بمناسبة مرور عشر سنوات على حرب لبنان، أجرت صحيفة «اسرائيل اليوم» حواراً مع عدد من المسؤولين الأمنيين السابقين والخبراء، تناول أخطاء هذه الحرب ودروسها، وهنا ترجمة للحوار.
في اعتقاد اللواء (في الاحتياط) غيورا أيلاند، الذي كان رئيساً لمجلس الأمن القومي في السنوات التي سبقت الحرب واستقال من منصبه بعد نصف سنة من نشوبها، أن النقاش بشأن قوائم الربح والخسارة في حرب لبنان قد استُنفد. ويقول إن «المسألة الأساسية هي: هل تعلمنا ما يجب علينا تعلمه كي ندير حرب لبنان الثالثة بصورة أفضل من الحرب الثانية؟». ويعتقد أيلاند «أن الخطأ الأكبر في حرب لبنان الثانية لم يرد ذكره أبداً في تقرير لجنة فينوغراد».
في رأيه يكمن الخطأ الأكبر في النظرة الاستراتيجية لدولة إسرائيل التي مفادها أن «حزب الله» هو العدو الأساسي. ويضيف: «على مدى أسابيع طويلة جداً كانت حكومة لبنان والجيش اللبناني والبنى التحتية اللبنانية «خارج اللعبة». وكانت النتيجة لا مبالاة العالم بالقتال. لقد استمر القتال 34 يوماً، وفي نظره كان يمكن أن يستمر 34 يوماً أخرى. وحقيقة أن إسرائيل و»حزب الله» كان يقتل أحدهما الآخر لم تهز مشاعر العالم. لو كانت دولة لبنان تضررت بصورة سريعة وواسعة، لكانت مدة الحرب قصيرة».
ويحلل أيلاند: «الجميع متفقون اليوم على أن مصلحة إسرائيل هي حرب قصيرة، لكن ماذا سيجري لو نشبت حرب لبنان الثالثة غداً؟ هل ستكون حرباً قصيرة؟ ظاهرياً نحن تحسنّا، واستخلصنا العبر، وطورنا قدراتنا الهجومية والدفاعية. لكن هناك مصطلحاً يسمى «علاقات القوة»، وعندما أضع الجيش الإسرائيلي مقابل حزب الله، صحيح أننا تحسّنا، لكن انطلاقاً من مفهوم القدرات العسكرية العامة، فإن حزب الله تحسّن أكثر منا. لديه عدد أكبر من الصواريخ مما كان لديه حينذاك، ومداها أبعد بكثير، وهي تغطي كل الدولة بسهولة. وتحمل أيضاً هذه الصواريخ رؤوساً متفجرة أكبر بكثير. وعملية اخفاء الصواريخ بين الأبنية أفضل بكثير، وأيضاً فإن دقة الصورايخ تحسنت». ويذكّر أيلاند بأن «صاروخاً دقيقاً قادراً على ضرب نقاط حساسة جداً – مطار أو مستشفى أو مرفأ أو محطات للطاقة مثلاً. دولة إسرائيل صغيرة ولديها عدد قليل من البنى التحتية الوطنية وأماكنها معروفة، ونتيجة مثل هذا القصف قد تكون سيئة جداً».
ويقول أيلاند: «إذا استمرت حرب لبنان الثالثة 34 يوماً مثل حرب لبنان الثانية، فإن النتيجة ستكون أسوأ بأضعاف، ولأنه بغض النظر عن عدد عناصر حزب الله الذين سيقتلون بالمقارنة مع حرب لبنان الثانية، فإن الضرر الذي سيلحق بنا سيكون أكبر بكثير، ولن نستطيع القول إننا نجحنا».
يقول أيلاند إن الحل موجود لدى الحكومة اللبنانية: «يتمتع حزب الله بحماية كاملة من هذه الدولة، وإذا أبقت إسرائيل هذه الدولة التي تقدم الحماية له من دون رد مؤلم، مرة أخرى، بما فيه الكفاية- فإن الفشل سيتكرر. والخلاصة بالنسبة لي صارخة: لو نشبت حرب لبنان الثالثة غداً، فإنها يجب أن تؤدي إلى حرب بين دولة إسرائيل ودولة لبنان، ليس خفيةً ولكن بالمعنى الرسمي والمعلن».
