ليست المرة الأولى التي نعود بسؤال البيضة أم الدجاجة فيما يتعلق بملف المصالحة، والمسؤولية عن التعطيل، ولكن بدون أن يتلقى المواطن اجابة. المواطن في الأساس لا ينتظر إجابة من أحد، فهو وإن بدت عليه السلبية، إلاّ أنه أكثر وعياً من أن يقع ضحية إجابات خاطئة، وتكهنات متباينة، وهو أي المواطن قد بنى قناعاته بناء على تجربة نحو ثماني سنوات من الانقسام، لا تبدلها الابتسامات الكاذبة، والتصريحات والخطابات، أو الوعود المحكومة لمنطق الالتزام الفصائلي الفئوي قبل أي التزام آخر.
بعد زيارة قصيرة قام بها رئيس الحكومة مع فريق من المسؤولين لقطاع غزة، وتصريحات مستفيضة من قبل الطرفين، اتسمت بالإيجابية والتفاؤل، نعود إلى نقطة البداية.
يحزنني كثيراً، أن ينساق بعض المسؤولين الذين يتمتعون بالصدق وبالوطنية العميقة، حين يقبلون الطعم فيسترسلون في الحديث العلني أمام وسائل الإعلام، عن الاتفاق، وصدق النوايا، وإيجابية اللقاءات، ثم يكتشفون أن ذلك يكون على حساب مصداقيتهم. يحتاج هؤلاء إلى الاستناد للتجربة السياسية، وإلى إحكام العقل أكثر من إحكام العواطف والرغبات، والاعتماد على المظاهر الوقتية الكاذبة والمقصودة.
قبل نحو أسبوعين، رسم الوفد الوزاري، مع قادة «حماس»، وقادة الفصائل، مشاهد وصورا وردية، عن واقع الحال المزعوم، وليس الحقيقي بشأن التوصل إلى اتفاق جديد يضمن معالجة ملفات الرواتب والمعابر، وعملية إعادة الإعمار.
حين أوكل الأمر للجنة على مستوى عالي المسؤولية في الحكومة وفي حركة حماس، كان على المراقبين أن لا يتفاءلوا، فلقد أثبتت التجربة الطويلة، أن تشكيل اللجان، أو إحالة ملفات صعبة للجنة ما يعني إحالتها إلى الفشل والتعطيل. لم يكن الأمر يحتاج إلى لجنة تبدو وكأنها ستبحث ملفات يجري تناولها للمرة الأولى، فلقد قتلت الملفات المحالة للجنة بحثاً ـ وأصبح كل طرف من طرفي معادلة الانقسام يعرف بالضبط، ما الذي يوافق أو يعترض عليه الطرف الآخر، وكان حرياً أن تخضع الملفات المذكورة لقرارات فورية، إن كان الوفد الوزاري مخولاً باتخاذ قرارات من هذا المستوى.
في اليوم التالي لمغادرة الوفد الوزاري قطاع غزة، انتهت مهمته حين قال الرئيس محمود عباس في خطابه أمام القمة، إن السلطة تتابع مهماتها إزاء المصالحة، والملفات التي تخص قطاع غزة، مستدلاً على ذلك بالزيارة التي قام بها للتو رئيس الحكومة ووفده، فاقد المسؤولية والصلاحية. السؤال الأساسي الذي كانت الإجابة عنه ستكشف مدى صدقية الاتفاق المتعلق بالملفات الثلاثة، الرواتب والمعابر، وعملية إعادة الإعمار، والسؤال هو في أية مناخات وطنية جرت زيارة الوفد الوزاري، وصدر عنه وعن الشركاء ما صدر من خطابات إيجابية واعدة؟ المناخ العام الذي كان سائداً، هو مناخ غياب الحوار الثنائي والوطني، وكان مناخ تبادل الاتهامات الصعبة والاشتباك الإعلامي، واستمرار الممارسات السلبية كل ضد الآخر. لذلك كان ينبغي عدم الوقوع في فخ الوهم، وانتظار المطر في ظل سيادة مناخ صحراوي شديد الحرارة والجفاف.
عدنا اليوم لنسمع تصريحات متضاربة، بشأن مدى التزام قرارات الحكومة بما توافقت عليه اللجان التي انبثقت خلال زيارة الوفد الوزاري لغزة، ما يعني العودة، لا بل هي مواصلة المناخات السلبية، والمسمومة. قبل أن تعلن الحكومة عن قراراتها بشأن الملفات الثلاثة كانت المعركة الإعلامية السياسية محتدمة، فلقد صدر أكثر من تصريح عن أكثر من مسؤول في حركة حماس ينزع الشرعية عن الرئيس محمود عباس وقراراته، ويشكو من استمرار السلطة في ملاحقة واعتقال نشطاء وكوادر الحركة، وآخرين من الحركات الأخرى.
