من ضمن الأطروحات التي يتم الحديث عنها هذه الأيام؛ من أجل الخروج من المأزق الفلسطيني الداخلي، أي من أجل الخروج من الانقسام وما يترتب عليه من تعقيدات وانتكاسات في كثير من نواحي الحياة الفلسطينية، هي التوجه إلى صناديق الاقتراع، أي البدء بإجراء الانتخابات المحلية، كخطوة أولى نحو الانتخابات التشريعية والرئاسية، والتي من المفترض أن تعكس إرادة وخيارات الناس، هذا إن تمت بشكل حر ديمقراطي نزيه.
وبالطبع فإن الافتراض الحالي هو أن تشمل الانتخابات الضفة وغزة، وبالتالي العمل بشكل أو بآخر من أجل تحريك الوضع أو المأزق الفلسطيني الداخلي، أي مأزق الانقسام والتشرذم وتبعاته وآثاره السلبية الكثيرة، ورغم الترحيب المبدئي من قبل الأطراف الفلسطينية بالدعوة إلى التوجه للناس من خلال الانتخابات، وبالأخص من قبل الطرفين الرئيسين في الساحة السياسية الفلسطينية، إلا أن الأمور لم تتجاوز الكلام أو التصريحات ولم تتقدم ولو خطوة عملية في هذا الصدد، وبقى الترحيب يراوح مكانه، في ظل اتهامات متبادلة، وشروط وتخبط ومراوحة ومناورات.
وحتى لو افترضنا أنه قد جرت الانتخابات في الوقت المحدد، فالسؤال المهم، هو هل من الممكن أن تؤدي هذه الانتخابات إلى تجاوز مرحلة قاتمة، أو إلى حلحلة الجمود الحالي في الوضع الفلسطيني، وهل من الممكن وفي ظل الظروف الحالية، أن تؤدي الانتخابات إلى البدء العملي لحل المأزق الداخلي، أو أن ما سوف يحدث هو العكس، أي هل من الممكن أن تؤدي نتائج الانتخابات المحلية، وليست الانتخابات نفسها، إلى تعقيد الوضع الفلسطيني، وإلى تعميق الانقسام، وإلى إفراز سلبيات وتعقيدات وتشرذم واتهامات متبادلة، أكثر مما هو في الوقت الحالي.
ومن المعروف أن السياسيين أوالمشرعين يلجؤون إلى الانتخابات، وبغض النظر عن نوع هذه الانتخابات، من أجل أخذ رأي أو حكم الناس، في مواقف وأوضاع وأشخاص وأمور حالية ومستقبلية، تخص الناس والمجتمع والبلد، وبالتالي، فإن المهم ليس هو الانتخابات بحد ذاتها، وإنما نزاهة أو مصداقية عملية الانتخابات، وكذلك نتائج أو تطبيق نتائج هذه الانتخابات، أي طبيعة اختيار الناس، والأهم كذلك هو احترام نتائج الانتخابات من قبل كافة الأطراف، أو من قبل القوى المتواجدة والفاعلة والمؤثرة في الساحة، وبالتالي التوقع هو أن يتم تطبيق اختيار الناس، من خلال صناديق الاقتراع، على الأرض، سواء من خلال اختيار الأشخاص أو السياسات، أو من خلال نتائج الاستفتاءات، التي في العادة ترافق الانتخابات.
