جزرة الدولة

رامي مهداوي
حجم الخط

سأدخل في الموضوع مباشرة دون مقدمات، فالمقدمة التي أريد كتابتها هي ما نعيشه كفلسطينيين كل يوم منذ توقيع اتفاق أوسلو وتوابعه.
إغراقنا في الدولة جعلنا نتعامل مع مفهوم التحرير بأساليب لا تحمل مضمون التحرير بقدر ما هو إدارة الذات الفلسطينية لكن بشروط ومحددات كولونيالية تهدف العقلية الصهيونية أولاً وأخيراً من خلاله إنشاء الوطن القومي لليهود لا أكثر ولا أقل.
حلم الدولة أفقدنا الحلم الرئيسي لنا كشعب وهو التحرر، ما جعل حلم الدولة عبارة عن كابوس للقيادة الفلسطينية لأنه تم إغراقها في متطلبات الدولة دون خوض معركة التحرر حتى بالمفاوضات بالطريقة الصحيحة التي يجب ان تكون عليها المفاوضات، فبحثنا عن امتيازات الدولة وفقدنا أدوات تحرير دولتنا، بحثنا عن الشكليات وفقدنا المضمون الأساسي ومتطلبات إنشاء أي دولة بحق تقرير مصيرها.
ما حدث ويحدث معنا هو ما حدث مع السكان الأصليين ـ الهنود الحمرـ بتوقعيهم معاهدة فورت بيت العام 1778، وفيها بند خاص عن إنشاء الدولة الهندية وعن حقها في الانضمام إلى الولايات المتحدة وأن يكون لها ممثلون في الكونغرس.
أغلب المؤرخين يتفقون بأنه بعد توقيع الاتفاقية بدأ  الهندي يخسر أرضه أمام زحف المستوطن البريطاني، وعندما حاول الهندي مقاومة المستوطن، سحقهم جيش واشنطن وتم طرد الهندي من "دولته" للمرة الثانية!! ثم طالب الأميركان عقد اتفاقية سلام مع مطالبة المفاوض الأميركي "مراعاة الوقائع الحالية على الأرض" والاعتراف بشرعية المستوطنات التي امتلأت مثل خلايا السرطان، وفي ذات الوقت كانت جيوش واشنطن تطهر "دولة الهنود". حتى خدعة "تبادل الأراضي" التي نقع فيها وقع فيها الهنود، فباسم الوطن البديل الدائم تم تهجير القبائل الهندية إلى ما كان يسمونه "المنافي المؤقتة"!!
ما حدث مع الهنود يحدث معنا رغم اختلاف الزمن والمكان والمستعمر؛ فما بين سكرة الدولة والوطن الخالد حتى وجد الهنود أنفسهم في معسكرات اعتقال ومعازل وموت بأدوات مختلفة مثل المرض المدروس، من لا يشاهد ذلك أنصحه بالخروج من الكهف الذي يعيش به والنظر حوله جيداً، نحن الآن نعيش في معازل يسيطر عليها جيش الاحتلال.
لن تستطيع دخول أو خروج أي مدينة/ معزل دون المرور من حاجز عسكري. والأخطر من ذلك أننا داخل المعازل لا نملك مقومات الدولة سوى الشكليات التي نحاول أن نسيطر من خلالها على واقع الإدارة والحكم والتنمية دون أي جدوى، حتى لا نظلم أنفسنا نقوم بما يجب أن نقوم به مع ما نمتلكه من قوة لكن دون جدوى بسبب سياسة الكولونيالي بطحن ماء التنمية وتعزيز تنمية الاضمحلال.
على الرغم من قبولنا الجزرة، إلاّ أن الكيان الصهيوني استخدم/ يستخدم بشكل متواصل العصا بأشكال وأدوات مختلفة تجعلنا نتألم بشكل يومي، سأدعي هنا بأنه خلال السنوات القادمة القريبة سيتم سحب الجزرة والاكتفاء بالعصا، واستخدامها ليس فقط من قبل الاحتلال وإنما من دول مختلفة عربية وغير عربية، ملامح ذلك أصبحت واضحة وفاقد البصيرة من لا يشاهد الخطوات الأولى لمأسسة ذلك بأياد متنوعة تحت ذريعة الحفاظ على القضية الفلسطينية.