هل تواجه سورية التقسيم؟

هاني عوكل
حجم الخط

لا ينبغي أن تمر أقوال رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية جون برينان بشأن مستقبل سورية ووحدة أراضيها مرور الكرام، خاصةً وأن هذه الأقوال كان قد سبقها بعدة أشهر حديث من نفس النوع لوزير الخارجية جون كيري.
برينان أبدى تشاؤماً بخصوص مستقبل سورية كبلد واحد، ولا يعرف بالضبط إذا كان من الممكن أن تعود سورية موحدة مرةً أخرى، وهذا الطرح يتساوى مع تصريحات سابقة لكيري أواخر شباط الماضي، قال فيها إنه يصعب أن تظل سورية موحدة إذا بقي النزاع على حاله دون أن يتوصل الفرقاء إلى حل سياسي ينهي الأزمة السورية.
كيري كان قد ألمح في أكثر من مناسبة الى وجود خطة بديلة لدى الإدارة الأميركية، في حال أُجهض المسار السياسي وماتت معه فكرة المرحلة الانتقالية، غير أن وزير الخارجية الأميركي لم يكشف وقتها عن طبيعة هذه الخطة لا من قريب ولا من بعيد.
هل كانت تصريحات برينان تتصل بالخطة التي تحدث عنها كيري؟ وهل سنشهد ترتيبات لمرحلة سورية غير موحدة وخاضعة لدويلات؟ في حقيقة الأمر يبدو من الصعوبة الحديث عن هذا الموضوع، باستثناء التخمين في مآلات الوضع السوري في خضم ما يزيد على خمسة أعوام على نزاع لم يحقق حسماً لا في الإطار العسكري ولا المسار السياسي المعطل.
أولاً: ينبغي أخذ التصريحات الأميركية على محمل الجد، لأن الحديث لا يصدر عن دولة نامية أو إقليمية لها تأثير في الوسط الدولي، وإنما الحديث هنا عن أهم لاعب على الساحة الدولية، والدولة الأقوى في العالم التي لها تأثير كبير في كامل الكرة الأرضية.
ثانياً: إن هذه التصريحات صدرت عن شخصين مهمين، الأول هو برينان الذي تتمثل مسؤوليته في جمع المعلومات عن الأشخاص والحكومات خارج الحدود الأميركية وتحليلها والخروج بالتوصيات إلى صانع القرار الأميركي، والثاني هو كيري الذي يدير وينفذ السياسة الخارجية للدولة الأميركية ويرسمها إلى جانب الرئيس أوباما ودوائر صنع القرار.
ثالثاً: أكثر من خمسة أعوام مضت على النزاع السوري ولم يحقق الحسم العسكري شيئاً لا للقوات الحكومية السورية ولا للمعارضة، وجاء المسار السياسي بهدف الحديث عن تسوية مناسبة، غير أن التعطيلين الأميركي والروسي تحت نظرية (لا وفاق ولا اتفاق) أسهما في صب الزيت على النار وتدوير واستدامة الأزمة السورية.
ينبغي الاعتراف هنا أن القصة ليست النظام السوري والمعارضة، ذلك أنه في حال غياب أي تدخلات خارجية لكانت النهاية واضحة ومعروفة لدى الجميع، غير أن التدخلات الخارجية وحدها من عمّق وأطال الأزمة السورية.
الأميركان لا يريدون وجوداً روسياً في منطقة الشرق الأوسط، ولا يريدون دولة سورية قوية وتتمتع بقدرات عسكرية مؤثرة على الصعيد الإقليمي، وليس من المستبعد أن يكون الهدف الأميركي من إطالة النزاع هو إشغال وإضعاف أربعة أطراف هي روسيا وإيران والنظام السوري وحزب الله.
ثم إن حديث كيري السابق عن وجود خطة في حال تعثر المسار السياسي إنما يشير ببساطة إلى الوضع القائم، ذلك أن الطرفين الأميركي- والروسي عجزا عن الاتفاق حتى في المسائل الإجرائية وفي قضايا يفترض أنها سهلة.
