نُـذر حـرب إقـليميـة تلـوح فـي الـشـرق الأوسـط

e72f83e1802268c8af308726fed0fa8c
حجم الخط

دخل الشرق الأوسط، هذه الأيام، في وضع يمكن وصفه باللامعقول الكبير، وذلك برعاية الولايات المتحدة. اتفاق الاطار الذي وقع عليه الغرب مع آيات الله يقود فعليا إلى وصول ايران إلى دولة نووية في النهاية باعتراف من دول العالم، وفي منطقتنا يستصعبون استيعاب غير المفهوم – في الوقت الذي تواصل فيه ايران تحريك عجلات حربها وتمددها في مراكز قتل مختلفة في الشرق الأوسط، وحيث تقف في اليمن أمام قوات التحالف العربية التي بدأت عملية "عاصفة الحزم"، يعلن المتحدثون باسمها أنهم نجحوا في إخضاع الغرب، ويواصل زعماؤها الإعلان عن نيتهم تدمير اسرائيل.
يبدو أن ايران تستطيع السماح لنفسها بذلك إزاء ضعف الرجل المسالم براك اوباما. 
بفضله تقول بفرح إن الدول العربية من حولها انهارت كبرج من ورق، وهي بقيت صامدة. 
فمصر كما يبدو كانت ستنهار لو أن رئيسها عبد الفتاح السيسي خضع للحظر الاقتصادي والتخلي الأميركي عنه، كما حدث في حينه لشاه ايران وفيما بعد لحسني مبارك.
من حسن حظ الدول العربية التي تُهاجم الآن في الجناح اليمني التابع لإيران أن أحدا ما في الإدارة الأميركية تشجع أخيرا وعمل على إزالة الحصار الأميركي عن القاهرة، التي تصارع من أجل بقائها الاجتماعي والاقتصادي. 
هذا التغيير مكّن السيسي من إسماع صوت واضح وحاسم أكثر في التحالف العربي في الوقت الذي تعهد فيه بالحفاظ على أمن دول الخليج كجزء من أمن مصر، لقد عتّم بذلك على إعلان باكستان أنها ستقف إلى جانب السعودية في الازمة مع إيران.
الازمة ليست سهلة. دُمى ايران كان باستطاعتها إضحاك الكثيرين لو لم تكن مشبعة بدماء آلاف الأبرياء في الشرق الاوسط. 
لقد تحولت المنطقة إلى مملكة اللامعقول، حيث تقوم المليشيا الايرانية "الحشد الشعبي" التي تضم مقاتلين من الحرس الثوري بضرب "داعش" بالتعاون مع الجيش العراقي، وبمساعدة غير مباشرة من الولايات المتحدة. وفي المقابل فان قوات إيرانية بمساعدة الشيعة العراقيين يقومون بذبح السكان السنيين في العراق وسرقة ممتلكاتهم، ايضا هذا يتم بضوء أخضر أميركي. فهم يتحركون وهم يحملون صور المرشد الاعلى، علي خامنئي، في شوارع تكريت "المحررة" ويحتفلون بصورة عنيفة.
ايضا في سورية الذراع الايرانية الطويلة ملموسة، الرئيس بشار الاسد، صنيعة إيران، يواصل ذبح السكان المدنيين والمتمردين، منذ انهيار تعهدات اوباما بضرب النظام السوري اذا استخدم السلاح الكيميائي، فان الاسد يقوم بضرب معارضيه بغاز الكلور مستفيدا من الفشل في اخلاء بلاده من المواد الكيميائية، وفقط يزيد استخدامه لها. 
هذا الوضع، الذي يجري تحت أعين أميركية مغلقة، يُذكر بالتعهد الأميركي في التسعينيات بأن كوريا الشمالية، التي قامت في حينه بدور ايران كتهديد نووي، سيتم تجريدها من قنابلها. أمام حقيقة انهيار هذا التعهد فما الذي على اسرائيل أن تفهمه من السوابق (البعيدة والقريبة) التي أمامنا؟

المحور المشترك
لاعب آخر في الملعب الشرق الاوسطي هو روسيا، التي تساعد عسكريا المحور الايراني – السوري. إن الحفاظ على مكانة الاسد مصلحة روسية يقف على رأسها ميناء في المياه الدافئة للاسطول الروسي في طرطوس. هذه اليد موجودة ايضا في اليمن، فهناك وبشكل مفاجئ يطالب الروس بوقف اطلاق النار، وكذلك يطالبون بممرات انسانية للانقاذ. الروس يتطلعون الى مضائق باب المندب متشجعين من انجازات الحوثيين الذين هم أداة بيد ايران.