الرئيس محمود عباس كان قد أثار قضية كبيرة في وجه حماس حين كشف عن اتصالات، مباشرة أو غير مباشرة بين حماس وإسرائيل بشأن هدنة طويلة الأمد، يسمح الاحتلال مقابل ذلك بتخفيف الحصار، وتسهيل تدفق مواد الإعمار، وبناء مطار وميناء بعيداً عن السلطة والحكومة وإن كل ذلك يخدم المخططات الإسرائيلية لإقامة الدولة الفلسطينية في قطاع غزة.
وبينما لم يكن الوفد الوزاري الفلسطيني قد غادر غزة، كان قاضي القضاة ومستشار الرئيس للشؤون الدينية، قد دعا في خطبة الجمعة، التحالف العربي الذي نشأ للتعامل مع الأزمة اليمنية إلى أن يتعامل بالطريقة ذاتها مع كل الملفات والأزمات المشابهة بما في ذلك أزمة الانقسام الفلسطيني، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة، واستدعى ردود فعل غاضبة وصعبة من قبل «حماس»، وفصائل أخرى.
الكلام كان واضحاً، إلى الحد الذي لا يحتمل قبول ما ورد من تصحيح في اليوم التالي، ليعود وينسجم مع ما ورد في خطاب الرئيس أمام القمة، بهذا الشأن، ولم يتضمن دعوة لاستخدام السلاح، ضد «حماس» في غزة، وإن كان ما ورد في خطاب الرئيس بهذا الشأن، ينطوي على غموض، ويحتمل التأويل. وما دام المناخ مسموماً وسلبياً في الساحة الفلسطينية، ويطغى عليه غياب الثقة، فإن التأويلات التي جاءت لخطابه، لم تخرج عن الفهم الذي ولدته كلمات الدكتور الهباش.
في الواقع فإن تكرار الزيارات، والاتفاقات، بعيداً عن الحوار الوطني الجامع والاستراتيجي، سيظل سلوكاً للاستهلاك والمناورات، ما يعني أن الظروف ليست ناضجة بعد لإقفال ملف الانقسام.
لا تزال الأطراف متأرجحة ارتباطاً بالتطورات الإقليمية، التي تمنح الحظ لهذا الطرف أحياناً، وتمنحه للطرف الآخر في أحيان أخرى، ولأن كل طرف، يريد من الطرف الآخر كل شيء، بينما يرفض كل طرف، ما يسعى اليه الطرف الآخر، هذا فضلاً عن أن إسرائيل لا تزال طرفاً فاعلاً في تقرير مصير الفلسطينيين، وهي طرف قوي، ولديه من الوسائل ما يمنع الفلسطينيين من إغلاق ملف الانقسام، إلاّ إذا قرر الطرفان أنهما سيدفعان الثمن مهما كان غالياً.
بعد زيارة قصيرة قام بها رئيس الحكومة مع فريق من المسؤولين لقطاع غزة، وتصريحات مستفيضة من قبل الطرفين، اتسمت بالإيجابية والتفاؤل، نعود إلى نقطة البداية.
يحزنني كثيراً، أن ينساق بعض المسؤولين الذين يتمتعون بالصدق وبالوطنية العميقة، حين يقبلون الطعم فيسترسلون في الحديث العلني أمام وسائل الإعلام، عن الاتفاق، وصدق النوايا، وإيجابية اللقاءات، ثم يكتشفون أن ذلك يكون على حساب مصداقيتهم. يحتاج هؤلاء إلى الاستناد للتجربة السياسية، وإلى إحكام العقل أكثر من إحكام العواطف والرغبات، والاعتماد على المظاهر الوقتية الكاذبة والمقصودة.
قبل نحو أسبوعين، رسم الوفد الوزاري، مع قادة «حماس»، وقادة الفصائل، مشاهد وصورا وردية، عن واقع الحال المزعوم، وليس الحقيقي بشأن التوصل إلى اتفاق جديد يضمن معالجة ملفات الرواتب والمعابر، وعملية إعادة الإعمار.
حين أوكل الأمر للجنة على مستوى عالي المسؤولية في الحكومة وفي حركة حماس، كان على المراقبين أن لا يتفاءلوا، فلقد أثبتت التجربة الطويلة، أن تشكيل اللجان، أو إحالة ملفات صعبة للجنة ما يعني إحالتها إلى الفشل والتعطيل. لم يكن الأمر يحتاج إلى لجنة تبدو وكأنها ستبحث ملفات يجري تناولها للمرة الأولى، فلقد قتلت الملفات المحالة للجنة بحثاً ـ وأصبح كل طرف من طرفي معادلة الانقسام يعرف بالضبط، ما الذي يوافق أو يعترض عليه الطرف الآخر، وكان حرياً أن تخضع الملفات المذكورة لقرارات فورية، إن كان الوفد الوزاري مخولاً باتخاذ قرارات من هذا المستوى.