وبالتالي فإن السؤال الأهم، هو هل الأرضية والشروط والقناعة متوفرة، وعند كافة الأطراف الفلسطينية، من أجل توفير الأجواء الديمقراطية، ومن أجل إجراء انتخابات نزيهة، ومن أجل احترام نتائج انتخابات، وبغض النظر عن هذه النتائج، أو مهما أفرزت هذه الانتخابات، سواء أكان هذا الإفراز في الضفة أو في غزة؟
وفي ظل الحديث عن كل ذلك، فإن علينا تذكر أن الواقع الذي ما زال ينخر في جسد المجتمع الفلسطيني وبكافة أجياله، وبعيداً عن الخلفيات السياسية والحزبية والفكرية، هو الانتماءات العائلية أو العشائرية، ورغم الوعي، والنسبة الكبيرة من الأجيال الشابة، والنسبة المتصاعدة من مشاركة النساء في نشاطات عديدة في المجتمع الفلسطيني ومن ضمنها الانتخابات، ورغم النسبة الكبيرة، التي يحويها المجتمع من خريجي الجامعات والتعليم العالي، إلا أن الانتماء العائلي كان وما زال وربما سوف يكون واضحاً ومؤثراً، في الانتخابات المستقبلية، وهذا الإقحام للعنصر العائلي وبعيداً عن الكفاءة، يمكن ألا يؤدي إلى النتائج التي يطمح لها المواطن الفلسطيني، وبالأخص في إفراز نتائج، تؤدي في المحصلة إلى حلحلة المأزق الفلسطيني الداخلي، أو نتائج تؤدي إلى الخروج من مأساة الانقسام.
وبالإضافة إلى توفر الأجواء المحلية، ووجود القناعة الداخلية، بأهمية إجراء الانتخابات، وبضرورة احترام نتائجها، من أجل الخروج أو من أجل حلحلة المأزق الفلسطيني الحالي، فالسؤال المهم كذلك، هو هل الأجواء أو الظروف أو مصالح الأطراف الكثيرة، أو اللاعبين المتعددين، سواء في المنطقة من حولنا، أو في العالم، أي هل هذه الأطراف تريد إجراء انتخابات في الوقت الحالي، وبالتالي التخلص من الانقسام الفلسطيني؟ أم إنها تحبذ المحافظة على الجمود الحالي، وعلى الانقسام والتشرذم، من أجل استخدامه في أوراق سياسية، ولخدمة المصالح، أو لإضعاف هذا الطرف أو ذاك.
والمتتبع وبشكل سريع للمواقف، وللأفعال، يرى أن هذه الأطراف ذات المصالح في الوضع الفلسطيني الحالي، وببساطة، لا تريد تحريك أو حلحلة الوضع، أو أنها لا تريد القيام بخطوات، بشكل يعيد اللحمة الفلسطينية الحقيقية، وينهي الانقسام. وهذه الأطراف كثيرة، وغاياتها متعددة، وحتى لو افترضنا أن هناك أطرافاً تريد وبشكل جدي إنهاء الانقسام، فإنها ربما تكون غير قادرة، وبالأخص في ظل التأثير القوي للأطراف المحيطة بالمناطق الفلسطينية، أو تأثير الأطراف الداعمة اقتصادياً أو مالياً لهذا الطرف الفلسطيني، أو ذاك، ونحن نعرف أن هذه الأطراف قادرة على إصدار وتنفيذ التهديات، سواء بالحصار السياسي أو الاقتصادي أو حتى اللوجستي على الأرض، هذا إذا أبدت الأطراف الفلسطينية الرغبة الجدية، لإنهاء أو لحل المأزق الفلسطيني الداخلي، ومن خلال الانتخابات.
وفي ظل التحضير من أجل الخروج من المأزق الحالي، سواء أكانت هذه الدعوات تأتي من غزة أو من الضفة، وفي خضم الواقع العربي والإقليمي الحالي، أي واقع عدم الرغبة الإقليمية، أو حتى عدم وجود رغبة قوى دولية في إنهاء أو حلحلة الانقسام الفلسطيني، أو الخوف من نتائج انتخابات ولو كانت محلية، غير مضمونة، يبقى المواطن الفلسطيني يأمل وينتظر بأن يتم إعطاؤه حق الاختيار، من خلال انتخابات نزيهة، التي وحتى لو تمت، وفي ظل الظروف الحالية المعقدة، فإن نتائجها أو بالأدق الخطورة من عدم احترام نتائجها، وبغض النظر عن الطرف الذي سوف يقوم بذلك، سوف يؤدي بالوضع الفلسطيني إلى التدهور أكثر، وإلى التعقيد أكثر، وإلى التشرذم أكثر بشكل مأساوي أكثر من الأوضاع الحالية.