حرب غزة: حوار العنف والتطرف الإسرائيلي

أشرف العجرمي
حجم الخط

يدور في الأيام الأخيرة سجال حاد في المستوى السياسي الإسرائيلي حول حرب غزة الأخيرة بين الجهات الأكثر يمينية وتطرفاً في الحكومة، مثل وزير التعليم نفتالي بينت وأنصاره وبين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وبعض وزرائه الذين ينتمون إلى حزب «الليكود» ومعسكر اليمين كذلك. والسجال والخلاف حول نتائج الحرب وما فعلته أو لم تفعله الحكومة لتلافي النتائج السلبية جاءا على خلفية تقرير مراقب الدولة حول هذه الحرب والذي يُظهر قصورا لدى الحكومة في دراسة موضوع الأنفاق في غزة. فبينت يهاجم رئيس الحكومة ووزير دفاعه المستقيل موشي يعالون على اتخاذ قرارات دون دراسة ودون إطلاع المجلس الوزاري المصغر على هذه القرارات والتصويت عليها. في المقابل يرد نتنياهو بأن القرارات اتخذت بعد دراسة جدية وليس صحيحاً أنها كانت متسرعة، وأنه لا يوجد داع للتصويت على كل القرارات وخاصة الحساسة منها في المجلس الوزاري، ويستطيع وزير الدفاع ورئيس الحكومة بالتعاون مع المستوى الأمني الأعلى أن يتخذوا القرار المناسب في حينه ويتحملوا المسؤولية عليه.
في الواقع، الخلاف هنا ليس حول القضايا الأمنية أو الفنية بقدر ما هو حول الموقف من الحرب على غزة وإلى أي مدى يمكن أن تذهب الحكومة. فكما هو معروف، في حرب غزة الأخيرة سادت المستوى السياسي الإسرائيلي وجهتا نظر: الأولى هي لموشي يعالون ورئيس الحكومة، وتقول إن الحرب استنفدت أهدافها ويجب أن تنتهي عند الحد الذي وصلت إليه. والبعض طرح في ذلك الوقت أن إسرائيل و»حماس» انجرتا بعيداً عن الحدود التي كانت مرسومة بسبب وجود الأنفاق وبسبب عدم معرفة إسرائيل بحجمها وامتدادها، وكانت الفكرة حسم المعركة بالضربات الجوية والدخول البري يكون مكملاً لوضع نهاية للحرب، ولكن الذي حصل هو ان الضربات الجوية لم تحسم شيئاً، وتورطت إسرائيل بحرب برية مؤلمة وقاسية قامت في اطارها بأعمال قتل وتدمير واسعة، تلقت على أثرها انتقادات واسعة على المستوى الدولي وخسرت فيها أكثر مما توقعت قتلى وجرحى وأسرى. أما وجهة النظر الثانية للأكثر تشدداً، فتقول إن الذين تحكموا بالقرار في الحرب ومتابعة تفاصيلها لم يمنحوا أنفسهم ولا شركاءهم في الحكومة الوقت الكافي لدراسة الميدان واتخاذ القرار المناسب في كل مرحلة.
ولا أحد يلوم المستوى الأمني ولا قيادة جيش الاحتلال، بل حقيقة الجدل حول ما يريده المتطرفون الذين أرادوا حسم المعركة بالذهاب نحو احتلال غزة بالكامل وإسقاط حكم «حماس». وهذا هو الهدف الحقيق من إثارة الموضوع وليس مجرد نقاش لتقرير مراقب الدولة ومحاولة استخلاص العبر والدروس منه لعدم تكرار الأخطاء. وما يحاول أقصى اليمين فعله الآن هو فرض موقف سياسي على رئيس الحكومة ليكونوا أصحاب قرار في كل المسائل الحساسة والمصيرية وعدم ترك بعض هذه المسائل حكراً على رئيس الحكومة ووزير دفاعه، مع أن وزير الدفاع الحالي أفيغدور ليبرمان ينتمي إلى هذه المدرسة المتشددة جداً في موضوع غزة، وهو الذي يطالب ويتوعد بالقضاء على سلطة «حماس» في الحرب القادمة. فطرح الموضوعات على المجلس الوزاري الأمني السياسي المصغر يعني التصويت عليها، ويعني وجود أغلبية متطرفة تحسم وتذهب في الأمور إلى الدرجات القصوى دون مراعاة لوضع إسرائيل على الحلبة الدولية.
