شيلح أنه قبل سنتين فقط، قبل الحرب بأسبوعين، هدد ليبرمان، الذي كان في حينه وزيرا للخارجية، بطرد مبعوث الامين العام للامم المتحدة، روبرت سيري، من البلاد، حينما حاول الأخير نقل الاموال من قطر الى غزة للهدف ذاته. منع وصول الرواتب ساعد في حينه على التدهور الى الحرب، رغم أن اسرائيل عرفت أن «حماس» أكثر استعدادا منها للمواجهة في موضوع الانفاق. «هل غيرتم رأيكم حول الاموال الآن. وهل يعني ذلك أنكم تصرفتم باستخفاف قبل سنتين؟»، سُئل وزير الدفاع. ليبرمان، الذي لم ينف نقل الاموال من قطر، لم يرد بشكل مباشر.
في اللقاء الشامل والمفصل لنتنياهو لم تغب ايضا قضية اليئور أزاريا. هنا يتحصن نتنياهو وراء قراره بالاتصال بوالد الجندي مطلق النار من الخليل. حسب اقواله، قال لأزاريا الأب، إن عليه أن يثق برئيس الاركان والقادة وجهاز القضاء وتحقيق الجيش الاسرائيلي. «السؤال حول ما حدث هناك يتم استيضاحه الآن. هذا سيتم فحصه، لا أعرف ولم أرغب في التدخل في ذلك»، قال، صحيح أن المحكمة تمر بمرحلة حساسة عند استكمال التحقيق المضاد لأزاريا، لكن من الاقوال الفظة للجندي ضد قادة الجيش، الذين ضحوا به، حسب قوله، هل هذه الرسالة التي أراد نتنياهو أن يوصلها ؟ لم تتم الموافقة على طريقته لدى عائلة أزاريا.