القضية الفلسطينية على ابواب مشروع جديد واصطفافات جديدة!!

860x484 (2)
حجم الخط

 

حصل في التاريخ ان تذابح امراء العرب وتنازعت اهواؤهم الى درجة ان رحبت مدن عربية بالغزو الافرنجي وتقديم الهدايا والخدمات لما اسماه الغرب " الحملات الصليبية" التي اجتاحت فلسطين وارتكبت المذابح في القدس وسواها.

وحصل في التاريخ ايضا ان القائد الكبير صلاح الدين سجل ماثرة قيادة معركة تحرير معظم فلسطين بعد نحو تسعة عقود من الحكم الاجنبي، غير ان ورثته مزقتهم صراعاتهم على الحكم ، فتقدمت قوات الغزو الاوروبي الاقطاعي نحو شواطئ مصر، فما كان من شقيقه الكامل الا ان عقد صفقة ضمن بموجبها حكمه على مصر فيما عادت فلسطين تحت نير الغزو الافرنجي.

وفي الاعوام الاخيرة عرف الزمن العربي ثنائية متناقضة، ثلاث انتفاضات شعبية في تونس ومصر واليمن، احرزت الكثير ولكنها افتقدت شرط تحولها ل ثورات اجتماعية تطيح بعلاقات الانتاج الشائخة وترفع الى الصدارة قوى اجتماعية لديها مشروعها لتجاوز الامس وتأسيس مرحلة جديدة على غرار ثورات عرفتها شعوب اخرى، وعلى الاقل ما تشهده القارة اللاتينية الاقرب الى خصائص الوطن العربي منذ عقد ونصف.

كما ان ازمات دموية وتدخلات خارجية افضت الى تدمير معظم مقومات الحياة والوحدة المجتمعية في العراق وسوريا ، بما حملته من نتائج سياسية واقتصادية وانسانية كادت تنجح في اسقاط الدولتين على الطريقة الليبية والصومالية وتقسيمهما على اساس مذهبي وعرقي.

ولئن كانت الاوضاع المازومة في حقبة الحملات الصليبية قد انتجت مجموعات الاغتيال التي قادها حسن الصباح دون تفريق بين امير عربي وامير افرنجي,فعوامل كثيرة احداها اجهزة مخابرات غربية واقليمية صبت الزيت على نار ظاهرة امتدت على طول وعرض بلاد العرب وبلدان اخرى، عرفت باسم الدولة الاسلامية " داعش " التي بلغ عنفها وجبروتها شانا جعلت من حسن الصباح التي لم تنفك قلعته قائمه وقد احتجب فيها اربعين عاما في الريف الايراني مجرد قطرة في بحر.

ومن الجلي ان ارادة مواجهة الدواعش في العراق وسوريا وليبيا اشتدت في الاشهر الاخيرة فانحسرت سيطرتهم على مساحات شاسعة وتكبدوا خسائر جدية كانت احداها 1800 قتيل في الفلوجة كما نشرت الصحافة، وهذا حالهم في ارياف حلب الجنوبية وتدمر وشمالي اللاذقية فيما تقدم الجيش السوري وحلفائه لمحاصرة احياء حلب الشرقية وقطع امدادها في تناغم مع تقدم وحدات التحالف الكردي – العربي شمالا، والشيئ نفسه يقال عن قوات الجنرال حفتر، الذي دعمته مصر ومؤخرا روسيا فانتزعت انتصارات في بنيغازي الليبية تزامنا مع تراجع داعش في سرت.

ومحاولة تصدير اعمال داعش الى الحدود الاردنية او تفجيراتها في اوروبا وامريكا وتركيا والسعودية، تحمل فيما تحمل ان المارد قد خرج من القمقم وارتد على داعميه من جهة وانه بات يستعدي العالم وخاصة روسيا التي تخشى جديا من الاف الروس الذين التحقوا بداعش هم من بين عشرات الاف الجهاديين الذين اتوا من مئة دولة لاجتياح دمشق واقامة دولة الخلافة كما يفهمونها .

لقد اختل ميزان القوى مؤخرا وانتقلت قوات مواجهة داعش الى الهجوم وباتت الانظار والتحضيرات تتجه للموصل وحلب، دون التهوين من قدرات داعش وما راكمته من عدة وعتاد وخبرة وتفخيخ سيارات.

من جانب اخر لم تفوت السياسة الاحتلالية فرصة الافادة من انشغال العرب وانقسام الفلسطينيين وهرولة مراكز القوى بينهم وانكفاء معظمهم على الهم الذاتي، فرفعت وتيرة هجومها على مسارين كبيرين بفضيان الى:

١- التطهير العرقي الجزئي والمتدرج: فدون موارية وضع المفاوض الاسرائيلي شرطا صريحا على المفاوض الفلسطيني ( الاعتراف بيهودية دولة اسرائيل) بما ينطوي عليه ذلك من مخاطر اقتلاع 1.4 مليون فلسطيني وما تعنيه خطة برافر في النقب والهدم المتكرر لقرية العراقيب وما تشي به تصريحات المسؤولين الاسرائيليين بان على العرب ان يختاروا بين المواطنة الكاملة والخدمة في الجيش او الالتحاق بالفلسطينيين .. واية تمظهرات اخرى بما فيها احتمال اقصاء اعضاء عرب من الكنيست.