وزير الخارجية اليمني، رياض ياسين، يوجه إصبع اتهام مباشرة، حسب رأيه فان روسيا تُهرب في طائراتها "الانسانية" التي تهدف ظاهريا الى انقاذ رعاياها في اليمن، السلاح للحوثيين. 
العميد مسعود عسيري، المتحدث باسم التحالف العسكري لـ "عاصفة الحزم" ينضم الى هذه الاتهامات ويحذر: روسيا تعمل لصالح ايران في اليمن وفي سورية. 
هكذا فان بصمات روسيا ظاهرة في المنطقة، سواء من خلال المبادرة إلى تسليح ايران ببطاريات متطورة مضادة للطائرات أو العروض لانشاء مفاعلات نووية "للاغراض السلمية" في الدول المختلفة. 
يبدو أن الرئيس فلادمير بوتين نقل الحرب الباردة الى الشرق الاسط كجزء من تحقيق حلمه لاعادة روسيا الى مكانة الدولة العظمى. 
وغايته هي الثأر من الولايات المتحدة بسبب موقفها من قضية شبه جزيرة القرم والازمة في اوكرانيا.
يدرك التحالف العربي المصلحة الروسية، وقد سبق للسعودية أن أعلنت: إذا حاول بوتين وقف عملية "عاصفة الحزم" عن طريق قرار في الامم المتحدة، وقامت الولايات المتحدة بالوقوف ضدها (لم تستخدم الفيتو)، فسيواصل التحالف العملية بدعم من باكستان وتركيا، التي التقى رئيسها اردوغان، قبل أيام، مع روحاني، ولكنه لم يتطرق الى الصراع في اليمن.
اذا لم يتغير شيء حقا في توازن القوى فسيتضح شيئا فشيئا أن اليمن سيكون الدولة الاولى التي سيُهزم فيها نشاط التمدد الايراني على أيدي الدول العربية السنية. 
مع ذلك ومن اجل تحقيق حسم كهذا فان تدخلا برياً في اليمن أمر ضروري، الانجاز السني الذي يتحقق في الجبهة اليمنية يبدو أنه الاول، ولكن حتى الوقت الحالي فهو الوحيد. 
إذا عدنا الى سورية فان الكفة ما زالت تميل لصالح التعاون بين إيران وروسيا، اللتين تعملان لصالح نظام الاسد. في هذه الجبهة تحظيان بدعم مقاتلي "أكناف بيت المقدس" الفلسطينية. 
هؤلاء الذين يتركز معظم نشاطهم في مخيم "اليرموك" (الذي يسمى عاصمة الشتات الفلسطيني)، وجدوا أنفسهم بين المطرقة والسندان. 
فمن جهة فان المخيم، الذي فرغ تقريبا من سكانه، يقع تحت قصف النظام السوري، ومن جهة اخرى يعاني من مواجهة مباشرة وعنيفة مع مقاتلي "داعش" عديمي الرحمة. 
"اليرموك" القريب من مواقع السلطة والأمن في دمشق، يُسحب تدريجيا من أيدي النظام الى أيدي المتمردين، وفي الوقت ذاته يفقد الأسد السيطرة على المعابر الحدودية التي يخنق إغلاقها من قبل المتمردين ما تبقى من اقتصاد الدولة ويضعف النظام.
في الوقت الحالي يبدو أن دعم "أكناف بيت المقدس" للأسد يلغي محاولة الفلسطينيين عرض الصورة الحيادية وعدم تأييد أي طرف من أطراف الصراع السوري الداخلي، كما أنه يشير إلى أن الطلاق الذي أعلن عنه بين النظام السوري ومنظمة "حماس" "الارهابية" التي دعمت في البداية المتمردين، لم يكن نهائياً. قصة الغرام التي تجري تتضمن مساعدة ايرانية لـ "حماس" في غزة: السلاح واعادة ترميم الانفاق وتمويل العمليات "الارهابية".
