قـصـة «حـلـف الـظـلال» بـيـن إسـرائـيـل والـدول الـسـنـيّـة

Netanyaho-Salman-new77-400x280
حجم الخط

تسأل الكثير من دول العالم بعجب وتنظر بتقدير الى العلاقات المتطورة بين إسرائيل وبين الدول السنية الأكثر اهمية في المحيط، وخاصة شبكة العلاقات العلنية بين اسرائيل ومصر والاردن اللتين توجد لاسرائيل معهما علاقات دبلوماسية كاملة وكذا العلاقات غير الرسمية بين اسرائيل والسعودية والامارات.
يبدو أنه توجد ثلاثة دوافع لهذا التغيير: الاول، هذه دول سُنية تخاف من التعاظم المتصاعد لايران، التي تقود الكتلة الشيعية في المحيط، وتهدد سلامة وأمن الدول السنية. نزاع ديني عتيق قائم بين الاقلية الشيعية والاغلبية السنية، اقلية تتمتع بوجود قيادة واحدة لها، مستعدة لتستثمر كل ما يلزم لتغير وضع الشيعة في الشرق الأوسط.
هذه القيادة، التي تجلس في طهران، تتصدر جهدا مخططا ومركزا اساسه تحرير الشيعة من عبء السنة في اليمن، في البحرين، وفي السعودية، وحماية الحكم او الصدارة الشيعية في العراق، في سورية، وفي لبنان. والغاية هي خلق تواصل شيعي من طهران عبر بغداد ودمشق وانتهاء ببيروت.
وفي الوقت ذاته تحاول طهران المس بالهيمنة السنية في الجانب العربي من الخليج الذي بين شبه الجزيرة العربية وايران، المسمى الخليج الفارسي او الخليج العربي. في الجانب العربي من الخليج هناك الامارات الخليجية: السعودية، ذات الاقلية الشيعية في مناطق النفط؛ البحرين، التي شهدت محاولة انقلاب شيعية؛ واليمن، حيث تقاتل السعودية الى جانب الاغلبية السنية ضد الاقلية الحوثية، المرتبطة بايران. كما ان للصراع الشيعي السني لونا وطنيا، إذ لا يمكن تجاهل أن هذا جهد ايراني لتصعيد النفوذ في الدول التي هي كلها عربية. وصدى لهذا الصراع القومي يمكن أن نجده في الخلافات الشيعية الداخلية ولا سيما في العراق، حيث تقع مدينة النجف، التي كانت ذات مرة المدينة الاهم للشيعة وانتزعت منها اليوم صدارتها لتأخذها منها مدينة قم الايرانية.

الحفاظ على الزخم
الدافع الثاني الذي يحرك مخاوف الدول السنية كلها هو تهديد افكار السلفية المتطرفة التي يتصدرها تنظيم «داعش». في العربية «داعش» هو الاحرف الاولى من اسم «الدولة الاسلامية في العراق والشام»، ولكن التنظيم يعمل اليوم في سيناء وفي ليبيا بل وله فروع في افريقيا وفي اوروبا، مثلما تشهد أعمال الارهاب المتواترة. وعليه فان الاسم «الدولة الاسلامية» يكون ملائما للواقع أكثر.
ان اتساع حجم أعمال التنظيم يشكل تهديدا على الدول السنة، إذ هي كلها في نظره عدو أول. في مصر هو عدو عمليا بسبب انتشاره في اجزاء من سيناء وارتباطه بـ»حماس»، الفرع الفلسطيني لـ»الاخوان المسلمين» في غزة، كريهي نفس النظام الحالي في القاهرة. في الاردن وفي السعودية يهدد «داعش» النظام من الداخل، وفي كلتيهما توجد أجواء متعاطفة مع التنظيم في اجزاء مختلفة من السكان. وعليه، فانه اذا كان التحالف الذي يعمل ضد التنظيم سينجح في التقليص الشديد لمنطقة سيطرته في العراق وفي سورية، فلا تزال الفكرة التي يمثلها التنظيم خطيرة جدا على الدول السنية.
اما الدافع الثالث فينبع من الاحساس بان الولايات المتحدة هجرت اصدقاءها في المنطقة في لحظة الاختبار، وفي نيتها ان تقلص جدا دورها في المنطقة. في مصر تقوم المخاوف على اساس هجر مبارك وما بدا كتأييد من الولايات المتحدة لـ»الاخوان المسلمين». وفي السعودية وفي الخليج ينبع الاحباط من أنها ترى الاتفاق النووي مع ايران كاستسلام أميركي. وقد خاب املها من سلوك الولايات المتحدة تجاه مبارك من جهة وتجاه الاسد الذي يواصل قتل السنة من جهة اخرى، لأنهم فهموا بان الولايات المتحدة لم تعد تقف الى جانبهم في الصراع حيال ايران، بل تتوقع منهم أن يتنازلوا عن قسم مهم من مطالبهم.
من الواضح أنه بالنسبة للدول السنية، التي ترى في الولايات المتحدة قوة عظمى بمجرد وجودها صدت كل قوة كان يمكن أن تهددها، فقد تغير الوضع. وحتى لو بقيت الولايات المتحدة قوة عظمى فانها فقدت الرغبة في استخدام قوتها في الشرق الاوسط. وفضلا عن ذلك، حتى وهي تتدخل، مثلا في قيادة الائتلاف ضد تنظيم الدولة الاسلامية، فان الامور تتم بتقنين وبحذر كبير، والولايات المتحدة تساوم خصومها في الميدان مثلما يتبين من ردها الهزيل على تعاظم التدخل الروسي في سورية.