٢-الحل الاقليمي: وبصرف النظر عن تسميته او مراحله او عن العلاقة بين الضفة وغزة، فهو يخلو من دولة فلسطينية مستقلة سواء على اراضي 67 او ما هو اقل من ذلك. اما الاسم الذي يجري التمهيد له فهو الكونفدرالية لكن بعد تجويفها فلسطينيا ذلك ان الكونفدرالية في القانون الدولي ,اتحاد بين دولتين او اكثر ولكل دولة شخصيتها وجيشها وسيادتها.. وهذا كله لا مكان له فلسطينيا , ولا يتبقى سوى الاسم الذي يمكن ان يضم الاردن وكيان فلسطيني سواء على اجزاء من الضفة او على اجزاء من الضفة وغزة او الاردن واسرائيل وكيان فلسطيني والاخير هو السيناريو الاقوى على ان لا يمنع استمرار القضم الاستيطاني الكولونيالي للاراضي الفلسطينية وتكريس محوطة وتشظية وضم السوق الفلسطينية للسوق الاسرائيلية حسب المصطلح الاسرائيلي " السلام الاقتصادي",ويجوز.الافتراض ان مشروع قناة البحرين يتساوق مع هذا المسار.

ومثلما اجاز صندوق الاسثمار الاردني حق الاستثمار للرأسمال الاسرائيلي في الاردن فهذا سوف ينسحب على الاراضي الفلسطينية ليس بقوة الاحتلال بل بشرعنته فلسطينيا بما يشكل غطاء للعملية الاستيطانية التوسعية وتعزيز النخب الفلسطينية المرتبطة بالكونفدرالية كما كان داب الكولونيالية في كل مكان. وان العودة لمؤلف فرانز فانون ( معذبو الارض) تساعد على الفهم المعمق.

وبالتالي ثمة مرحلة جديدة عنوانها بلورة نخبة فلسطينية قوية متساوقة مع الكونفدرالية.

ومثل هذه الصيغة مشروطة باستنزاف الوطنية الفلسطينية وحركة التحرر الفلسطينية التي يمكن توزيعها اليوم على ثلاثة تيارات :

١-تيار الدولتين وله قيادة وقاعدة ومؤسسات

٢-تيار حق العودة وقيادته ضعيفة وقاعدته ضيقة

٣-تيار التحرير وقيادته محاطة بالتباس سياسي ولكنه واسع الانتشار

اما تيار الكونفدرالية فمن المتوقع ان يتغذى على دم ولحم التيار الاول ويلتحق به العديد من الفعاليات الاقتصادية والاوساط البراغماتية والمحبطة من اخلالات العمل الفلسطيني و من الساعين لحل باي ثمن ، المهم ان يحصلواعلى توقعات بحركة اوسع وفرص وعمل مربح اخذين بالحسبان ان نسبة البطالة تناهز 40 % في اراضي 67 وهي اعلى في غزة وبين خريجي الجامعات والفقر يتخطى 55% واعلى في غزة , كما ان نسبة 50% لا يؤيدون كل الخارطة السياسية الفلسطينية حسب استطلاعات متكررة دون اغفال ان هذه النسبة رخوة وتتقلص كلما تصاعد النضال الوطني او تحسنت العلاقات الفصائلية.

وثمة احتمالات ان تتعجل حكومة نتنياهو – ليبرمان- تينت في اتخاذ اجراءات عملية تمهيدية تصب في طاحونة المسارين:" التطهير العرقي " و" الحل الاقليمي" ,والمسيرة الفلسطينية التي بدات بالتحرير ومرت في السبعينات بالعودة والدولة وتقرير المصير،ووصلت الدولة ومرحلتها الانتقالية الحكم الذاتي المحدود انما هي مقبلة على استحقاق جديد.

واخطر ما في التكتيك السياسي هو السعي للتكيف مع موازين القوى، وبالتالي عدم الانضباط للبرامج والمبادئ، ولهذا حذر ماركس الحركات الثورية منذ زمن " اياكم والمساومة على المبادئ ، اياكم والتنازل النظري" وردد الدكتور جورج حبش كنظري وسياسي ثوري لا ينبغي ان ينتهك التكتيك الاستراتيجية ولا ان تنتهك السياسة الايديولوجيا ، ويبدو ان هذا الافق غير راسخ في الوعي السياسي الفلسطيني.

غير ان هذا ليس قدرا لا راد له، وربما يفاجئ الشعب الفلسطيني التاريخ، وهو (الذي لديه عبقرية التاريخ لانه لم يندثر ) قال مفكر فرنسي. وهذا يستحق مقالة اخرى.