«حماس» لا تريد حرباً مع إسرائيل خلال هذا الصيف

699b5d64292cbb7cc27d9bea2c427ed1
حجم الخط

اعتقال محمد حلبي، من سكان جباليا، الذي ترأس الفرع المحلي لمنظمة انسانية كبيرة باسم «وورلد فيجن»، أدى الى اغلاق عملية استخبارية طويلة في السنوات الـ 12 الأخيرة. لائحة الاتهام التي تم تقديمها، أول من أمس، ضد حلبي في المحكمة المركزية في بئر السبع، تُبين أن الذراع العسكرية لـ»حماس» زرعت حلبي عن قصد، وهو مهندس، في صفوف المنظمة الدولية من اجل استغلال الاموال والبضائع التي دخلت الى القطاع، وتحويلها لاحتياجات «حماس».
«الشباك»، الذي قام باعتقال حلبي في معبر ايريز في 15 حزيران الماضي، اعتقد أنه في السنوات الست الاخيرة، ومنذ تعيينه لفرع غزة، حوّل حلبي عشرات ملايين الدولارات الى الذراع العسكرية ونشطائها.
قد يضر الكشف عن هذه القضية بـ»حماس» في عدة مجالات. أولا، سيثير الامر الاشتباه المبرر لدى منظمات المساعدة الدولية التي تعمل في غزة تجاه الموظفين المحليين، الامر الذي سيؤدي الى تشديد الرقابة على اجراءات نقل الاموال، ما سيجعل استمرار تحويل الاموال أمرا صعبا. ثانيا، اتخذت «حماس» على مدى السنين صورة المنظمة نظيفة اليدين، وأنها خلافا للسلطة الفلسطينية لا تقوم بخداع السكان، وأن المسؤولين فيها لا يأخذون الاموال لجيوبهم. في هذه الحالة من الصحيح أن حلبي اعترف في التحقيق معه بالتحويل لصالح الذراع العسكرية للمنظمة، لكن «الشاباك» يقول إن لديه اعترافا وأدلة حول تحويل الاموال وعلى حساب السكان من أجل مساعدة عائلات نشطاء الذراع العسكرية.
ينضم تقديم لائحة الاتهام الى الادعاءات التي تسمع في غزة منذ سنوات حول جباية الضرائب من الجمهور لتمويل نشاطات «حماس». هذه مسألة محرجة للمنظمة. وتستطيع اسرائيل ايضا استغلال الامر أمام المنظمات الدولية مثل وكالة غوث اللاجئين التابعة للامم المتحدة «الاونروا» والمطالبة بتشديد الرقابة على «حماس». ومع ذلك عليها أن تسير بحذر من اجل عدم احداث ازمة شاملة مع المنظمات، حيث إن مئات آلاف السكان في غزة يعتاشون منها، الامر الذي قد يؤثر على التهدئة الأمنية النسبية.
الدعاية الاسرائيلية سيتم استغلالها خصوصا أنه توجد بين اسرائيل و»حماس» حربا باردة في الآونة الاخيرة دون وجود احتكاك عسكري مباشر. في الصراع من اجل التأثير على موقف المجتمع الدولي يبدو أن اسرائيل قد كسبت هنا ذخيرة ناجعة وشرعية.
ورغم اهتمام «الشاباك» بالسكان الفلسطينيين، فان «حماس» كمنظمة «ارهابية» واثناء صراعها مع اسرائيل قتلت مئات المواطنين. هل فوجيء أحد ما من أن «حماس» تتعامل بهذا الشكل مع ضائقة المساكين في القطاع؟

مشعل والسنوار
رغم الكشف الأخير، فان التقديرات لدى الاجهزة الامنية تقول إن توجه «حماس» ليس الى الحرب في الصيف الحالي. اعادة اعمار القطاع في اعقاب عملية الجرف الصامد تتم بشكل بطيء جدا. منذ انقلاب الجنرالات في القاهرة قبل ثلاث سنوات لم تعد «حماس» تجد التأييد الاستراتيجي المصري، وهي تجد صعوبة في اقامة علاقات بديلة مع دول اخرى (تركيا، ايران، السعودية وقطر)، رغم أن هناك محاولات في جميع الاتجاهات. ايضا القدرات العسكرية ما زالت محدودة، لا سيما في مجال الصواريخ قصيرة المدى. منذ دمر المصريون معظم الانفاق بين سيناء ورفح توقف تهريب السلاح الذي كان يصل من ايران، واضطرت «حماس» الى الاعتماد على صناعة الصواريخ المحلية التي تعتبر قوتها ودقتها محدودة نسبيا. لذلك يحتمل أنه اذا اندلعت مواجهة عسكرية اخرى مع اسرائيل في الاشهر القريبة، سيكون ذلك بسبب تدهور موضعي وليس مواجهة مخطط لها من أحد الاطراف.