المفتاح لتحسين العلاقات
تبحث هذه الدول عن جهة يمكنها أن تساعدها في مثل هذا الوقت. اسرائيل هي الدولة الوحيدة في المحيط التي لا يرتسم حول استقرارها أي علامة استفهام. هي دولة قوية عسكريا واقتصاديا ولها قدرة واستعداد للدفاع عن مصالحها الحيوية. هذا هو الاساس لشبكة العلاقات الجديدة الناشئة بين اسرائيل وهذه الدول السنية، دول الوضع الراهن الكلاسيكي الموجودة في منطقة لا تكف عن التغيب، وهي تبحث فيه عن مرسى للاستقرار هي نفسها. اسرائيل هي مرسى كهذا، هذا زواج اضطراري وليس علاقات حب، ولكن له اهمية كبيرة ومتزايدة.
من أجل الوصول الى ازدهار حقيقي في العلاقات هناك حاجة للتعاون، مثلما قال لي امير سعودي ظهرت معه على منصة مشتركة في واشنطن. فقد قال ان «اجتماع المال الاسرائيلي والكفاءة العربية يمكنهما أن يغيرا كل المحيط ايجابا. هذه النكتة المسلية تتناقض جدا مع الحقيقة: فاسرائيل يمكنها أن تعطي هذه الدول ما ينقصها: الامن، التكنولوجيا، والتحسن الهائل في مجال الماء، الزراعة والصحة.
غير ان التعاون الجدي، العلني وبلا قيود لن يتاح الا اذا وقع اتفاق بين اسرائيل والفلسطينيين – ليس لان الموضوع ملح لزعماء الدول بل لأنه بدونه لن يسمح لهم الشارع بان يتقدموا علنا في شبكة العلاقات مع اسرائيل. غير أنه ليس ملحا للفلسطينيين ان يدفعوا نحو الاتفاق وشبكة العلاقات الاسرائيلية في أعقاب ذلك – العكس هو الصحيح؛ الفهم بانهم المفتاح لتحسين هذه العلاقات يرفع اهميتهم وثمنهم.
ان السبيل الوحيد للتغلب على هذا العائق هو تغيير ترتيب المراحل: يجب بناء شبكة علاقات تشكل مظلة مشتركة لعمل الدول السنية واسرائيل، واليها يقتاد الفلسطينيون كي يبدؤوا بالمفاوضات. وخلافا للماضي، في هذا الوقت فان تحسن شبكة العلاقات مهم للدول العربية بقدر لا يقل عن اسرائيل، غير ان العائق الاسرائيلي يزعجهم من تحقيقه بالشكل الكامل، وليس مؤكدا ان الدول العربية قادرة على التغلب على هذا العائق رغم ما لديها من مصلحة. ومن المجدي ان تفكر اسرائيل كيف يمكنها أن تساعدهم في هذا، لان هذه فرصة تاريخية.