لماذا؟
«لأنه من الصعب على دولة إسرائيل تدمير أكثر من 100 ألف صاروخ، لكنها قادرة خلال أيام على التسبب بدمار غير محتمل لدولة لبنان، وهنا يكمن تفوقنا الكبير. لا أحد في العالم يرغب بدمار لبنان، لا اللبنانيون يحبون ذلك فهم أشخاص يحبون الحياة؛ بخلاف سكان غزة، وكذلك حزب الله؛ وسورية؛ وبالتأكيد إيران. حتى السعوديون سيستنفرون نظراً لأنهم استثمروا مالاً كبيراً في البنى التحتية اللبنانية، والأميركيون أيضاً والفرنسيون الذين بنوا الجيش اللبناني. لو شعر هؤلاء جميعاً بأن لبنان يواجه خطر دمار مخيف إذا بدأت الحرب بضربة هائلة للبنى التحتية الوطنية في لبنان وللجيش اللبناني، فستعلو صرخة العالم مطالبة بوقف إطلاق النار، ليس بعد 34 يوماً بل بعد ثلاثة أيام. وبذلك نوفر تعرض جبهتنا الداخلية إلى ضربة قاسية، وهي اليوم - مع كل منظومات الدفاع المتطورة- عرضة لضربات أقسى بكثير من جانب حزب الله».
لكن في نهاية الأمر البنى التحتية اللبنانية تضررت بشدة في حرب لبنان الثانية؟
«جاء هذا في وقت متأخر للغاية. كان يجب أن تأتي الضربة في البداية، وكان يجب أن تكون أكثر إيلاماً بكثير».
ويكشف أيلاند أنه تحدث بهذه الروحية مع رئيس الحكومة السابق أولمرت عندما كان رئيساً لمجلس الأمن القومي، وعندما كان أولمرت في زيارة للولايات المتحدة «طلبت من أولمرت طرح موضوع لبنان وحزب الله أمام الرئيس الأميركي، لكن كانت هناك موضوعات اعتبرها أولمرت أكثر إلحاحاً».
«لا شرعية لضربة استباقية»
اللواء (في الاحتياط) عاموس يادلين، رئيس معهد دراسات الأمن القومي، كان رئيساً لشعبة الاستخبارات العسكرية خلال فترة حرب لبنان، وهو يوافق على التوجه الذي عرضه أيلاند بشأن لبنان. ويعتقد أيضاً أن لبنان لم يدفع الثمن الذي كان ينبغي أن يدفعه. ويقول: «دولة إسرائيل استجابت للضغط الدولي بعدم إلحاق ضربة قاسية بلبنان. أنا ورئيس الأركان اقترحنا ذلك، لكن المستوى السياسي برئاسة أولمرت رفض».
ويشدد يادلين على أن أحد السبل من أجل تقصير أمد حرب أخرى هو «توجيه ضربة قاسية إلى البنى التحتية اللبنانية الوطنية المؤيدة للقتال، مثل الكهرباء والمواصلات. من يصغي إلى اللواء هرتسي هليفي الذي حلّ مكاني في الاستخبارات العسكرية وهو يتحدث عن الثمن الباهظ الذي سيدفعه لبنان إذا هاجمنا حزب الله، فسيدرك أن هذه الرؤية أصبحت راسخة لدينا».
يحدد يادلين نتائج الحرب كتضييع للفرصة وذلك «سواء لأن هذه النتائج كان يمكن تحقيقها في حرب أقصر وبأثمان أقل بكثير، أو لأن حزب الله سمح لنفسه من بعد المعركة بالاستمرار في بناء قوته ولم نستطع أن نحصل لأنفسنا على شرعية من أجل وقف ذلك».
