الصورة في الجزدان. الجزدان في الجيب الخلفي الأيمن للبنطال. لماذا الأيمن؟ يا له من سؤال عبيط جوابه أن معظم البشر يمينيون في الساق وفي الذراع. (عكساً من فصّي المخ!).
كل الرجال، تقريباً، مُسَرْوِلوُن؛ وكل سراويلهم ذات جيبين جانبيين، ومعظم السراويل ذات جيبين خلفيين، وفي معظم هذا الجيب الخلفي الأيمن هناك هذا.. الجزدان!
لا أعرف من اخترع البنطال، بجيبيه الجانبيين والجيب الخلفي الأيمن، لكن ما أعرفه أنه صار عالمياً، ثم لم يعد حكراً على سيقان الرجال، منذ أن ارتدته قبل قرن أو قرون، أديبة فرنسية مسترجلة، تُدعى جورج ساند (وهذا اسمها الذكوري الأدبي).
نعرف من اخترع بنطال الجينز (يُقال من مدينة جنوا الإيطالية) وكان يسمى، بداية، سروال الكاوبوي، ثم بفضل الرواد (البيوتر)الأميركيين، صار أمير السراويل ثم ملكها ثم امبراطورها، وللرجال والنساء سواء بسواء!
قبل وفاته، تحسّر مصمّم الأزياء الفرنسي ـ العالمي الشهير، إيف ـ سان ـ لوران، أنه ليس من اخترع سروال الجينز، وليس من طوّره ألواناً وأشكالاً «ممرمطة».
ربما اخترعوا، لاحقاً، هذا الجزدان، أو حافظة النقود منذ اختراع أوراق النقد الورقية (البنكنوت)، ثم تطوّر تصميمه الداخلي ليغدو ذا «جيوب» داخلية لغير النقود، مثل جيوب من البلاستيك لوضع صور شخصية أثيرة، ولاحقاً لوضع بطاقات تعارف أو بطاقات الصرّاف الآلي المحلّي والفيزا العالمية.
بدأتُ بعبارة «الصورة في الجزدان» ويبدأ الولد في وضع صورة الوالد والوالدة، ولمّا يشبّ يجد مكاناً لصورة الحبيبة والخطيبة، ولاحقاً الزوجة، ثم صور الأولاد من زواجه.
غالباً، ما تصبح جيوب الجزدان متخمة بالصور والأوراق المهمة (الفواتير مثلاً).. وهكذا تنتقل صور الوالد والوالدة إلى صور كبيرة ذات برواز على جدران البيت أو المحل التجاري، وتتلوها بقية الصور.. وأخيراً، تأتي الصورة الأخيرة للحفيد الأول!
كانت الصور الحميمة، الأكثر تنوُّعاً، تجد مكانها في ألبومات الصور العائلية وصور الأصدقاء والأماكن الأثيرة، ولكن هذه الألبومات، مثل الأشرطة المتحركة (الكاسيت) صارت اختراعاً غابراً، وجاء عصر الكاميرات الرقمية وأجهزة الحواسيب، ثم هذا الهاتف المحمول بعدسته وذاكرته ليحلّ مكان الألبومات.
مع ذلك تبقى، بعد أن تصير «سيدو» صورة أولى للحفيد الأوّل، وخاصة بعد أن يطفئ الوالدان الشمعة الأولى من عمره، أو بخاصة، صورة أولى لجواز سفره الأوّل.
يكبر الأولاد والأحفاد بسرعة، وتبقى صورهم الأولى في جزدان الجيب الخلفي للسروال، أو ذلك الجزدان النسوي المختلف، وأما صورهم اللاحقة في الحضانة الأولى والصفّ المدرسي الأوّل، فمكانها في الحواسيب وذاكرة رحبة جداً في الهاتف الذكي، المزوّد بعدسة صارت تغنيك عن حمل كاميرا ثقيلة أو خفيفة نوعاً ما.. صارت نوعاً من حافظة لغير النقود وبطاقات الاعتماد.
عندما يكبر الأولاد، و»يتسرولوا» ويصير لديهم جزادين بسيطة في جيب سروالهم الخلفي، تبدأ القصة القديمة من أوّلها: صورة الأب وصورة الأم.
على الأغلب، عندما تصير جداً و»سيدو» أو تصير زوجتك «تيتا» لن تكون على قيد الحياة، عندما يشبّ أحفادك ليضعوا صورتك في جزدان الجيب الخلفي.. يضعونها على الجدار مع زيح أسود!
لم تكن مدن البشر تتشابه، وصارت تتشابه، ولم تكن أزياء الشعوب تتشابه، وصارت تتشابه، لكن الجزادين التي تبدو متشابهة، تحوي خصوصيات مختلفة، وهُويّات شخصية مختلفة في مفرداتها، وبطاقات ائتمان تبدو متشابهة لولا اسمك وكلمة السر.. إلخ.
تحصل معك «كارثة» صغيرة، عندما تفقد هذا الجزدان لسببٍ ما، وستكون حصيفاً إن وزّعت محتويات الجزدان: الهُويّة في مكان، مثل الجيب الخلفي الأيسر، أو جيب القميص (وشتاءً جيب الجاكيت)، وبعض المال في جيب الهُويّة، لكن المشكلة مع بطاقات الصرّاف الآلي (والفيزا الخارجية بخاصة إن كنت على سفر) لأن استصدار أخرى يأكل من وقتك ويضغط على سير حياتك اليومية ويُشوِّشها، والأفضل أن تسجل أرقامها على جهاز الحاسوب أو الهاتف الذكي.. ولجواز السفر معاملة حريصة وخاصة جداً.
جديد في «خطبة الجمعة»
غيّر الاستيطان في القدس، ضواحيها غالباً وقلبها أحياناً، فإن أسواق القدس العتيقة اعتادت إقفال أبواب محلاتها مع ساعات الغروب.. تنام مع الدجاج!
الشيخ عكرمة صبري، رئيس الهيئة الإسلامية العليا، دعا في خطبة الجمعة الأخيرة (حيث أدّى 40 ألف مؤمن الصلاة) تجار القدس العربية إلى إغلاق أبواب محلاتهم بعد صلاة العشاء، وليس مع ساعات الغروب.. ومن ثمّ يعتاد الناس والمتبضِّعُون، على هذا شيئاً فشيئاً، وبالتالي تبقى «الحركة بركة» وأسواق القدس عامرة.
.. ولكن، صارت رام الله مدينة الحياة الليلية لكثيرٍ من المقادسة، أو يذهبون إلى القدس الغربية ومدن الساحل .. أسواق القدس الشرقية كائن نهاري، والقدس الغربية نهاري وليلي.