في ذكراه: محمود درويش وحضوره في الرواية

_47019_ecri3
حجم الخط

ترك محمود درويش أثراً كبيراً في الشعر العربي، وقد لفت هذا أنظار الدارسين، فأنجزوا عن تأثيره دراسات وكتبوا مقالات، تماماً كما كتب الدارسون دراسات ومقالات عن تأثر الشاعر بمن سبقه من الشعراء.
وظاهرة تأثر الشاعر بمن سبقه وتأثيره فيمن سيأتي بعده، أو في معاصريه، ظاهرة معروفة توقف أمامها الدارسون، وهي مما يكترث به المنهج الاجتماعي/ الماركسي في النقد.
وفي حياة الشاعر عكفت دارسة فلسطينية من اللد، تدرس في إحدى الجامعات الإسرائيلية، على إنجاز رسالة تحت عنوان "تأثير محمود درويش في الوعي الفلسطيني".
والموضوع عموماً طريف ولافت، وقد أنجزت فيه مقالة طويلة نشرتها في جريدة الأيام الفلسطينية، وكان يمكن أن يتوسع فيها.
والقارئ للنصوص الروائية الفلسطينية واللبنانية يلحظ حضور الشاعر فيها بشكل لافت، ويبدو أن شعر الشاعر لم يترك أثره في الشعراء وشعرهم، بل إنه ترك أثره في الروائيين، فاقتبسوا منه أسطراً ذات دلالة تخدم نصهم بطريقة أو بأخرى.
كان إميل حبيبي، في روايته "المتشائل" 1974، من أوائل الروائيين في فلسطين الذين ضمنوا روايتهم مقطعاً لمحمود درويش، وهو ما ظهر في الرسالة 6 من الكتاب الأول "يعاد"، وفي الرسالة أتى إميل على المرأة الفلسطينية وطفلها اللذين عادا إلى البروة قريتهم متسللين، فرآهما الضابط الإسرائيلي، فطردهما. ويتساءل الروائي إن كان ذلك الطفل هو محمود درويش نفسه الذي كان قال، بعد 15 عاماً:
"نحن أدرى بالشياطين التي تجعل من طفل نبيا"
وعقب إميل على هذا: "ولم يدر، إلاّ أخيراً، أن هذه الشياطين نفسها تجعل من طفل آخر نسيا منسيا".
في روايته "الجانب الآخر لأرض المعاد" (1990) يتوقف أحمد حرب أمام سطر من ديوان "محاولة رقم 7" (1974) هو: "لماذا نحاول هذا السفر/ وكل البلاد مرايا/ وكل المرايا حجر/ لماذا نحاول هذا السفر"، ويرد المقطع على لسان شخصية فلسطينية وهي في المنفى، فيتطابق ما ورد في المقطع وحال الشخصية. ولسوف تحفل روايات أخرى بمقاطع لدرويش تصدر بها بعض الروايات، ومنها روايتي "الوطن عندما يخون" (1996). على أن الروائي الذي التفت إلى ظاهرة لافتة شهدتها الأرض المحتلة بعد رحيل الشاعر، حيث استغل اسمه وشعره، هو عباد يحيى في روايته "رام الله الشقراء" (2013).
في الرواية اللبنانية: إلياس خوري نموذجاً
في روايته "باب الشمس" يأتي خوري على درويش في مكانين (ص96، وص 191-198)، في الأول حين يعيد د. خليل علي يونس ما كان قاله له عن الرحيل، العام 1982، من لبنان و"الأوديسة" التي كتبها درويش في هذا "رغم أنه هو أيضاً ـ أي الشاعر ـ لم يركب السفن اليونانية التي حملت الفلسطينيين إلى تيههم الجديد"، وفي الثاني حين يروي عن البروة؛ صمودها وسقوطها في العام 1948، فيذكر شخصاً من البروة اسمه محمود درويش، وهو غير الشاعر الذي كان، في حينه، ابن ستة أعوام.
لم يكن حضور درويش في "باب الشمس" لافتاً، ولم يحضر في "يالو" (2003) إلاّ في التصدير، حيث أورد خوري مقطعاً من "الجدارية" يتناسب مع بعض ما ورد في الرواية، وقد توقفت شخصياً أمامه في مقالتي عن "يالو".
كما أن حضور الشاعر في "سينالكول" (2012) كان قليلاً جداً. تخبر منى كريماً أنها تحب الشعر كثيراً، وأنها تحفظ جميع قصائد محمود درويش عن ريتا" (ص68).
الحضور الأكبر لدرويش شاعراً بدا في رواية "أولاد الغيتو"، مباشرة أو تلميحاً (ص102/113/114/159/181/234/251/314/343/344/348/362).
كان لآدم وهو يدرس في جامعة حيفا صديق يهودي هو (ناحوم هيشرمان) يشبه الجندي الذي كتب عنه درويش قصيدته "جندي يحلم بالزنابق البيضاء"، و(ناحوم) مثل جندي درويش (شلومو ساند) يتوق للهجرة من إسرائيل ويفعل.
غير أن الأهم مما سبق هو محاضرة د. مأمون الأعمى، الذي كان عمره يوم ارتكبت المجازر في اللد 25 عاماً، وكان بمثابة الأب لآدم، ففيها يبدي رأياً نقدياً في شعر درويش، بعضه يروق لآدم، وبعضه لا يروق له.
يذهب مأمون الأعمى إلى أن ريتا كانت صديقة للشاعر راشد حسين، لا لمحمود درويش، وأن راشد أحبها وتزوجها، وهذا، في نظر آدم، خطأ. ويرى مأمون أن ميزة أدب النكبة هو أنه صنع من صمت الضحية فواصل تعيد بناء الصورة الشعرية، وأن مفتاح أدب النكبة هو ما لم يُقل، وإن شعر درويش تجب قراءته من الإشارات عن تجربة الطرد من قرية البروة.
هكذا تقدم "أولاد الغيتو" تصوراً لقراءة شعر درويش، أظنه تصور إلياس خوري نفسه، فإلياس مثل جبرا، أحياناً يوزع أفكاره على شخوصه، وإن كنت شخصياً أتفق معه في جانب هو: أن شعر درويش في الآخر الصهيوني لم يدرس حتى اللحظة دراسة كافية وافية.