وعلى الرغم من ذلك، يعتقد يادلين أنه ما دام «حزب الله» يحافظ على الهدوء وسكان إسرائيل لا يتعرضون للأذى، فالأصح هو مواجهة مفروضة لا مواجهة نبادر نحن إليها». ويقول: «لا شرعية اليوم لحرب استباقية. يمكن درس ضربة استباقية مثل تلك التي حدثت في الأيام الستة في 1967 فقط عندما يتضح أننا نسير نحو مواجهة. ضربة استباقية مثل عملية قادش- ليس لدينا شرعية لها في العالم».
ويوضح يادلين أن «إنجازنا كان في تكريس ردع قوي وإبعاد حزب الله عن الخط [الحدودي]، والهدوء في الشمال، وانتشار اليونيفيل والجيش اللبناني في الجنوب [اللبناني]. الردع اليوم قوي جداً إلى حد أن حزب الله الذي كان قبل الحرب يستغل أي فرصة كي يضرب ويخطف جنوداً أو يطلق كاتيوشا، لا يرد اليوم على ضربات قاسية جداً تلحق به وتُنسب الى إسرائيل مثل الهجمات التي لا يتحمل أحد مسؤوليتها أو اغتيال عماد مغنية».
يعتقد يادلين أن استعداد إسرائيل اليوم لحرب «لبنان الثالثة» في أي وقت تقع، أفضل بكثير من ناحية التدريبات والخطط والعقيدة.
القرار 1701 خطأ صبياني
في رأي البروفسور يحزقئيل درور (88 عاماً) الذي كان أحد أعضاء لجنة فينوغراد «أن أحد القرارات الجيدة القليلة التي اتخذها رئيس الحكومة السابق أولمرت خلال الحرب كان تحديداً عدم المس الواسع بالبنية التحتية المدنية في لبنان كما اقترح رئيس الأركان وآخرون». ويتابع: «هناك فائدة في ضرب البنى المدنية لو أن صاحب هذه البنى- الدولة اللبنانية- قادر على القيام بشيء ما حيال حزب الله أو لو أن الحزب يستمع إليه. ولم يكن هذا هو الوضع آنذاك. لقد أمر أولمرت الجميع بالتوقف عن التحدث عن ذلك وكان محقاً. وبسبب ذلك حافظ على الدعم الدولي لنا».
في المقابل يصف درور الاعتماد الإسرائيلي على قرار مجلس الأمن 1701 «بالخطأ الصبياني». ويقول بعد مرور عشر سنوات «إن الاعتقاد بأن قراراً لا تقف وراءه قوة عسكرية سيدفع بسورية وإيران وأطراف أخرى إلى وقف تزويد حزب الله بالسلاح، فكرة مضحكة، بل هي مبكية ومضللة. التمسك بالكلام وبصيغ كلامية أمر ساذج. ومن التعامي أن نؤمن فجأة بقرار مجلس الأمن. والدليل على ذلك أن هذا القرار تحول على يد حزب الله إلى أضحوكة. لدى الحزب صواريخ وسلاح بعدد حبات الرمال على شاطئ البحر. والمسؤولية المشتركة عن هذه السذاجة يتحملها رئيس الحكومة آنذاك أولمرت ووزيرة الخارجية ليفني».
في رأي درور أن «المكسب الوحيد من حرب لبنان الثانية هو تحقيق ردع تكتيكي كان يمكن التوصل إليه خلال أيام القتال الخمسة الأولى من دون ضحايا ومن دون مس بالجبهة الخلفية، وكان يمكن حينها وقف الحرب. الخسارة الكبرى كانت أننا علّمنا الطرف المقابل، ومن بعده «حماس»، أنه يمكن المس بالجبهة الخلفية الإسرائيلية من دون عقاب حقيقي. الكادر القيادي في حزب الله من دون التحدث عن الزعامة- لم يلحق بهما أذى. لا تستطيع القضاء على حركة مثل حزب الله، لكنك تستطيع أن تكبدها عدداً كبيراً جداً من الضحايا. لذلك كان يجب: إما وقف القتال بعد خمسة أيام وكان هذا بمثابة إنجاز جيد من دون تعريض الجبهة الداخلية للضعف، أو إدخال عدة فرق وإحداث دمار هائل. لم يحدث هذا ولا ذاك. وقعنا في الوسط. ولذلك أرى أن حرب لبنان الثانية هي بمثابة فشل مباشر وتضييع خطير للفرصة».
