الانعطاف التركي، انعطاف إستراتيجي!!

سميح-شبيب
حجم الخط

 

 

 

أكد الرئيسان الروسي فيلادمير بوتين، والتركي رجب طيب اردوغان في أول لقاء لهما في مدينة سانت بطرسبورغ، بعد أزمة إسقاط الطائرة الروسية، والانقلاب الفاشل في تركيا، أكدا على عزم البلدين، العمل على إعادة العلاقات الطبيعية، فيما بينهما، كما كانت. لعل المتابع للشأن التركي، قبيل حدوث الانقلاب وبعده، يلحظ، بوضوح، أبعاد وطبيعة التحولات الجارية في السياسة التركية، خاصة الخارجية منها، ومدى حرص تركيا على إعادة النظر بعلاقاتها الإقليمية والدولية على حد سواء، خاصة مع دول الجوار ... عبر رجب طيب أردوغان، عن هذه النزعة الجديدة، في السياسة التركية، حتى قبل حدوث الانقلاب. بعد الانقلاب، وموقف أوروبا والولايات المتحدة، بدأنا نلمس تحولات هامة وواضحة في السياسة التركية، خاصة فيما يتعلق بإيران وروسيا، والرغبة التركية المعلنة، بشأن سورية.
مما لا شك فيه، فإن التحولات السياسية التركية، من شأنها ترك آثارها الاستراتيجية على الأزمة السورية، وإنهاء فصولها الدامية، وفي ذلك مصلحة تركية، قبل ان تكون سورية، لكن ما جرى ما بين البلدين المتجاورين، هو كبير، بل كبير جداً، ولا تزال سورية ترى فيه، عملا عدوانيا ترك آثاره العميقة على المجريات الإقليمية، وداخل البدن السوري، خاصة في شماله، لذا، وعلى الرغم من الانسجام الحاصل، الآن، ما بين تركيا وروسيا، وما بين تركيا وايران، بات يستلزم بذلك جهودا كثيرة في سبيل اصلاح ذات البين السوري والتركي.
المصلحة والرغبة التركية باتت متواترة، ولها مقوماتها الإقليمية إيرانياً وروسياً، لكن حفر أخاديد المصلحة السورية يحتاج الى جهود مكثفة، والى إجراءات تركية ميدانية ملموسة والى مواقف معلنة وواضحة من الطرفين.
لا تزال معركة حلب تدور رحاها، ولا يزال لتركيا رؤيتها في سورية، وضرورة الاستغناء عن حكم الأسد، ولا تزال تدعم قوى مسلحة في حلب والشمال السوري اجمالاً، وبالتالي فإن آفاق التقارب السوري - التركي، على اهميته، لا يزال غائباً بل وبعيد المنال.
دون نفض اليد التركية، كلياً من الأزمة السورية، والتخلي عن مطالبها، خاصة فيما يتعلق بشكل الحكم السوري، لن يكون هناك تقارب سوري - تركي، على أهميته بالنسبة للبلدين الشقيقين.
بإمكان روسيا وإيران الآن، صياغة خطى جدية للتقدم على هذا المسار، ولو كان بطيئاً للغاية، للوصول الى حلول تكفل المصالح السورية والتركية في آن، وفي المقدم منها، الاتفاق والتوافق على شكل وآليات الأزمة الكردية، وهي أزمة مشتركة تركية وسورية في آن ... كذلك على أشكال محاربة الإرهاب، وطرائقه، خاصة داعش ومشتقاتها، و«الجهاديين» إجمالاً.
ما تريده تركيا، إعادة صياغة علاقاتها الدولية والإقليمية على حد سواء، وصياغة دورها الإقليمي، على نحو يحفظ الهوية القومية التركية، اولاً وقبل اي شيء آخر، وبالتالي، يمكن القول، إن هذا الأمر سيحمل في آفاقه المتوسطة والبعيدة، مصالحات واسعة سورية - تركية، وآفاقاً للتعاون الاستراتيجي، ما بين الدول الثلاث تركيا، ايران، سورية. لكن هذا الأمر يحتاج الى وقت والى جهد مكثف، سيقع عبئه دون شك، على إيران وروسيا بشكل مباشر.
باتت الأبواب مفتوحة الآن، بعد اللقاء التاريخي، ما بين بوتين وأردوغان، وعلينا ان نتوقع سماع وقع الخطى، الثابتة والشجاعة، ما بين طرفين تصارعا دموياً على مدى خمس سنوات، غير مثمرة وغير مفيدة للطرفين المتصارعين، تركيا وسورية، المتجاورتين، وهما دولتان سبق وأن تعاونتا، تعاوناً مثمراً ومفيداً.

-