فشل إسرائيل الاستراتيجي في الموضوع الفلسطيني

1230601802
حجم الخط

أعلنت «حماس، الشهر الماضي، نيتها المشاركة في الانتخابات البلدية في السلطة الفلسطينية التي ستتم بعد شهرين. وقد أوقع هذا القرار السلطة الفلسطينية في خوف؛ لأنه يتوقع أن تحصل «حماس» على الأغلبية في الكثير من المناطق في «يهودا» و»السامرة».
قيل، الاسبوع الماضي، إن رئيس السلطة أبو مازن و»فتح» ليسوا وحدهم الخائفين. أيضا قيادة الجيش الاسرائيلي تعيش حالة ضغط. حسب تقرير اليكس فيشمان في «يديعوت» في محاولة للاستعداد لهذه الانتخابات، فان وزير الدفاع، افيغدور ليبرمان، اجرى في الاسابيع الماضي عدة نقاشات مع قيادة الجيش. وخلالها أقنع الضباط الوزير – الذي أيد حتى الآن رحيل أبو مازن – بأن المصلحة الاسرائيلية هي أن يكون قوميا». لذلك، حسب فيشمان، قرر ليبرمان تبني الخطة التي أعدها منسق اعمال الحكومة في «المناطق»، وأهمها ما فيها نقل صلاحية التخطيط والبناء في المناطق ج من الادارة المدنية الى السلطة. يؤيد ليبرمان ايضا المصادقة على البناء غير القانوني للفلسطينيين في المناطق ج. وسيوافق على إقامة مدينة فلسطينية جديدة في «يهودا» و»السامرة» على نمط مدينة روابي.
هناك عدة مشاكل في هذه الخطة، مثلا التنازل عن صلاحية التخطيط والبناء في المناطق ج ليس أمرا مفيدا. إن الحفاظ على هذه الصلاحية مصلحة اسرائيلية عليا في نقاشاتها مع م.ت.ف منذ بداية «اوسلو» وحتى الآن. حينما تتنازل اسرائيل عن هذه الصلاحية فهي تتنازل عمليا عن قدرتها على السيطرة الامنية على المناطق المفتوحة – ومن خلالها على المراكز السكانية – وتعرض المناطق الاسرائيلية في «يهودا» و»السامرة» للخطر.
ولكن قبل الحديث عن التأثيرات الاستراتيجية السلبية للخطوة المقترحة، يظهر أمامنا سؤالان اساسيان يجب الاجابة عليهما. الاول، لماذا يعتقد الجيش الاسرائيلي أن التنازل عن صلاحية البناء والتخطيط سيزيد فرص مرشحي «فتح» للانتصار في الانتخابات البلدية في تشرين الاول؟ وعلى أي أساس تحدد الامر؟ إن تجربة السنوات الاخيرة اثبتت أن التنازلات لا تشجع الفلسطينيين على تأييد السلام، بل تزيد الكراهية ضدنا. فبعد خروج الجيش الاسرائيلي من غزة قام الفلسطينيون بهدم الدفيئات وأحرقوا الكنس. وبعد اشهر من الخروج استولت «حماس» على السلطة بانتخابات حرة.
يجب ايضا اختبار الضرر الذي سيصيب اسرائيل اذا فازت «حماس» في الانتخابات، وبناء على ذلك محاكمة التنازلات التي يقترحها الجيش اذا كانت في مكانها.
للوهلة الاولى، فوز «حماس» سيضر بنا بطريقتين: الاولى، سيؤدي الى تقليص الاعمال التي يتخذها الجيش الاسرائيلي ضد خلايا «حماس» في «يهودا» و»السامرة»، الامر الذي يعني أن الجيش الاسرائيلي سيضطر للعمل بشكل اكبر في «يهودا» و»السامرة». ثانيا، عندما سيسيطر رجال «حماس» على المجالس المحلية، يمكن القول إن السلطة ستزيد الاموال التي ستضخ لنظام «حماس» في غزة. ليس معروفا كيف أن التنازل عن الصلاحيات في المناطق ج سيخدم مصلحة اسرائيل في هذا الوضع.
هل ستطبق اسرائيل التنازلات في حال فوز «حماس» في الانتخابات أم أن الحديث يدور عن أمر مشروط؟ من المعروف أنه اذا اعتبر الفلسطينيون أننا نحاول اجبارهم على التصويت لـ «فتح» فان ذلك سيخدم «حماس» فقط.
يصعب التحرر من الانطباع بأن قيادة الجيش لا تحاول مساعدة ليبرمان في بلورة سياسية جديدة، بل هي تعمل لمنعه من التفكير. يبدو أنهم عرضوا عليه اقتراحات يريد الجنرالات تحقيقها دون صلة بالوضع على الارض. حيث قال فيشمان إن خطة التنازل عن صلاحية البناء والتخطيط، والمصادقة بأثر رجعي على عشرات آلاف المنازل غير القانونية، واقامة مدينة فلسطينية اخرى، قائمة منذ سنتين.
ليس سرا ان هيئة الاركان تتمسك باستراتيجية الدولتين، أو على الاقل الخروج أحادي الجانب من «يهودا» و»السامرة»، رغم أن هذين الخيارين قد فشلا.