يشير قادة الحرب إلى الهدوء السائد منذ عشر سنوات باعتباره إنجازاً غير مسبوق؟
«الهدوء تكتيكي. ليس هناك هدوء في التصريحات ضد إسرائيل وخاصة في التسلح. هناك هدوء لأن حزب الله مشغول بسورية، وهناك هدوء لأن الإيرانيين الذين يسيطرون على حزب الله ليسوا معنيين باندلاع حرب. هناك هدوء لأنهم يعلمون بأن إسرائيل في المرة المقبلة سترد بعنف أكبر. الهدوء محلي وتكتيكي وليس استراتيجياً».
هل تصرفت إسرائيل بصورة صحيحة عندما لم تقم بضربة استباقية لمخازن السلاح الضخمة التي تنكشف الجبهة الداخلية لها اليوم؟
«أنا من دعاة الرأي بأنه يجب عدم شن حرب بسبب التسلح».
إلى أي حد نحن قريبون من «حرب لبنان الثالثة»، وهل في رأيك جرى استخلاص الدروس بعد تقريركم؟
«من الصعب تقويم الصورة الاستراتيجية قبل أن يتضح الوضع في سورية ومدى التدخل الروسي هناك. لذلك يجب الاستعداد لمواجهة احتمالات مختلفة. لو وقعت حرب إضافية يجب استخدام قوة كبيرة بما يكفي لتلقينهم درساً، أو أو قوة ضخمة لتدمير الكثير. وفي الحرب المقبلة يجب الاستعداد لهجمات سيبرانية. ويتعين على الجبهة الداخلية الاستعداد كما يجب لمواجهة ترسانة السلاح التي يحتفظ بها حزب الله».
«في الحرب يجب على الجيش أن يسعى إلى تحقيق النصر»، هذا الأمر مفروغ منه ولكنه على ما يبدو لم يعد كذلك، هذا ما كتبه أعضاء لجنة فينوغراد بعد 16 شهراً على انتهاء حرب لبنان الثانية.
وأوضح البرفسوران يحزقئيل درور وروث غبيزون، بالاضافة إلى الألوية في الاحتياط مناحيم عينان وحاييم مندل والقاضي د. إلياهو فينوغراد، أنه» إذا كان معروفاً بشكل مسبق أنه لا يوجد استعداد أو إمكانية لتحقيق النصر، فمن الأفضل الامتناع من البداية عن الدخول في حرب، أو حتى في خطوات من شأنها أن تتدهور إلى حرب».
بعد عشر سنوات على حرب لبنان الثانية وثماني سنوات على هذا القول، تدل قراءة جديدة للصفحات الـ629 لهذا التقرير على أن هذه الفكرة التي لا يستشهد بها كثيراً، هي على ما يبدو في أساس الفشل: ضعف وعي الزعامة الإسرائيلية قبل عشر سنوات هو في أساس التقصيرات الكثيرة التي وقعت في حرب لبنان، وهو أيضاً المفتاح لفهم التسلسل الذي أدى إلى ما يصفه كثيرون حتى اليوم بأنه» تضيع فرصة كبيرة» ويصفه آخرون بأنه «فشل ذريع».
من أجل التذكير، استمرت حرب لبنان الثانية 34 يوماً. بدأت بهجوم مخطط له من جانب حزب الله في منطقة الحدود، في حادثة خُطف فيها جنديان وقُتل ثلاثة آخرون. وأدى الحادث إلى هجوم إسرائيلي جوي مكثف، ومن بعده إلى عملية برية متعثرة، رافقها خلال أسابيع تردد وجدل داخلي حاد: هل يجب السماح للجيش بالقيام بعملية برية، وإلى أي مدى يتوغل، وبأي حجم؟
خلال الحرب جرى تعبئة 89 ألف جندي في الاحتياط. لكن في أي مرحلة من مراحل الحرب لم يكن يوجد على أراضي لبنان، أكثر من 10 آلآف في الوقت نفسه. وفي الخلفية كانت تحوّم صدمة حرب لبنان الأولى (1982)، والوجود المستمر لسنوات طويلة على أراضي لبنان، ثم الانسحاب السريع للجيش الإسرائيلي سنة 2000، وهو ما فسّره حزب الله بأنه هروب وفرار.