قرار وقف إطلاق النار الذي لاقى استحسان المجتمع الدولي لم يصمد لأيام منذ الإعلان عنه وتثبيته أواخر شباط الماضي، وإلى هذه اللحظة لم يترجم على أرض الواقع، حتى أن تحديد قائمة موحدة للتنظيمات الإرهابية بقصد ضربها لم يحدث فيها الجديد.
ومؤخراً ناورت جبهة النصرة في قضية غاية في الأهمية، حيث أنها تخلت عن القاعدة باتفاق ومباركة من الأخيرة، وغيرت اسمها إلى جبهة "فتح الشام"، على أساس أن ذلك سيمكنها من أن تُصنف في إطار المعارضة المعتدلة بدلاً من كونها تنظيما إرهابيا قد يمسه الاستهدافان الروسي والدولي.
أضف إلى ذلك أن المسار السياسي معطل وهو مرهون في كل الأحوال بالمسار العسكري، ولا يوجد في الأفق ما يبشر بالخير بخصوص عودة مسلسل المسار السياسي، طالما أن الخلاف الأميركي والروسي قائم حتى في أبسط الأمور، مثل قصة المساعدات والممرات الإنسانية.
كثرة هذه القضايا الخلافية تجعل الطرفين الأميركي والروسي على مسافات بعيدة، وما يجري هو شيطنة سورية وجعلها عنواناً لحرب بالوكالة بهدف تحقيق المصالح الدولية الشخصية، فما تتمسك فيه روسيا من وجود في سورية يحقق لها نوعاً من التوازن الاستراتيجي الدولي، تعتبره واشنطن أمراً معيباً ينبغي مواجهته أو فتح جدار فيه و"التعليم عليه" كما يقول المثل.
إن عجلة الحياة بالنسبة للدول الكبرى تقتضي إشعال صراعات وتوظيفها في فكرة الاستثمار النفعي، يشمل ذلك صفقات بيع الأسلحة وإعادة بناء المدمر من البنى التحتية، وحتى أيضاً إيجاد موطئ قدم لوجود عسكري يضمن حماية المصالح لها.
هذا بالضبط ما يحدث في سورية، إلى جانب عوامل أخرى، وحدث سابقاً للعراق، فهذا الأخير خضع لاحتلال أميركي واستنزفت كامل قدراته وتخلّف عن النمو والالتحاق بالدول الصاعدة لأعوام طويلة، وهو اليوم وإن لم يمسه التقسيم الجغرافي الحدودي، فقد خضع لتقسيمات ومحاصصات طائفية حدّت من تطوره.
وليس من المستبعد استنساخ التجربة العراقية مع بعض الإضافات في النموذج السوري، إذ أن المؤشرات الحالية لا تقول إن سورية على موعد مع نهاية الأزمة، وفي حال ظل النزاع العسكري يتغذى على المساعدات الخارجية، وبقي المسار السياسي معطلاً، فقد يكون مرجحاً أن نشهد دويلات سورية داخل الدولة، ليس بالمعنى الانفصالي الرسمي.
إن الهدف الأميركي من سورية هو إثارة النعرات الطائفية بغية إضعاف الدولة السورية، ذلك أن نموذج العراق لم تكن حاضرةً فيه النعرات الطائفية قبل الاجتياح والاحتلال الأميركي بهذا الشكل الحالي، ويبدو أن استحداث سياسة تحريك النعرات الطائفية تخدم أجندة إنهاك الدولة الواحدة.
أخيراً يمكن القول إن عدم الاتفاق الدولي حول سورية وضخ الدم في الأطراف المحلية السورية لإدامة النزاع، دون توفير أرضية سياسية صالحة للنقاش وتؤسس لمرحلة قائمة على المحاصصة أو الشراكة، من شأنها أن تقود إلى الخطة التي تحدث عنها سابقاً وزير الخارجية كيري.
هذه الفرضية لا يمكن تجاهلها، ولو أن الأحداث تقول إن تقسيم سورية غير وارد حالياً، لأن هناك أطرافا كثيرة لا يعنيها التقسيم ويهدد أمنها ووحدة أراضيها مثل تركيا والعراق وإيران، إلى جانب أن روسيا مع فكرة الدولة السورية الواحدة، لأنه في حال رسخت وجودها هناك فإنها ستكون بمنأى عن صداع تعدد السلطات في المربع الواحد.