يبدو أنه يوجد في الخلفية جدل داخلي في قيادة «حماس». قيادة الذراع العسكرية – يحيى سنوار، أحد محرري صفقة شاليت، هو الآن الشخصية الاكثر فعالية في صفوف الذراع العسكرية – وهو على خلاف مع رئيس المكتب السياسي لـ»حماس»، خالد مشعل، الذي يعيش في قطر، في عدد من الامور. السنوار وزملاؤه يريدون استئناف العلاقة مع ايران، التي ضعفت بسبب الحرب الاهلية في سورية، وتخصيص اموال اكثر لقطاع غزة على حساب الضفة الغربية. ويخشى مشعل من أن التقرب من ايران سيصعب على «حماس» المناورة أمام الدول السنية. مشعل، الذي أصله من قرية سلواد قرب رام الله، يريد ادخال المزيد من الاموال الى الضفة على أمل زيادة العمليات ضد الاسرائيليين هناك، واضعاف مكانة السلطة الفلسطينية. الكشف عن خطة شبيهة لـ»حماس» في أيار 2014 واعتقال عشرات الاشخاص من المنظمة في الضفة الغربية من قبل اسرائيل أدى الى تقوية التنسيق الامني بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية.
في الشهر الماضي تم التوصل الى اتفاق، ليست كل تفاصيله معروفة، حول تقبل 30 مليون دولار من قطر لقطاع غزة من اجل دفع رواتب موظفي الدولة هناك. لن يتم اعطاء الاموال مباشرة لحكومة «حماس»، بل سيتم الدفع لكل عامل على حدة. يمكن أن هناك اتفاقا حول تجنيد دول اخرى في الخليج لدفع الرواتب في الاشهر القادمة. هذه الخطوة ايضا من المفروض أن تساعد على تهدئة الوضع في غزة. وتوافق اسرائيل على ذلك من خلال صمتها.
حل هذه الخطوات تعيد قضية المفقودين الاسرائيليين وجثتي الجنديين الاسرائيليين الموجودة لدى «حماس» في القطاع؟ المفاوضات حول الصفقة عالقة في مراحلها الاولى، والعائلات تبحث عن اساليب ضغط جديدة تستطيع إعادة «حماس» الى المفاوضات. النقاش في «الكابنيت» حول تبني تقرير لجنة شمغار، التي طالبت بفرض قوانين مشددة أكثر على صفقات التبادل، لا ترضي العائلات. وتبني التقرير قد يقلص أكثر امكانية التوصل الى صفقة مع «حماس» التي تحاول اخضاع اسرائيل كما حدث في صفقة شاليت، رغم أنه في هذه المرة لا يوجد لدى «حماس» جنود على قيد الحياة.
بالمقارنة مع سلوكها عشية اندلاع الحرب قبل سنتين، يبدو أن الحكومة والاجهزة الامنية في اسرائيل تهتمان اكثر بتأثير الازمة الاقتصادية في غزة على التطورات في الساحة العسكرية. في السنتين الاخيرتين وسعت اسرائيل عبور البضائع الى القطاع. في كرم أبو سالم تمر يوميا 600 – 1000 شاحنة، لكن الحركة الكبيرة في المعبر، في الزاوية الجنوبية للقطاع، أكبر من أن تستوعبها البنية التحتية القديمة في شارع 232، التي تخدم معظم السكان في غلاف غزة. تشكل قوافل الشاحنات خطرا على المسافرين الآخرين، وتتسبب بأزمات مرورية وتعمل على تخريب الشارع نفسه. احتجاج رؤساء المجالس في المنطقة أدى الى اتخاذ قرار بتقييد الحركة، لكن في وزارة الدفاع يخافون من أن تقليل استخدام كرم أبو سالم سيؤدي الى زيادة التوتر مع غزة. في الوقت الحالي يتضح وجود حل جزئي. بدأ مكتب منسق شؤون «المناطق» في استخدام معبر ايريز في شمال القطاع، من اجل نقل البضائع. في الوقت الحالي، هذا الاستخدام محدود لنقل ارساليات السيارات الجديدة الى غزة. وهناك حاجة الى 100 مليون شيكل من اجل انشاء بنية جديدة في ايريز تسمح بتحويل قسم من الشاحنات اليه. إن تطبيق خطة كهذه سيقلل حدوث حوادث الطرق على الشوارع.
نشأ، مؤخراً، خلاف بين منسق شؤون «المناطق» و»الشاباك» حول سياسة تصاريح الخروج من القطاع. منسق شؤون «المناطق» زاد عدد الخارجين من رجال الاعمال ومن اجل العلاج الطبي، في محاولة لتقليص اضرار الحصار على غزة. ويتم منح التصاريح بموافقة «الشاباك» والجهات الامنية حيث كان «»الشاباك» يتعاون حتى الفترة الاخيرة الى أن اكتشف أن بعض الخارجين، والذين ليس لهم ماض امني، تم استغلالهم من قبل «حماس» لنقل الرسائل واحيانا لنقل الاموال للنشطاء في شرقي القدس والضفة الغربية. لذلك شدد «الشاباك» من عملية الفحص عند الخروج من القطاع وسحب تصاريح خروج رجال اعمال واعتقل عددا من المشبوهين، الامر الذي دفع الفلسطينيين الى الشكوى من التشديد الذي لا لزوم له والذي تحدثت عنه هنا عميره هاس.