عالم الفانتازيا
منذ العام 1967 تجد اسرائيل نفسها أمام المشكلة ذاتها. هي تحتاج إلى السيطرة على «يهودا» و»السامرة» للحفاظ على تل ابيب والقدس. إنها تريد البقاء في «يهودا» و»السامرة» لأنها تعتبرها جزءا من الوطن التاريخي للشعب اليهودي، لكنها لا تريد استيعاب الفلسطينيين في سجلها السكاني لأنها تريد الحفاظ على نظام ديمقراطي يعتمد على اغلبية يهودية واضحة.
استراتيجية الدولة الفلسطينية والانسحاب أحادي الجانب افترضا أنه لا يمكن تحقيق جميع الاهداف. فلتتنازلوا، اذاً، عن التاريخ وعن الامن لصالح الديمغرافيا. لم ينجح هذا الامر وبقينا مع الفلسطينيين ومع الديمغرافيا ايضا.
الديمغرافيا تشلنا بطريقتين: نخشى من انه اذا لم نعد اغلبية يهودية فاننا نخسر الشرعية الدولية. ونخشى ايضا من فقدان الاغلبية اليهودية.
التوقع أن العالم سيقف الى جانبنا ما هو إلا فانتازيا. حقيقة أن دولا كثيرة تصمم على أن اسرائيل ما زالت هي المسؤولة عن غزة، تثبت أنه لا يوجد أي اهتمام دولي حقيقي بالسلام والديمقراطية هنا. العالم ببساطة يستغل الفلسطينيين للاضرار بنا. لذلك لا حاجة الى النظر الى موقف المجتمع الدولي عند الحسم بطرق العمل التي أمامنا.
لكن قلقنا من الداخل حقيقي. واذا كان سريان القانون الاسرائيلي في «يهودا» و»السامرة» سيضع حدا للاغلبية اليهودية في الدولة، فيجب أن نكتفي، كما يبدو، بالحل الذي ليس سيادة كاملة على الارض.

لا يتعلمون
فشلنا الاستراتيجي الكبير في كل ما يتعلق بالفلسطينيين هو أننا لم نكلف أنفسنا عناء تعلم هذا الموضوع المصيري. الآن ليست لنا قدرة على النقاش فيه، أو التوصل الى استنتاجات في موضوع الديمغرافيا؛ لأنه لا يوجد لدينا أساس في المعطيات التي تجعل الجميع يتفقون على ذلك بخصوص عدد الفلسطينيين الذين يعيشون في «يهودا» و»السامرة».
في اليسار يوافقون على معطيات السلطة بخصوص الديمغرافيا وكأنها توراة، ويقومون باخافة مواطني الدولة بتوقعاتهم السوداوية حول ضياع الاغلبية اليهودية خلال عام أو عامين. وحسب اليسار فان كل اعلان حول موت حل الدولتين هو بمثابة اعلان الحرب على الصهيونية.
من ناحية اخرى، يعتمد اليمين على فحص المعطيات الفلسطينية من قبل عدد من الباحثين المستقلين منذ العام 2005. وحسب هؤلاء الباحثين، برئاسة يورام اتنغر ويعقوب فتلسون من اسرائيل وبينيت تسمرمان ومايك فايس من الولايات المتحدة، فان السلطة اخترعت معطياتها بشكل مقصود. وأضافت 1.5 مليون شخص.
على خلفية ارتفاع نسبة التكاثر الطبيعي للاسرائيليين وانخفاضها عند الفلسطينيين في «يهودا» و»السامرة»، وعلى خلفية زيادة عدد السكان اليهود في «يهودا» و»السامرة» وهجرة الفلسطينيين الى الخارج، فان الباحثين يدعون أنه ليس فقط لا توجد مشكلة ديمغرافية بل إن الديمغرافيا تخدم اسرائيل في الاساس.
كل ذلك يعيدنا الى وزير الدفاع ليبرمان ورغبته الصادقة في بلورة استراتيجية جديدة تجاه الفلسطينيين. حان الوقت ليشكل رئيس الحكومة طاقماً يعمل من مكتبه ويتم تخويله بجمع وتحليل المعطيات المطلوبة واستخلاص النتائج حول عدد السكان الفلسطينيين. لا تحتاج اسرائيل الى ارسال الجنود الى نابلس من اجل عد الرؤوس. وتكفي الصور الجوية ومعطيات استهلاك الكهرباء والمياه وأعداد المهاجرين من جسر اللنبي ومطار بن غوريون، من اجل الحصول على الصورة كاملة. من اجل تقليص تسييس المعطيات يجب أن يكون من يمثلون المعسكرين ضمن الطاقم، اضافة الى اشخاص من مجلس الامن القومي.
لا توجد حلول سحرية لمشاكلنا ومشاكل الفلسطينيين، ولكن ضقنا ذرعا بتكرار الادعاءات ذاتها. ليبرمان محق عندما يقول إنه حان الوقت للقيام بنقاش جدي. ومن اجل التغيير من الافضل فعل ذلك بناء على الوقائع وليس الفانتازيا.