في طولكرم، ليست المشكلة في تشخيص من هو على حق، ولماذا وصلت الأوضاع إلى ما هي عليه الآن... وفي جنين وقراها كانت هناك مواجهات واشتباكات على خلفية أزمة الكهرباء نفسها... وفي نابلس تتواصل الحملة الأمنية... رغم التوتر الذي تتناقله وسائل الإعلام المجتمعي، أو ما يتناقله المواطنون شفاهة.
شمال الضفة ليس إلاّ نموذجاً صغيراً لواقع الأمر في مختلف المحافظات الفلسطينية. والملاحظ أن عجلة وأد الفتنة في مهدها أبطأ بكثير مما هو مطلوب، وإذا ما استمرت الأوضاع في التدهور المتسارع فإن النتائج ستكون وخيمة على الأطراف جميعها.
في قضايا السلم المجتمعي، أخطر ما في الأمر هو محاولة تجاهل الأزمة، وكأن الأوضاع طبيعية، والحياة اليومية الروتينية تسير، دون النظر بعمق إلى خطورة النتائج المترتبة على المديين المتوسط أو البعيد.
في الأيام وربما الأسابيع الماضية، حاولت بعض القيادات التعامل مع إشكاليات السلم المجتمعي على قاعدة الكنس تحت السجّادة... أو بمعنى آخر لملمة المواضيع وإخفائها عن عيون الجمهور، حتى لا نتعرض للتشفّي أو الانتقاص، أو حتى للتأكيد أن الأوضاع في محافظات الضفة سويّة، وأن كل شيء أصبح في دائرة الانهيار.
إحدى الإشكاليات الرئيسة هي أنه في كل مرّة نُجرّ فيها إلى مشكلة صغيرة، فإن سوء المعالجة يؤدي إلى تدحرجها لتكبر ككرة الثلج... لنبدأ بالصراخ بعدها ودعوة رأس الهرم إلى إيجاد حل للمشكلة.
قبل عدة أشهر كانت لنا تجربة مريرة مع إضراب المعلمين... وحالة الصدام مع الحكومة، وبعد ذلك مع الأجهزة الأمنية، حتى وصل الأمر للاستنجاد بالرئيس لحلّ المشكلة... وتدخّل الرئيس مشكوراً وأخمد حريقاً متقداً... لو استمر لفترة أطول لما استطاع أحد أن يخمده.
اليوم نعيد المأساة نفسها... وكأننا لم نتعلم من حالة الصدام السابقة... ومن ثم نبدأ بطلب النجدة العاجلة من الرئيس... بعد أن تصل الأمور إلى مرحلة اللاعودة.
إذا ما رغبنا في الحفاظ على تماسك مجتمعي حقيقي، وسلم أهلي قائم على مبدأ حرية الرأي والتعبير والمساءلة والشفافية فإن المطلوب، وبشكلٍ خلاّق، هو الابتعاد عن مفهوم كنس المشاكل تحت سجّادة النسيان أو التظاهر بالنسيان مع أن الأمور أكثر من واضحة.
لماذا تداخل السياسي بالأمني والعشائري والفصائلي والخدماتي في طولكرم... السبب في ذلك هو عدم وجود رؤيا لمفهوم المؤسسة، وربما كان السبب هو الفهم القائم حالياً، على أساس من كان على رأس مؤسسة يصبح مالكاً لها والمتصرف الوحيد فيها، الأمر الذي يؤدي إلى وضع كارثي وربما استبدادي.
المسؤول يجب أن يتصرف في حدود مسؤوليته مهما وصلت درجة هذا المسؤول... أما ليّ ذراع المستويات الأدنى أو الأعلى بأي شكلٍ فهو أمر له عواقب وخيمة، كما أن الانتصار بفئة أو حزب أو مجموعة أو قوة أو أجهزة أمنية يشكّل دماراً للسلم المجتمعي.. والذي سيؤدي إلى العودة إلى مربع الفوضى والفلتان وزمن الفساد و"الخاوة"... .
وحتى لا تتحوّل الأوضاع في طولكرم وجنين ومناطق أخرى مرشّحة إلى مرحلة تحطيم الرؤوس على أساس "أنا والعدم ورائي"، فإنه يجب أن يعاد النظر في مجمل السياسات الاقتصادية والاجتماعية وحتى عدالة توزيع المال والمشاريع من أجل نخرج من دائرة الانغلاق الذاتي والصراع الذي لا يستفيد منه إلاّ أعداء الشعب والوطن.
كما أنه لا بدّ من وقف حرب البيانات، وخاصة من الحكومة... لأنها يجب ألا تكون نداً أو منافساً أو متصارعاً مع أي كان... الحكومة تمثل الشعب ومصالحه وقضاياه الكبرى... ولكن حين تصبح طرفاً في الصراع وإصدار البيانات؛ يصبح الجميع في ورطة.
الكل يعلم أن أوضاعنا أكثر من صعبة، وأن انهيار السلم المجتمعي، يعني القضاء علينا، وبشكل أساسي قضيتنا الوطنية. إذاً، وجب الانتباه إلى أن القضية هي قضية وطن وليست قضية تصفية حسابات... حتى لا نكون كالذي يخرق السفينة فيُغرِق كل من فيها!!.