في مطلع الحرب بدأ «حزب الله» بقصف الجبهة الداخلية الإسرائيلية بالراجمات والصواريخ. أصيب الجليل. وحتى حيفا قصفت بالصواريخ البعيدة المدى. وقتل من جراء القصف على الجبهة الخلفية 44 مواطناً و12 جندياً وجُرح نحو 2000 مواطن. ونحو ثلث سكان الشمال غادروا منازلهم ونزحوا إلى وسط البلد أو إلى الجنوب. تضرر الكثير من الممتلكات. وفي المعارك البرية المحدودة قُتل 107 جنود وجُرح 628 آخرون.
على الرغم من بطولات فردية غير قليلة، اتضح أن استعداد الجيش البري للقتال كان «منخفضاً». سنوات المواجهة الطويلة مع الفلسطينيين وخاصة الانتفاضة الثانية، أديا إلى تآكل استعداد الجيش للمواجهة مع «حزب الله». وعلى الرغم من العمليات المتواضعة نسبياً التي أشارت إليها لجان التحقيق بعد الحرب، قتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 1500 مقاتل من «حزب الله»، ودمر بنيته التحتية المدنية المؤيدة للقتال في شتى أنحاء لبنان وألحق ضرراً كبيراً بالمدن في لبنان. أحياء كاملة دُمرت وطرق وجسور كثيرة تضررت. كما قصفت محطات توليد الطاقة والمطار. وقُدر الضرر الذي لحق بالاقتصاد اللبناني بنحو 100 مليار دولار. كما تسببت الحرب بمقتل مئات المدنيين اللبنانيين وجرح آلاف آخرين.
بعد مرور عشر سنوات، يحكم النقاش العام على هذه الحرب وفقاً لنتيجتين: من جهة هناك الهدوء غير المسبوق الذي يسود الحدود اللبنانية منذ 2006، ومن جهة أخرى نرى التعاظم الكبير في قوة «حزب الله» العسكرية - غير المسبوقة هي أيضاً.
لدى «حزب الله» حالياً نحو 130 ألف صاروخ تغطي تقريباً كل أراضي دولة إسرائيل. وبين هاتين النتيجتين البارزتين يتمحور النقاش عن حرب لبنان الثانية حول مسألة الردع وقدرة الجيش حينذاك واليوم، ودور المستويين السياسي والعسكري، وتأثير لاعبين مثل سورية ولبنان وإيران على المخططات المستقبلية لتنظيم «حزب الله».
يقترح الوزير السابق دان مريدور، الذي عالج مسائل أمنية إسرائيلية في حكومات عديدة، على الجمهور وعلى متخذي القرارات نظرة مختلفة إلى حرب لبنان الثانية، وكذلك إلى «حرب لبنان الثالثة» - إذا وقعت لا سمح الله. يقول: «قلت لكثيرين قبل الحرب، وهم يستطيعون أن يشهدوا على ذلك، إن إسرائيل لا تستيطع أن تهزم تنظيماً مثل حزب الله. قلت ذلك على خلفية معرفتي الوثيقة بقدراتنا وقدراتهم. لماذا أذكر ذلك الآن؟ لأن لهذا تأثيراً على المستقبل. إن تهديد 100 ألف صاروخ لدى حزب الله يجسد اليوم تغير نمط الحرب».
ويتابع مريدور: « لقد واجهنا التهديد القديم للجيوش العربية وانتصرنا. المصريون في سلام معنا منذ 40 عاماً. والأردن في سلام معنا. الجيش السوري مفكك. المعيار اليوم هو مقدار الضرر المتبادل اللاحق بالجبهة الخلفية. نحن مثل الولايات المتحدة نجد أنفسنا دولة في مواجهة تنظيم، دولة في مواجهة لاعب غير دولتي. هذا زمن جديد تغيرت فيه المعادلة كلها. لقد وظفت الولايات المتحدة ولا تزال توظف الملايين في حربها ضد القاعدة أو داعش، ولا تواجه إسرائيل جيشاً نظامياً أو دولة، بل تنظيمات مثل «حزب الله» وحركة «حماس». وفي مثل هذه الحرب ليس هناك «ضربة قاضية وانتهينا».
