إذا صح التعميم المنسوب لمكتب وزير الخارجية، الذي يطالب سفارات فلسطين بحصر تعاملها في الدعوات الفنية بفرقة "الاستقلال" التابعة لجامعة "الاستقلال" في "أريحا"، وهي جامعة ناجحة ومتخصصة بالدراسات القانونية والأمنية وتخرج كل عام عشرات الطلبة والمتدربين الذين يلتحقون، في أغلبهم، بالأجهزة الأمنية المختلفة، إذا اتضح أن تعميماً صدر بهذا المضمون يحمل توقيع وزير الخارجية السيد رياض المالكي، فهذه سابقة في تجاوز وزارة الثقافة صاحبة الشأن والمرجعية المفترضة في موضوع التمثيل الثقافي الرسمي لفلسطين من جهة، وتغييب غير مفهوم وغير مقبول لمؤسسات المجتمع المدني التي حملت لعقود طويلة عبء العمل الثقافي بجهود ذاتية في معظم الحالات وفي غياب واضح للمؤسسة الرسمية، وهو، أيضاً، مناسبة لفتح ملف الثقافة والفنون في مهمات وخطة وزارة الخارجية، رغم بعض الاستثناءات القليلة، لا يدعو إلى الرضا أو التباهي.
لم تكن ممثليات فلسطين في العالم، أقصد الجهاز الدبلوماسي الفلسطيني، يوماً شريكاً حقيقياً قادراً على التنسيق والاقتراح والمبادرة في الشأن الثقافي، رغم كل ما يقال ويسمع عن أهمية الثقافة ودور المثقفين، كما لم تكن الثقافة جزءاً من استراتيجية العمل الدبلوماسي الفلسطيني. هذا ليس تحاملاً بقدر ما هو محاولة لوصف الواقع القائم منذ عقود والذي نكاد نعرفه جميعاً.
يمكن هنا الحديث عن إنجازات حقيقية ومؤثرة في الشأن الثقافي مثل دور السيدة ليلى شهيد، وهي واحدة من ألمع من عملوا في السلك الدبلوماسي الفلسطيني والعربي، سواء خلال عملها في باريس أو بروكسل، كذلك يمكن إضافة أسماء أخرى ولكنها تبقى ضمن مبادرات لم يحسن البناء عليها أو تعميمها، أو تحويلها إلى نموذج تأهيل، فبقيت خارج السياق قابلة للتذكر والاستشهاد في وصف الواقع وتوضيح مرارته.
والحقيقة هي أن هذا الوضع الغريب الذي يعزل ممثلياتنا عن المنجز الثقافي الوطني، داخل البلاد والمهجر، يبدو تراثاً يمتد منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي ورثته الوزارة وحافظت عليه بأمانة، وهو يعكس بنفس الأمانة الفهم الضيق والنظرة الأحادية للصراع التي تتبناها الدبلوماسية الفلسطينية والتي تضع الثقافة في آخر سلم أولوياتها وفي أحيان كثيرة خارج هذه الأولويات.
لعل ما كان على وزارة الخارجية أن تبادر إليه هو عكس ما قامت به تماما، وأقصد العمل، ضمن رؤيا مشتركة وواضحة، على التنسيق مع وزارة الثقافة والمؤسسات الفاعلة في المجتمع المدني، وأن تحاول الاستفادة من تجربة وخبرة هذه المؤسسات وشبكات علاقاتها الدولية، والتي بلا شك أكثر أهمية واتساعاً وفعالية من علاقات الوزارة في مجال تخصصها، وأن توظف ذلك في بناء استراتيجية حقيقية تجعل من المنجز الثقافي الفلسطيني، الذي حقق حضوره عالمياً دون الوزارة، دعامة تسند عملها وتمنحه روحاً معاصراً. بدل هذا التسلق على أكتافها ومصادرة جهود العاملين في الحقل عبر تعميم فوقي بائس، أرجو أن يتم نفيه أو الاعتذار عنه، في حالة أنه صدر فعلاً، في الأقل.