ليس هناك شك في أن الأحلام المشتركة التي تنسج في الملاجئ المحصنة لـ "حماس" في غزة و"حزب الله" في بيروت من اجل تدمير اسرائيل بقيادة طهران تواصل تغذية أوهام آيات الله بأحلام قاتلة. 
كل ذلك يجري في أزمان الهدنة الواقعة بين نكتة واخرى على حساب الأميركيين ازاء اتفاق الاطار المضحك الذي تم التوصل اليه في لوزان.

بين اليمن وغزة
الآن، وفي ظل الفوضى وانهيار الدول العربية في المنطقة، فان الأميركيين يصرون على الطلب من اسرائيل اقامة دولة "ارهاب فلسطينية" في "يهودا" و"السامرة"، اضافة لتلك الموجودة في غزة. هذه رغبة أميركية مُحيرة تتساوق مع الطلب من اسرائيل الاستجابة الى "المبادرة العربية".
هذه المبادرة بالفعل هي طريقة جديدة لضخ مسلحي "داعش" الى "يهودا" و"السامرة" والجولان وطبرية، وكذلك أحفاد اللاجئين من "اليرموك" الى داخل اسرائيل في إطار "حق العودة". 
مع اصدقاء كهؤلاء من يحتاج إلى أعداء؟ وبشكل عام، يبدو أنه في الادارة الأميركية هناك من يعتقد (بهدف الانتقام؟) أن النموذج التدميري لـ "حماس" العامل من غزة وسيناء ضد اسرائيل ومصر، ناجح بما يكفي الى درجة أنهم يريدون تطبيقه ايضا ضد أمن الأردن وإسرائيل في "يهودا" و"السامرة".
"المبادرة العربية" تلتقي ايضا مع أهواء الشعب الفلسطيني. خلافا لرئيس السلطة الفلسطينية، أبو مازن، الذي يمد يد مضللة للسلام أعلن عن الحقيقة الدكتور عبد الستار، المحاضر الكبير في العلوم السياسية في جامعة النجاح في نابلس: "الفلسطينيون لا يريدون دولة. على السلطة الفلسطينية الاهتمام بتنفيذ حق العودة الى فلسطين".
هكذا حيث إن التهديد من الجنوب قائم، وكما هو مفهوم ايضا التهديد من الشمال على هيئة "حزب الله" قائم، بتوجيه ودعم ايران، حيث ان مقاتليه يواصلون القتل والموت، في الوقت الذي يراكم فيه التنظيم ترسانة قاتلة من الصواريخ بعيدة المدى، ويستعد لحرب اخرى رهن الاشارة ضد اسرائيل، متشجعا من "إخضاع" الولايات المتحدة على يد ايران. لكن وقبل أن تزيد من نشاطاتها بوساطة "حزب الله" و"حماس" فان ايران تركز جهودها في اليمن، بمساعدة الحوثيين. خامنئي والرئيس حسن روحاني يريان أن زخمهما يتم وقفه من قبل القوات العربية في اليمن، وبوساطة حكام عُمان يهددون السعودية (التي صدتهم في الماضي في البحرين) بأنها ستدفع ثمن ذلك. ايران لا تخاف من القوات العربية المشتركة. هناك يعرفون أن هؤلاء لن يتجرأوا على مهاجمة ايران.
حتى هذه اللحظة يخوض الطرفان حرب شوارع في اليمن حيث يستخدم الحوثيون السلاح الثقيل، ويقومون بقصف واقتحام البيوت وقتل المدنيين. الحرب امتدت الى القبائل في جنوب شرق اليمن، الذين انتظموا في إطار مليشيات "المقاومة الشعبية".
من اجل ردع اتحادات القبائل اليمنية من التدخل في المعارك، يقوم الحوثيون بخطف زعماء، نشطاء احزاب، ورجال دين كبار. ولمعادلة السلاح والوسائل العسكرية التي سيطر عليها الحوثيون في المعسكرات والوحدات العسكرية التي استولوا عليها يتم إنزال السلاح الخفيف من طائرات التحالف لنشطاء القبائل الموالية للرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي.
مقاتلو هذه القبائل يتجمعون الآن ضد الحوثيين الى جانب قوات التحالف، الذين يقومون الآن بالقصف فقط من الجو والبحر. اذا دخل تحالف "عاصفة الحزم" الى الحرب البرية مع الحوثيين، واذا قامت بالحزم، مثل اسمها، فان هذا سيشكل نقطة تحول بخصوص القدرة العربية على صد الإيرانيين ووكلائهم ايضا في سورية والعراق ولبنان.
