الحاجة إلى التغيير والفرق بين القادة والمدراء

د.عقل أبو قرع
حجم الخط

في أوضاع سمتها الجمود والترهل، وفي مناخ يغلب عليه غياب الأمل في التقدم وفي التنمية، تحتاج المجتمعات والشعوب إلى التغيير، إلى التغيير الإيجابي من أوضاع قاتمة إلى أوضاع تبعث الأمل والتفاؤل، وللبدء في التغيير ومن ثم قيادته وهو الأهم، تحتاج المجتمعات إلى قادة، يتمتعون بالتأثير والإقناع ويملكون الرؤيا والأسلوب، وهذا ما تم في العديد من المجتمعات، التي انتقلت من مرحلة إلى أخرى، من خلال القادة والقيادة وليس من خلال الإدارة والمدراء، وحتى لو كانوا من أنجح المدراء.
وفي السياسة وفي غيرها، كان وما زال هناك الكثير من القادة الذين قادوا واثروا وغيروا، وكذلك في الاقتصاد أو في عالم الأعمال، وفي نفس الوقت هناك المئات من المديرين الناجحين، الذين ينجحون في تحقيق المفترض تحقيقه، والذي يتوج في نهاية السنة أو نهاية نصف السنة أو الفصل بنسبة الأرباح أو مستوى العائد على الاستثمار أو نسبة الربح إلى السهم، أي أن المدير الناجح يحافظ على وضع قائم، ويقوم بإدارته في احسن حال، أي يقوم باستعمال ما هو موجود من مصادر بشرية، ومن ميزانية، ومن أدوات ومن وقت، وما يحيط بكل ذلك من بيئة وظروف عمل، ويعمل على تحقيق افضل المخرجات، والتي في العادة تصب أو يتم تلخيصها بنسبة الربح أو ارتفاع السهم، أو القيمة السوقية للشركة أو المؤسسة، ويبقى الوضع عما هو عليه، مع تطوير هنا أو هناك، ومع زيادة هنا أو هناك، ويتم تصنيف المدير بالناجح.
ولكن يوجد القلة من القادة، أو من يتصفون بصفات القيادة واهمها التأثير والقدرة على إحداث التغيير والقدرة على الإقناع والاتصاف ببعد الرؤيا، والقدرة على بث التفاؤل والطموح والأمل بالتغيير، وبالتالي قيادة الناس نحو تحقيق الهدف، ويمارسون هذه الصفات، حتى ولو لم يكونوا في موقع العمل أو البيئة المحيطة بالعمل، وفي عالم السياسة والمجتمعات والدول، لا يمكن نسيان القادة الذين غيروا، ولكن يمكن بسهولة نسيان الرؤساء سواء أكانوا منتخبين أو غير منتخبين.
وهناك مجتمعات ودول وأنظمة وشركات ومؤسسات ومنظمات كثيرة إذا لم تتغير أو تغير من سياستها أو من خططها أو من طريقة عملها، أو من منتجها، أو من طريقة تعاملها، سواء أكان مع المواطن أو مع الزبون أو مع المستهلك، إن لم تغير وتتغير فإنها لن تستطيع الصمود والبقاء والمنافسة والتقدم والتطور، وفي بلادنا، يكاد لا تمر أيام إلا ونسمع أو نقرأ أو نشاهد في مؤتمر أو في ورشة عمل أو في اجتماع، الدعوة إلى التغيير، سواء أكان تغييرا في السياسة وتبعاتها، أو تغييرا في الاقتصاد، أو في التنمية وأساليبها، أو في القضايا الاجتماعية والثقافية، أو في الوضع الصحي، أو في قضايا البيئة والمياه والغذاء، أو وغير ذلك، وبالطبع فالمقصود هنا هو التغيير الإيجابي، أي التغيير من وضع إلى وضع افضل.
وبالطبع فإنه من السهل المطالبة بالتغيير وحتى عرض ما يهدف له التغيير وما يجب توفره من مصادر ومن ظروف ومن أموال ومن بشر، ولكن الأصعب، سواء أكان ذلك في الاقتصاد أو في السياسة أو في التنمية، وسواء أكانت تنمية زراعية أو بشرية أو في الأفضل التنمية المستدامة، الأصعب في عملية التغيير هو قيادة التغيير، أو إيجاد الشخص أو الأشخاص الذين يعبرون بالتغيير من الموقع الحالي إلى الموقع الآخر، وبنجاح، وهناك مساقات يتم تدريسها أو علم أو تخصص متكامل فيما يتعلق بإدارة التغيير، ولإحداث التغيير وببساطة يتطلب وجودة قادة، يقودون التغيير.
وحين الحديث عن التغيير وعن القادة، أي قادة التغيير، فإن هذا يعني الريادة والإبداع والابتكار، وهذا ليس بالضرورة في المنتج، ولكن في الأسلوب وفي التفكير وفي ثقافة العمل، أي التغيير والتأثير لإحداث التغيير، أو الإقناع لإحداث التغيير، لأن الناس وبطبيعتهم لا يرغبون في التغيير، أي انهم يرغبون في البقاء في الوضع المريح المستقر، أو في المنطقة التي اعتادوا عليها، وانه من المتوقع أن يعملوا على مقاومة التغيير، لأن التغيير يتطلب طاقة وجهدا وأوضاعا غير مستقرة، ولإقناع الآخرين بالتغيير وللعمل من اجله ومن ثم القيام به، يتطلب من القادة المبادرة وإظهار إيجابيات التغيير، وبأن يكونوا القدوة وان يملكوا القدرة على تحمل مسؤولية الفشل، في حال عدم تحقيق الأهداف من التغيير.
ومن المعروف انه ما زال العديد من الناس، سواء أكانوا من المحللين أو من الأكاديميين أو من غيرهم يخلطون بين القيادة والإدارة، أو بين القائد والمدير، وبين صفات القائد وصفات المدير، وهناك أمثلة كثيرة، وخاصة في مجال تغيير الشركات والمؤسسات وحتى حين الحديث عن الدول وعن المجتمعات والسياسات، أمثلة عديدة فشلت لأن من تسلم دفة التغيير لم يكن قائدا أو يتمتع بصفات القائد، وإنما كان مديرا، وربما كان من انجح المديرين. 
وفي مراحل سياسية قاتمة، فإن ما ينطبق على القادة والتغيير والتأثير والإقناع في مجال الاقتصاد والأعمال، ينطبق كذلك في مجال السياسة وفي مجال إحداث التغيرات الاجتماعية والثقافية والتربوية، وهناك أمثلة كثيرة لقادة غيروا الكثير، أو نجحوا في الانتقال من أوضاع إلى أوضاع، لم يكن من السهل تصور حدوثها أو تحقيقها، ولكن ما قام ويقوم به القادة، لا يمكن أن يقوم به المدراء، حتى لو كانوا من انجح المدراء.