وتابع: «لقد ولى زمن حرب الأيام الستة 1967. خبرنا ذلك في لبنان وفي غزة، وخبرت الولايات المتحدة ذلك في أماكن أخرى في العالم. المحافظة على الحدود مهمة لكنها لا تساعد في منع وصول الحرب إلى الجبهة الداخلية».
كيف نواجه تغير المعادلة؟
«اليوم تستند الحرب إلى الاستخبارات وإلى الضربات الموضعية، كالضربة التي قضت على بن لادن، مثلاً. لسنا بحاجة إلى معرفة أين يخبئ حزب الله 100 ألف صاروخ، لكن يتعين علينا أن نعرف ونحدد 300 نقطة إذا ضربتها فإنك تشوش حزب الله كلياً».
يعتقد مريدور أننا لم ننتصر في حرب لبنان الثانية، لكننا أيضاً لم ننهزم. وهو يؤمن بأنه لم يكن من الخطأ عدم القيام بعملية برية كبيرة ويقول: «إن سلاح المشاة لم ينجح وفي تقديري هو لم يكن قادراً على وقف إطلاق الصواريخ. كان يجب الاكتفاء بضربة قوية وقصيرة ثم وقف القتال. مع استمرار القتال أدركنا حدود القوة في مواجهة تنظيم ارهابي غير دولتي مثل «حزب الله». حددنا هدفين: الأول - فرض الهدوء على الحدود، وحققنا ذلك. والثاني - منع تسلح حزب الله، وفشلنا في ذلك. ونشأ تهديد متبادل وردع متبادل، وهذا الأمر ما يزال قائماً».
في رأي مريدور: «يجسد حزب الله تفكك العامل القومي وصعود الدين - وهذا تغيّر كبير وتاريخي أدعوه «عودة إلى الله». لقد ازدادت قوة حزب الله ليس بسبب ما فعلناه أو ما لم نفعله، بل بسبب إيران. وبسبب تهديدنا الضمني أو العلني طوال سنوات بمهاجمة إيران، قامت ببناء قوة ردع ضد إسرائيل موجودة على حدودنا الشمالية. من جهة أخرى، إن أداءنا في حرب لبنان الثانية وبرغم جميع التقصيرات التي أشارت إليها لجنة فينوغراد - زعزعنا حزب الله. وقد قال نصر الله ذات مرة إنه لو عرف أن إسرائيل سترد كما فعلت لما خطف الجنديين. لقد افترض أننا عقلانيون وأخطأ في ذلك.
وماذا بشان المستقبل؟
«يجب إعداد رد دفاعي. وهذا يتعارض مع الأسلوب الإسرائيلي، لكن ليس هناك ما يمكن فعله. الدفاع وحده لا يكفي، لكن من دون دفاع لا يمكن مواجهة التهديد الصاروخي وصواريخ حزب الله التي تعاظمت كثيراً. لقد بنت إسرائيل لنفسها في السنوات الأخيرة قدرة دفاعية قوية جداً، لكنها ليست مطلقة، ويجب تحسينها وتقويتها على الدوام».
ويقول مريدور: «يجب الاستمرار في محاولة منع الحرب ومنع حصول الطرف الثاني على سلاح كاسر للتوازن، وفي الأساس أن نفهم أن مفهوم الحرب لم يعد حرباً بين جيوش ويتضمن احتلال أراضٍ. الجبهة الآن، وإلى حد بعيد، هي الجبهة الداخلية. جبهتنا وجبهتهم. هذا سيئ لكنه الواقع. إذا واجهنا لا سمح الله حرباً هناك، فأنا أعارض احتلالاً برياً لوقت طويل، وبدلاً من ذلك أؤيد توغلاً للكوماندوس وضربات موضعية في الأماكن الأكثر تأثيراً وإيلاماً بالنسبة للطرف الثاني».