من المعروف أن القصة القصيرة لون أدبي جميل ومعبر، له سماته ومميزاته، التي إن تكاملت وتناغمت فيما بينها، أعطتنا لوحة فنية مبهرة، فهذا التناغم والتكامل الذي تمثله مجموعة من العناصر، كاللغة والصور والتراكيب ، إضافة إلى المضمون الذي تطرحه والحبكة التي تنسج خيوطها، لن يكون له طابع مميز، مالم تمسك بخيوطه يد فنان مبدع، ملك الموهبة والدراية وحصد من التجربة، ما يؤهله للخوض في غمارها.
صحيح أنها قد تغري البعض ممن يستسهلون شأنها، أو يخدعهم بريق مسمياتها " الومضة..القصيرة جدا... الخ " من المسميات الحديثة وتدفعهم تلك الغواية لتجريب حظوظهم، دون إلمام بكل ما سبق أو من منطلق الاستهانة به، فتأتي النتائج حينها مزرية إلى أبعد حد وبعيدة كل البعد عن القص وفنونه المتعارف عليها .
فهذا اللون الأدبي الذي يصح أن نصفه بالسهل الممتنع، لا يقدر على امتطاء صهوته إلا من ملك الموهبة والدراية
وهو ما لمسته بالتحديد في مجموعة الصديق موسى أبو كرش، الذي أبدع في مجالات متعددة، فهو إعلامي مميز وشاعر أصدر عدة دواوين، منها ما جمع بين دفتي كتاب ومنها ما نشر في الصحافة الورقية والالكترونية، ثم ها هو يضع بين يدي القارئ نتاجه الأخير " هيلا هوب "، مجموعة قصصية تقع في نحو من مئة وثلاثين صفحة، عن دار الكلمة للطباعة والنشر، جاءت موزعة على نحو من أربعين قصة، تمايزت ما بين الطويلة نسبيا والقصيرة جدا وتعددت مضامينها وتنوعت ما بين الواقعية والفنتازيا، فيما كانت زاوية الالتقاط غاية في الدقة والحرفية، تجلت فيها عين الكاميرا التي يمسك بمقبضها فنان يعرف زواياه ومن أين تؤتى وروح الشاعر الذي يملك اللغة والتجربة لإنضاج الصورة على النحو الذي يبهر، فما بين أزقة المخيم وحكاياته ومحطات الغربة وما فيها وداخل أروقة العمل وغرفها وتحت أشجار المتنزهات وبين زهورها، طاف بنا على أثير اللغة الناعم وحصاد التجربة الغنية، ليسمعنا فصول الحكاية بكافة تموجاتها، فتارة يحملنا على محمل الجد وأخرى يداعبنا بسخرية هادفة وثالثة يحلق بنا في فضاءات الفنتازيا وفي المحصلة وضعنا أمام ذواتنا وترك لنا الأسئلة، نفتش لها عن إجابات مرهقة.. مضنية، تحتاج منا إلى "هيلا هوب" كبيرة وقوية، قد تعيننا على رفع المعاناة عنا والدفع بها بعيدا عن كواهلنا، تماما كما كان يفعل آباؤنا حتى عهد قريب، حين كانوا يتآزرون جميعا، لرفع ثقلا ما، أو الدفع به إلى جهة بعينها مستعينا بسحر هذا الكلمة وما له من دلالات جامعة في مواجهة الصعاب وكأن الكاتب يشير لنا من خلال هذا العنوان إلى التعويذة المنجية من هذا الواقع المرير.
" هيلا هوب " مجموعة قصصية مميزة وإضافة نوعية إلى المكتبة الأدبية الفلسطينية والعربية وتستحق الكثير من الدراسة والبحث.