من غريب المعادلات التي نعايشها، من جراء عوامل متشابكة ومعقدة في آن، منها استمرار الاحتلال بأبشع صوره وأشكاله، في ظل توقف المفاوضات، وغياب أي أفق سياسي جدي، وفي ظل استمرار الانشقاق الجيوسياسي، والخلاف السياسي... من غريب المعادلات، أن يغدو إحراء الانتخابات، ومنها البلدية، في ظل ما نعايشه ونعانيه، خسارة، وعدم إجرائها خسارة أكبر... لا أحد ينادي بأخذ الاعتبارات القائمة من احتلال وخلاف سياسي، وبالتالي عدم إجراء الانتخابات، خاصة البلدية منها، لأن في ذلك تجديدا لهيئات شعّبية، تخدم السكان مباشرة، ولأن فيها فرصة للتعبير الشعبي والإرادة الجماهيرية.
لا أريد هنا أن أناقش، تمنُّع حماس عن إجراء تلك الانتخابات سابقاً، ولفترة عقدٍ من الزمان، وما هي دواعي قبولها الآن، بل تحمسها لإجراء تلك الانتخابات، في ظل الخلاف السياسي، الذي لم تنته فصوله بعد... هناك تحفز شعبي واسع لإجراء تلك الانتخابات، وهناك مناقشات جادة تجري حولها، وحول صورة الوضع القائم والمستقبلي في آن.
مما لا شك فيه، ستكون لهذه الانتخابات دلالاتها العميقة، التي ستؤخذ بعين الاعتبار، إقليمياً ودولياً، على حد سواء، وستكون صورة ومرآة الواقع والمستقبل الفلسطيني على حد سواء.
قطبا الرحى السياسي: فتح وحماس، تقومان بترتيب أمورهما لخوض تلك الانتخابات، وتبذلان قصارى جهدهما، للفوز فيها.
فتح، كقوة تاريخية وشعبية فلسطينية واسعة، مطالبة الآن، ليس من قواعد فتح فقط، بل من القوى الوطنية والديمقراطية الفلسطينية كافة، بترتيب أوضاعها الداخلية، لخوض تلك الانتخابات، السياسية بجدارة، والاستفادة من تجارب الانتخابات التشريعية الأخيرة، وعدم تكرار أخطاء، وخطايا، دفعت فتح أثماناً باهظة من جرائها.
لا وقت طويلاً للترتيبات الجدية، ولا مجال للتراجع عن تلك الانتخابات، بعد ما قررت الحكومة إجراءها، وبعد ما قبلت حماس هذا التحدي، متجاوزة اعتبارات وأموراً كثيرة.
لجنة الانتخابات المركزية، وهي لجنة مهنية نزيهة، وقادرة، ومشهود لها بذلك، باتت على أُهبة الاستعداد لإدارة العملية الانتخابية، وتبدو حماس، على أُهبة الاستعداد، ولها تقديراتها لتلك الانتخابات ولنتائجها المحتملة، وهذا أمر طبيعي، ومقبول في ظل ما تشهده الساحة الفلسطينية من منافسة... المنافسة القائمة الآن، هي ليست بين قطبي الرحى فقط، وهذا ما ستكشفه الانتخابات البلدية القائمة، هناك قوى، نشأت وتعاظمت وقويت، في ظل الانقسام السياسي وهي لا تقرّه، وترى فيه ضرراً وطنياً ما بعده ضرر...
هناك شخصيات وطنية واعتبارية كثيرة، سيكون لها دور مشهود في تلك الانتخابات، والشعب يريد من يخدمه، ويقف إلى جانبه، بعيداً عن الاعتبارات الحزبية والفصائلية والفئوية.
الانتخابات حق من حقوق المواطن، وهو حق يتوق لممارسته الآن، وفي ظل كل ما يعايشه من صعوبات ومآزق، لذا سيكون للبرامج الانتخابية للقوائم المترشحة، وللمرشحين كافة، أهمية خاصة، بمجريات العملية الانتخابية القادمة، قد تكون خدمية في الأساس، لكن لها بعدها السياسي... وعليها أن تراعي ذلك، خاصة وأن الاحتلال، لا يزال متحكماً في كل الأمور الخدمية، ومنها إدخال الإسمنت لقطاع غزة، وغيرها من الأمور الخدمية، على فتح وعلى الجميع أن ينظر نظرة جدية وعميقة لطبيعة هذه المعركة الانتخابية، فهي معركة سياسية بالأساس والجوهر.