في هذه الاثناء وبعد رفع العقوبات يستطيع الإيرانيون المسلحون جداً أن يفتحوا من جديد محافظهم لتسلح آخر، وحال انتهائهم من بناء القنبلة النووية يستطيعون حسم الدول العربية في شبه الجزيرة وأن يعيدوا تنظيم أنفسهم عسكريا. هكذا تستطيع ايران في المستقبل اظهار جدية تهديداتها تجاه أعدائها: في الخليج بوساطة اظهار قوة نووية، وصواريخ ضد اسرائيل (ايضا من لبنان).

الثقة الإيرانية
الشيخ محفوظ وِلد الوالد، المفتي السابق لتنظيم "القاعدة" السني، يتهم ايران بكل مشاكل الشرق الاوسط. رغم المعركة الوجودية التي تجري على السيطرة بين إيران الشيعية والدول السنية في الشرق الاوسط، ما زال رجال "القاعدة" يحاولون اللحاق باخوانهم وتعزيز مواقفهم باعمال ارهابية. حتى في ظل المعارك في اليمن فقد قام رجال "القاعدة" بسرقة البنك المركزي في العاصمة، وحرروا معتقلي الارهاب التابعين لهم من السجن.
في هذا الوضع يشكل تحليل الوضع الأصيل للوالد رؤية للحالة النفسية الاسلامية السنية المتطرفة في الشرق الاوسط. في سلسلة مقابلات مع محطة "الجزيرة" شرح أن المواجهات في سورية ولبنان والعراق واليمن تنبع من نوايا التمدد الايرانية التي وصف زعماؤها منذ البداية العراق كجزء تاريخي من المجال الايراني. حسب اقواله فانه نظرا لضعف الدول العربية التي تنقصها الرؤيا الاستراتيجية المشتركة فهي لا تستطيع اعطاء رد مناسب للعنف الايراني رغم كل المال الذي أنفقوه على شراء كميات كبيرة من السلاح، وايران تعرف ذلك.
يدعي المفتي أنه في الوقت الذي تخلى فيه العرب عن الفلسطينيين فقد استغل الايرانيون الفراغ الذي نشأ وساعدوا الفلسطينيين وجندوهم لخدمة أهدافهم. الآن تستخدم ايران ايضا الصينيين والروس لأغراضها، وذلك عن طريق مؤامرة تقديم منافع وصفقات كبيرة منهم بوساطة العراق.
كما يدعي الوالد ايضا أنه لا يوجد للادارة الأميركية اصدقاء، وأن ما يهم الأميركيين هو مصلحتهم ومصلحة اسرائيل الاستراتيجية (تدفق النفط). لقد اظهر المفتي ثقته بأن في ظل الوضع الذي نشأ أمام الولايات المتحدة  فان ايران تنتظر الضوء الاخضر من الولايات المتحدة لتحتل البحرين بعد أن قامت باحتلال بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
حسب اقواله فان الإيرانيين الشيعة يتصرفون في الشرق الاوسط من خلال منظور تفوق فارسي ديني، قومي وعنصري، مخفين مبادئ عقيدتهم، ويتعاملون بشكل متعال تجاه العرب، وحتى ازاء الطوائف الشيعية "الدنيا" الاخرى. ويضيف الوالد بأن السنة يوصفون لدى الشيعة كـ "كفار" ومختلقي فتاوى كاذبة.
يوضح المفتي لاذع اللسان أن طريقة مواجهة ايران يجب أن تكون مشابهة للقوة والحكمة التي تستخدمها هي نفسها: في البداية – قوة معتدلة ومفاوضات "قوة ناعمة"، وفي النهاية – قوة عنيفة "قوة خشنة" وذلك لتحقيق الانجازات. ليس هناك شك أنه في الشرق الاوسط يديرون الحوارات ويحصلون على نتائج فقط هكذا، وهذه عبرة مهمة لاأوباما الذي يرضي ويهادن أعداءه. الايرانيون لا يعربدون في الشرق الاوسط عبثا، فلديهم اجندة سيطرة مؤكدة على الشرق الاوسط. اذا لم يتم صدهم فهم سيعملون من اجل تنفيذها، باسم الله.