قصة قصيرة حقيقية حدثت معي قبل شهر في تمام الساعة الرابعة عصراً عندما أيقظني جرس باب المنزل، لأجد طفلا لم يتجاوز 15 ربيعاً قال لي: « عمو ممكن اتزيح سيارتك من مكانها؟» جاوبته بسؤال لماذا؟ فأجاب:» في بوكيمون تحت سيارتك متخبي مش عارف أمسكه» أجبته ضاحكاً « شو رأيك توخد لفه بالبيت اتدور كمان!!» ...
حالة من الهوس أصابت العالم عندما قامت شركة بوكيمون إطلاق لعبة «بوكيمون جو» وهي مخصصة للهواتف المحمولة تم تطويرها من قبل شركة نيانتيك في تموز 2016. هذه اللعبة تدمج العالم الافتراضي والواقعي من خلال التقاط وقتال وتدريب كائنات افتراضية تدعى بوكيمون، حيث تتم من خلال تشغيل الكاميرا في الهاتف أثناء اللعب، وتظهر للمستخدم على الشاشة عدة شخصيات من بوكيمون، وباستخدام خرائط GPS على الهاتف الذكي، سيرى المستخدم وحدات البوكيمون وهي تتجول حوله في أرجاء المنطقة المحيطة بالهاتف.
الغريب بالأمر اعلان شركة أبل أنَّ لعبة بوكيمون تَمكنت من تحطيم الرقم القياسي كأكثر التطبيقات تنزيلًا من متجر أبل ستور خلال الأسبوع الأول من إطلاقها، ففي 20 تموز 2016 لُعبة بوكيمون قَد تخطت حاجز 30 مليون تحميل في جميع أنحاء العالم على نظامي الأجهزة المحمولة أندرويد وأي أو إس. مما جعل إيراداتُها تتخطى حاجز 35 مليون دولار في الفترة الأولى من إطلاق اللعبة.
تلك اللعبة جعلتني أسأل ذاتي أين هو العالم الحقيقي؟؟ وما يحدث على أرض الواقع من صراعات وتنافس ما بين بني آدم، وأخذت نموذجا واحدا آنيا وهو حمى الانتخابات المحلية، لأجد بأن المعادلة مقلوبة مقارنة مع لعبة بوكيمون، ففي صراع الانتخابات المحلية وهو العالم الواقعي تجد بعض المرشحين يتصارعون منذ الآن ببرامج انتخابية افتراضية _غير واقعية_ سيجعلون من البحر طحينة ومن اللنش سفينة... وطعن في البلديات الحالية... تصفية حسابات.
أصبح البعض مثل لعبة البوكيمون يأخذنا الى عالمه دون الاهتمام بالواقع الذي نعيشه بشكل يومي، الى طرقات خاصة به نحن كمجتمع لا نكترث بها بقدر ما نهتم بالخدمات التي يجب أن يقدمها لنا كجزء من ماكنة التنمية المفقودة، فما بين الإقتتال في العالم الوهمي وبين ما نريد كمجتمع؛ يضيع المواطن في متاهة لعبة الانتخابات. لتستغل البوكيمونات الانتخابية الواقع المجتمعي ما بين عائلة وحزب، ومتاهات أخرى من أهمها مقدرة الجسد الفلسطيني الممزق ما بين الضفة وقطاع غزة في ظل الانقسام أن ينُجح العملية الانتخابية وتجديد الشرعيات.
حتى المجتمع أجده غير مؤمن بالواقع الحقيقي، بمعنى إيمانهم بالغيب أكثر من العمل واقتحام الواقع وتغييره، فنجد بأن تأجيل الانتخابات وعدم تطبيقها هو المسيطر على عقل المواطن، بالتالي فإننا أيضاً كمجتمع أصبحنا مثل من يريد اصطياد البوكيمون في العالم الخيالي دون النظر الى الواقع الذي نعيشه لنبحث عن أي نوع من البوكيمون «المرشح» نريد، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لعبة البوكيمون تشجع على عملية التفاعل الاجتماعي؛ سواء عن طريق الشبكة العنكبوتية، أو وجهاً لوجه، وهذا ما لم أجده في عملية الاستعداد للانتخابات. حتى هذه اللحظة النقاشات فقط في الصالونات السياسية والثقافية المغلقة وعند فئة النخبة ليكون المجتمع هو الغائب المتغيب.... نحن جميعنا مثل عالم البوكيمونات..