إسقاط الطائرة الروسية قبل ايام في شمال سورية وقتل طاقمها المكون من خمسة اشخاص من قبل المتمردين السوريين كان ضربة في الجناح بالنسبة لبوتين.
ففي نهاية المطاف كان في استطاعة رئيس روسيا قبل اسقاط الطائرة التفاخر بايجابية تدخله العسكري في سورية مقابل عدد قليل من الضحايا.
نجحت روسيا في انقاذ نظام بشار الاسد من الانهيار بشكل مؤكد تقريبا، وتوجيه ضربة قاسية للمتمردين. وفي الطريق الى هذا الهدف، صحيح أنهم تسببوا في قتل آلاف المواطنين السوريين وهروب مئات الآلاف الآخرين، إلا أن أحداً في المجتمع الدولي لا يتجرأ على رفع صوته على أفعال روسيا في سورية.
ونجحت روسيا ايضا في ردع تركيا واسرائيل في سورية، وايضا انشاء تحالف استراتيجي مع ايران، وبهذا الشكل أو ذاك مع «حزب الله» ايضا.
هذا التحالف هو أحد المحطات الاساسية لعودة روسيا الى المنطقة.
لكن يبدو أن الانجاز الاكثر اهمية حققته روسيا في الساحة الدولية في وجه الولايات المتحدة واوباما.
ففي هذا الصراع ظهرت واشنطن بكامل عجزها، ليست لديها الرغبة أو التصميم من اجل تحقيق أهدافها، واسوأ من ذلك ليس لديها هدف أو سياسة يستطيع حلفاؤها وأعداؤها في المنطقة تشخيصها.
يبدو أن الضرر الكبير الذي سببه سلوك الولايات المتحدة في سورية في مواجهة الروس لا يكمن في هذا الفشل الموضعي أو ذاك، بل في التصرف الهاوي الذي يعكس عدم معرفة ما يحدث في المنطقة، غياب الخبرة، السذاجة والضعف، من النوع الذي محظور على قوة عظمى مثل الولايات المتحدة أن تعكسه.
منذ اشهر طويلة يراوغ بوتين الولايات المتحدة، ويجري معها حوارا مراوغا حول جهود التوصل إلى اتفاق سياسي ينهي الحرب السورية.
في هذا السياق يقوم بتقديم يده للقاءات الدولية العقيمة. ويجري نقاشات مع وزير الخارجية الأميركي كيري، ويعلن ايضا عن وقف اطلاق النار وانسحاب قواته من سورية، الامر الذي لم يكن صادقا فيه ولم يتم تطبيقه في نهاية المطاف، اضافة الى عدة قضايا هنا وهناك.
في الوقت الحالي، وبالتوازي مع اللعبة الدبلوماسية الوهمية وغير المفيدة، تقوم طائرات بوتين بقصف جميع أنحاء سورية.
أما حلفاؤه، مقاتلو الحرس الثوري الايراني ومقاتلو «حزب الله»، فهم يتقدمون في طريقهم لاحتلال مناطق اخرى يسيطر عليها المتمردون.
ولكن الأميركيين على حالهم، لا يسمحون للحقائق أن تشوشهم وهم يستمرون في منح المظلة الدبلوماسية لخطوات بوتين في سورية.
وكلما صعد بوتين عمله العسكري مثل الانقضاض على حلب، المدينة الثانية بحجمها في سورية، ازدادت الاقتراحات الأميركية الغريبة مثل اقتراح الخطوة المشتركة الروسية الأميركية ضد «داعش»، التي ستمنح الشرعية لتدخل روسيا في سورية وتُمكن روسيا والاسد من التغلب على ضغط المتمردين في الدولة.
لن يأتي الخلاص من الولايات المتحدة، وهذا ما يعرفه كل ولد.
ولكن لبوتين ايضاً مشكلاته الخاصة، ففي نهاية المطاف تستطيع روسيا أن تُظهر قوتها، لكن الحديث يدور عن دولة تحارب وتواجه صعوبات اقتصادية كبيرة.
إن نجاح بوتين في المعركة على الرأي العام الروسي يكمن في أنه يعكس شعور الانتصار والنجاح.
ولكنه يتذكر ايضا أن التدخل الروسي الفاشل في افغانستان قبل ثلاثين سنة، الذي انتهى بآلاف القتلى الروس، كان أحد اسباب انهيار الاتحاد السوفييتي.
لذلك فان نبأ اسقاط المروحية الروسية وقتل طاقمها هو بشرى غير مريحة.
ولكن عدا ذلك، يتبين أن ما يمكن اعتباره انتصارا قد يبدو في اليوم التالي غرقا جديدا في الوحل السوري. هكذا هي المعركة في حلب، حيث سارع السوريون، ومعهم الروس والايرانيون، الى الاعلان عن الانتصار، لكن الجيش السوري هو جيش مستنزف لا يمكنه تطبيق الميزة التي يمنحه إياها قصف روسيا.
والمتمردون ينجحون في سفك دمه ووقف تقدم قواته. في الصراع بين بوتين واوباما، يدور الحديث عن الضربة القاضية، لكن في سورية قد تستمر الحرب وقتا طويلا.
الرئيس عباس يُعزي نظيره السوري بضحايا الهجوم الإرهابي في حمص
06 أكتوبر 2023