في اليوم التالي لمغادرة الوفد الوزاري قطاع غزة، انتهت مهمته حين قال الرئيس محمود عباس في خطابه أمام القمة، إن السلطة تتابع مهماتها إزاء المصالحة، والملفات التي تخص قطاع غزة، مستدلاً على ذلك بالزيارة التي قام بها للتو رئيس الحكومة ووفده، فاقد المسؤولية والصلاحية. السؤال الأساسي الذي كانت الإجابة عنه ستكشف مدى صدقية الاتفاق المتعلق بالملفات الثلاثة، الرواتب والمعابر، وعملية إعادة الإعمار، والسؤال هو في أية مناخات وطنية جرت زيارة الوفد الوزاري، وصدر عنه وعن الشركاء ما صدر من خطابات إيجابية واعدة؟ المناخ العام الذي كان سائداً، هو مناخ غياب الحوار الثنائي والوطني، وكان مناخ تبادل الاتهامات الصعبة والاشتباك الإعلامي، واستمرار الممارسات السلبية كل ضد الآخر. لذلك كان ينبغي عدم الوقوع في فخ الوهم، وانتظار المطر في ظل سيادة مناخ صحراوي شديد الحرارة والجفاف.
عدنا اليوم لنسمع تصريحات متضاربة، بشأن مدى التزام قرارات الحكومة بما توافقت عليه اللجان التي انبثقت خلال زيارة الوفد الوزاري لغزة، ما يعني العودة، لا بل هي مواصلة المناخات السلبية، والمسمومة. قبل أن تعلن الحكومة عن قراراتها بشأن الملفات الثلاثة كانت المعركة الإعلامية السياسية محتدمة، فلقد صدر أكثر من تصريح عن أكثر من مسؤول في حركة حماس ينزع الشرعية عن الرئيس محمود عباس وقراراته، ويشكو من استمرار السلطة في ملاحقة واعتقال نشطاء وكوادر الحركة، وآخرين من الحركات الأخرى.
الرئيس محمود عباس كان قد أثار قضية كبيرة في وجه حماس حين كشف عن اتصالات، مباشرة أو غير مباشرة بين حماس وإسرائيل بشأن هدنة طويلة الأمد، يسمح الاحتلال مقابل ذلك بتخفيف الحصار، وتسهيل تدفق مواد الإعمار، وبناء مطار وميناء بعيداً عن السلطة والحكومة وإن كل ذلك يخدم المخططات الإسرائيلية لإقامة الدولة الفلسطينية في قطاع غزة.
وبينما لم يكن الوفد الوزاري الفلسطيني قد غادر غزة، كان قاضي القضاة ومستشار الرئيس للشؤون الدينية، قد دعا في خطبة الجمعة، التحالف العربي الذي نشأ للتعامل مع الأزمة اليمنية إلى أن يتعامل بالطريقة ذاتها مع كل الملفات والأزمات المشابهة بما في ذلك أزمة الانقسام الفلسطيني، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة، واستدعى ردود فعل غاضبة وصعبة من قبل «حماس»، وفصائل أخرى.
الكلام كان واضحاً، إلى الحد الذي لا يحتمل قبول ما ورد من تصحيح في اليوم التالي، ليعود وينسجم مع ما ورد في خطاب الرئيس أمام القمة، بهذا الشأن، ولم يتضمن دعوة لاستخدام السلاح، ضد «حماس» في غزة، وإن كان ما ورد في خطاب الرئيس بهذا الشأن، ينطوي على غموض، ويحتمل التأويل. وما دام المناخ مسموماً وسلبياً في الساحة الفلسطينية، ويطغى عليه غياب الثقة، فإن التأويلات التي جاءت لخطابه، لم تخرج عن الفهم الذي ولدته كلمات الدكتور الهباش.
في الواقع فإن تكرار الزيارات، والاتفاقات، بعيداً عن الحوار الوطني الجامع والاستراتيجي، سيظل سلوكاً للاستهلاك والمناورات، ما يعني أن الظروف ليست ناضجة بعد لإقفال ملف الانقسام.
لا تزال الأطراف متأرجحة ارتباطاً بالتطورات الإقليمية، التي تمنح الحظ لهذا الطرف أحياناً، وتمنحه للطرف الآخر في أحيان أخرى، ولأن كل طرف، يريد من الطرف الآخر كل شيء، بينما يرفض كل طرف، ما يسعى اليه الطرف الآخر، هذا فضلاً عن أن إسرائيل لا تزال طرفاً فاعلاً في تقرير مصير الفلسطينيين، وهي طرف قوي، ولديه من الوسائل ما يمنع الفلسطينيين من إغلاق ملف الانقسام، إلاّ إذا قرر الطرفان أنهما سيدفعان الثمن مهما كان غالياً.