هذه القصة هي عبارة عن تلخيص للتورط الاسرائيلي الفلسطيني: لا تستطيع اسرائيل الفصل بين «حماس» في قطاع غزة وبين السلطة الفلسطينية في الضفة، رغم أنها ربحت مكاسب سياسية كبيرة من الانفصال المتواصل في المعسكر الفلسطيني. ولكن حينما تخفف اسرائيل الضائقة والضغط على القطاع فانها تعطي «حماس» ثغرة يتم استغلالها ليس فقط للاعمال «الارهابية» ضدها، بل السعي من اجل اضعاف السلطة الفلسطينية في الضفة.

مسألة محلية
في الساحة الفلسطينية الداخلية فان القصة الكبرى تتعلق بانتخابات البلديات والمجالس المحلية التي ستجرى في 18 تشرين الاول. من المفروض أن تتم الانتخابات بالتوازي في أكثر من 400 بلدية ومجلس في ارجاء الضفة والقطاع. ويبدو أن عباس قد جُر اليها دون تفكير كافٍ. الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لم تتم في «المناطق» منذ أكثر من عشر سنوات، حيث فاجأت «حماس» في حينه السلطة، وفازت في انتخابات المجلس التشريعي في كانون الاول 2006. وفي 2012 أجريت الانتخابات الوهمية للبلديات في الضفة. وقررت «حماس» عدم المشاركة فيها، وكانت «فتح» لا تحظى بالشعبية الكبيرة، حيث قيل إن «فتح» خسرت أمام نفسها في بعض المدن. ومنذ ذلك الحين مرت اربع سنوات، وعباس الذي اعتقد كما يبدو أن «حماس» لن تشارك هذه المرة ايضا، قرر المراهنة والاعلان عن انتخابات جديدة. لكن «حماس» فاجأت وأعلنت عن موافقتها. ويبدو أن «حماس» في الضفة ستفضل الترشح في قوائم مشتركة مع مستقلين لا ينتمون لها.
معظم قادة السلطة الفلسطينية يظهرون الثقة بأنهم سيفوزون في الانتخابات. إلا أن الاجهزة الامنية الاسرائيلية أقل ثقة من ذلك. في عدة لقاءات تمت مؤخرا حذر الاسرائيليون نظراءهم في السلطة الفلسطينية من أن معسكر السلطة قد يهزم. تستطيع «حماس» استغلال الانتخابات لزيادة تأثيرها السياسي في الضفة وزعزعة مكانة السلطة.
نظريا، استطاعت اسرائيل وضع عقبات بيروقراطية كبيرة على اجراء الانتخابات. ولكن هذه الخطوة ايضا تحمل المخاطر. التدخل الاسرائيلي في العملية الديمقراطية لدى الفلسطينيين لن يجد التشجيع في المجتمع الدولي.
يبدو أن دخول «حماس» الى الانتخابات أثار التساؤل في اوساط قادة السلطة حول صحة الخطوة، لكن الامر لم يغير من اهتمام عباس نفسه. فالرئيس الفلسطيني لا يعلق الآمال على استئناف المحادثات السياسية مع حكومة نتنياهو. وعلى سلم اولوياته مقارعة اسرائيل في الساحة الدولية، المبادرة الفرنسية التي قد تتدحرج الى مجلس الامن بعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في تشرين الثاني القادم، وهذه قد تعطيه الورقة الاساسية. لكن حتى ذلك الحين يهتم أبو مازن بعدد من المبادرات الغريبة ضد اسرائيل، ما جعل اسرائيل تفكر في حملة مضادة.
تراجع نسبة الارهاب، رغم العمليات الدموية بين الفينة والاخرى، يسمح ايضا بالتعاطي مع هذه الامور. جميع هذه التطورات يشاهدها وزير الدفاع الجديد، افيغدور ليبرمان، الذي يبدو أمام الاجهزة الامنية والعسكرية كمن يبحث عن أجندة ملحة في «المناطق» مع رافعة للتأثير. غياب الاستقرار السياسي والحراك الذي لا يتوقف من مكتب نتنياهو يضع استمرار ولاية نتنياهو الحالية موضع الشك. على ليبرمان أن يترك بصمته – وهو يهتم بما يحدث في «المناطق» أكثر من اهتمامه بالمسائل الامنية الاخرى. والسؤال هو هل سيقرر بنفسه هز السفينة المتصدعة، وماذا ستكون نتيجة خطوة كهذه؟