إذن، بينت وشركاه يحاولون منذ الآن حسم الجدل لصالح حرب لا هوادة فيها على غزة، وإذا تم الموضوع لصالحهم لن يعدموا الوسيلة لافتعال مبررات شن مثل هذه الحرب. ولا يعنيهم ماذا ستكون النتائج حتى لو كانت في غير صالح إسرائيل سياسياً. فالرأي السائد لدى هذه المجموعة المتطرفة يقول إن إسرائيل قوية بما يكفي والفلسطينيون ضعفاء بما يكفي ومعزولون بما يتيح لإسرائيل أن تتخذ أي قرار تشاء، سواء في الضفة الغربية وفي القلب منها مدينة القدس أو في قطاع غزة. وهذا التوجه يريد فرض نهاية للصراع على أساس الأمر الواقع الذي تفرضه إسرائيل حرباً أو إجراءات تعسفية على الأرض.
والمشكلة في هذا التفكير أنه بات الغالب في ذهن الإسرائيليين الذين أضحى التحريض على العنف وفرض القوة على الآخر هو السمة المميزة لتوجهات الرأي العام. وهذا ما يعززه تقرير نشر في صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس حول الكراهية في المجتمع الإسرائيلي، وهذا التقرير الصادر عن صندوق «بيرل كستلنسون» وشركة دراسات «فيغو» يشير إلى أنه  كل ثلاث ثوان يقوم أحد رواد الإنترنت الإسرائيليين بنشر دعوة إلى ممارسة العنف تجاه شخص آخر، وتشمل القتل والتصفية والاغتصاب والحرق والتدمير. ويستدل من التقرير أن 70% من هؤلاء المحرضين ينتمون إلى معسكر اليمين. وتوجه التهديدات نحو العرب بنسبة (50%)، واليسار (20%)، والمثليين (15%)، وطالبي اللجوء (5%)، و(10%) ضد الفئات المتبقية.
هذا التقرير في الحقيقة يعكس عمليات التحريض التي تتشبع بها وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي من الأطراف التي تدور في فلك الحكومة التي لم تعد تطيق حتى من يعملون لصالحها إذا كانوا لا يتماثلون تماماً مع آرائها. واليوم هناك حملة واسعة ضد المؤسسة الرسمية المسؤولة عن الإعلام الرسمي والمسماة سلطة البث. فبعض وزراء « الليكود» يحاولون سن قانون لإلغاء هذه السلطة وحلها لأنهم حسب ادعائهم لا يسيطرون عليهم وهم الذين يمولونها. ولم تعد حكومة نتنياهو تؤمن بأن هذه الحكومة في خدمة الدولة وكل مواطنيها بل في خدمة من يتفقون معها في الرأي والمواقف.
نحن مقبلون على تصعيد إسرائيلي خطير في المرحلة القادمة، فكل شيء سيبدو مختلفاً في فظاعته ووقاحته، تماماً كما ردت إسرائيل على تقرير الرباعية الدولية الذي يدعو إلى وقف السياسة الاستيطانية بالإعلان عن تكثيف الاستيطان. وأي حرب قادمة على غزة وأي إجراءات تهويد واستيطان في الضفة ستكون أكثر عنفاً ودموية، فلا دبلوماسية ولا وقت لتضيّعه الحكومة لكسب التأييد الدولي أو على الأقل لتقليل حجم الخسائر، فكل هذا لم يعد مهماً والمهم هو المشروع الاستيطاني وتدمير فكرة حل الدولتين.