ذكريات عائلة السلاح ولقاء «مريم رجوي» في باريس

غسان زقطان
حجم الخط

مؤخراً نظمت المعارضة الإيرانية مؤتمراً ضم عشرات آلاف الأكاديميين والمثقفين والسياسيين وفصائل المعارضة في باريس، بحضور لافت من منظمات إنسانية ونشطاء وسياسيين من العالم، المؤتمر الذي نظمه المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الذي يمثل مظلة واسعة من تيارات المعارضة الإيرانية التي تسعى لتحقيق الحرية والديموقراطية في بلادها، بدا أقرب إلى انطلاق حقبة جديدة في استراتيجية موحدة لمواجهة نظام الملالي في طهران، وهو، دون شك سيثير اهتمام مختلف القوى في الإقليم، ومن بينها منظمة التحرير الفلسطينية، كما سيشكل نقطة جذب واستقطاب، لخصوم هذا النظام الكثر في المنطقة والعالم.
تبع المؤتمر خبر لقاء الرئيس الفلسطيني، في العاصمة الفرنسية، بالسيدة "مريم رجوي" وغضب نظام طهران الشفهي والمكتوب، سلم السفير الإيراني في باريس رسالة احتجاج لسفير فلسطين سلمان الهرفي، من هذا اللقاء. غضب طهران سحب معه، كما يحدث عادة، غضب "الممانعين" بمختلف أنواعهم بمن فيهم ممانعو فلسطين، كما لو أن على "المقاطعة" في رام الله أن تتلقى من "الحوزة" في "قم" دليلا يوضح لها ما الذي عليها أن تفعله بالضبط!
بحيث بدا الاحتجاج كما لو أنها، القيادة الفلسطينية، قد خرجت على تحالفها مع الجمهورية الإسلامية، دون الانتباه إلى أن فلسطين لم تكن يوما جزءا من الحلف الإيراني في المنطقة ولم تدخل، عبر هذا اللقاء الديبلوماسي، حلفا مع معارضة طهران.
هذا اللقاء، الذي جاء متأخرا، هو امتداد لعلاقة طويلة ووثيقة كانت جزءا من استراتيجية منظمة التحرير الفلسطينية في الإقليم وليس طارئاً أو خارجاً عن السياق.
في السبعينيات من القرن الماضي، في قواعد الفدائيين في الأردن وسورية ولبنان، فصائل منظمة التحرير وقواعد العاصفة على وجه الخصوص كان يمكن تمييز المتدربين الإيرانيين الذين التحقوا بتلك القواعد، شبان صغار قدموا من مختلف مناطق وقوميات "امبراطورية الشاه" بعد أن نجوا من ملاحقة "السافاك" جهاز الشاه الرهيب وشقيق "الموساد" الإسرائيلي وحليفه، كان هناك فرس وأذريون وأكراد وعرب وقوميات أخرى مما تحفل فيه إيران.
كان يمكن أن تسمع بمنظمات معارضة مسلحة مثل "مجاهدي خلق" و"فدائيي الشعب" و"حزب توده" ورجال دين مروا في طريقهم على كربلاء والنجف ونظمواً شعراً عربياً فصيحاً وجزلاً يتردد محمولاً على حروف الحلق العميقة، وأن تستمع في الحلقات الصغيرة إلى المنتمين لهذه المنظمات، ممن يجيدون العربية، وهم يروون تجاربهم ومسالك عبورهم إلى قواعد الفلسطينيين ومحطات الرحلة الطويلة المحفوفة بالخطر والاعتقال والموت.
غالباً ما كانوا يعودون بعد انتهاء تدريبهم وهم محملون بالسلاح وذكريات الرفقة، يختفون تماما بأسمائهم الوهمية التي حافظوا عليها وناديناهم بها، الأسماء التي حملوها وهم يقاتلون إلى جانبنا كتفا بكتف.
فيما يبقى البعض لفترات أطول كمتطوعين يساعدون في التدريب والإدارة.
كانوا الأكثر انضباطا وجدية، كانوا قادمين لاستثمار كل دقيقة وكل دورية، محصنين خلف أسماء عربية وزعت عليهم بمجرد وصولهم إلى جانب البطانيات وفرشات الإسفنج الرقيقة والبنادق.
بالنسبة للكثير منا أبناء ذلك الجيل وتلك الحقبة يشكل الأكراد والإيرانيون جزءا من ذلك الزمن الممتلئ حتى حوافه بالشراكة العميقة وأخوة السلاح والأحلام.
مدربي الأول كان كرديا من إيران من حزب "توده"، عرفناه باسم "محمود"، كنا مجموعة من الصبية المتحمسين إذا صح التعبير، احتمل "محمود" طفولتنا بموهبة شقيق كبير، وأصغى لأسئلتنا التي لا تتوقف، عن أشياء خارج السلاح وتركيب قطع "السيمنوف" و"التشيكية"، مستثمراً في إجاباته أقصى ما منحته إياه لغة عربية اكتسبها، بدوره، من "رفاق" عراقيين التقاهم أثناء اختفائه في "الأهوار" قبل وصوله إلينا.
في مناطق أخرى أكثر خفاء، ولكننا كنا نصغي إلى حركتها المكتومة ونحدس بالأسلحة وأنواعها حين تصلنا من حقول الرمي، كان هناك مجاميع من المقاتلات والمقاتلين الإيرانيين يتلقون تدريباتهم قبل أن يعودوا إلى بلادهم ليواصلوا ثورتهم ضد نظام بهلوي، حيث كان السلاح الفلسطيني يصل إلى قواعدهم البعيدة.
هؤلاء هم صناع الثورة الإيرانية على نظام الشاه، الثورة المذهلة التي سحرت العالم في نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي، "ربيع إيران" الذي خطفه الملالي قبل أن يقوموا بقتل أشقائهم ورفاقهم وإخوتهم جميعا، قبل أن يقهروا إيران ويحولوها إلى سجن حقيقي للشعوب وقبل استبدال "السافاك" بـ "الباسيج".
قبل أن يزرعوا مخالبهم في المنطقة من اليمن إلى العراق وسورية ولبنان وصولا إلى غزة.