من قال إن مشاعر الكراهية تدل على سوء في طبع الإنسان، أو إنها مشاعر سيئة أو سلبية، إنما كان يضلل الآخرين أو يبث الوهم في عقولهم، فمشاعر الكراهية تماماً هي مثل مشاعر الحب، تكشف عن طبيعتها وجوهرها بوجهتها. فأن تحب الخير يعني أنك إنسان جيد، وأن تكره الشر يعني أنك إنسان جيد أيضاً، بل لا يستوي المنطق بحبك للخير وعدم كرهك للشر، وأن تفعل الخير يعني أنك إنسان إيجابي، وأن تمنع الشر يعني أنك إنسان إيجابي أيضاً.
وأن تحب الآخرين لا يعني أن تغض النظر عما إذا كانوا يفعلون الخير أو الشر، ليس تجاه نفسك وحسب، بل وباتجاه الآخرين أيضاً، فليس منطقياً أن تحب اللصوص وقاطعي الطرق وأن تحب الطغاة والمستبدين والظالمين. وبقدر ما ينطبق هذا على الأفراد من البشر، ينطبق على الجماعات منهم، فحتى الأمم المتحدة، حين ظهرت كرد فعل على الحرب العالمية الثانية، أقرت الحق الطبيعي للشعوب بمقاومة الاحتلال الأجنبي لأرضهم ووطنهم، بكل الأشكال والوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح.
وكثيراً ما قاومت الشعوب المقهورة دولاً وجيوشاً استعمارية / احتلالية، وكان فعل المقاومة يؤكد الطبيعة الإنسانية الإيجابية للشعوب المقهورة، ويضع حداً لسلوك غير إنساني، بل متوحش لدول تتميز بالجشع والأنانية، وغريزة التملك على حساب الغير.
إن دوافع قهر الآخرين عديدة ومتنوعة، لكن نتيجتها لا تختلف كثيراً، فأيّاً كانت الأسباب، التي قد تخفف من عقوبة القتل العمد مثلاً، إلا أن ذلك لا يغير من حقيقة كون جريمة القتل جريمة تستوجب الردع والعقوبة، كذلك دوافع الاحتلال، حتى لو تعددت وتنوع الادعاء بها، كما فعلت الصهيونية وحليفها أو عرّابها الاستعمار البريطاني، من أن إقامة إسرائيل كانت تنفيذاً لوعد ألهي، بمنح أرض فلسطين لليهود، كما وعد الرب «يهوه» اليهود بأرض الميعاد، وهم شعبه المختار _ وليس أنه فعل استعماري يهدف إلى إقامة قاعدة استعمارية موالية للغرب متقدمة في المنطقة، تمنع عنها الوحدة والقوة وتبقيها قابلة للهيمنة والتسلط، في كل وقت _ إلا أن الحقيقة هي أن إقامة «دولة إسرائيل» كانت فعلاً أغتصابياً ظالماً وعدوانياً، جاء على حساب شعب آمن، كان وما زال من حقه أن يعيش على أرضه بحرية وكرامة.
رافق فعل اغتصاب فلسطين من قبل عصابات يهودية، تأسيس دولة استعمارية / اغتصابية، تشبه إلى حد كبير جماعات القاعدة و»داعش» الآن، فمن يعقد مقارنة بين عصابات «الهاجاناه، وأرجون، وشتيرن»، وبين قاعدة أبو مصعب الزرقاوي و»داعش»، لن يجد كبير فرق، فالباعث والوازع والتحريض، ديني / طائفي، وتمارس جرائم القتل بكل وحشية، بادعاء إقامة «دولة السماء»، الدولة اليهودية، دولة إسرائيل _ أي دولة يعقوب، أو الدولة الإسلامية. هكذا يبدو أن قاعدة الزرقاوي، و»داعش» تحاكي الآن بعد نحو ستين سنة، الهاجاناه وأرجون وشتيرن، في أربعينيات القرن الماضي.
لقد ارتكبت عصابات الهاجاناه التي تحولت لاحقاً لحزب العمل، وشتيرن التي شكلت نواة الليكود، المجازر بحق القرويين الفلسطينيين، من أجل إجبارهم على الهجرة والهرب وترك قراهم وأرضهم لهم، ووصل الأمر إلى إقامة المجازر الجماعية بحق عدد من القرى، مثل دير ياسين، وعدم مراعاة الآمنين، فقد أرادوا ليس فقط احتلال الأرض، بل وبنفس الوقت تهجير السكان، حتى يتحقق لهم واقع أن هناك أرضاً بلا شعب لشعب بلا أرض، فلا أرض فلسطين كانت بلا شعب، ولا اليهود كانوا شعباً أصلاً!
من الطبيعي على أي إنسان سوي، خاصة إن كان فلسطينياً، أن يكره إسرائيل نظراً للطريقة التي قامت فيها، ثم من الطبيعي على أي إنسان في هذا العالم، أن يكره إسرائيل بعد أن واصلت طريقها في العربدة والتصرف كجماعة أو كعصابة، تمارس القهر وتواصل احتلال أراضي الغير والجوار، وتشن الحروب على الجيران، كما فعلت في عام 1967.
ومن الطبيعي أن يظل الإنسان الطبيعي، الفلسطيني خاصة، أن يكره إسرائيل وهو يرى أنها ما زالت ترفض أن تعيش «بسلام» إلى جانب الفلسطينيين، في دولتين منفصلتين ومستقلتين.
فهل من الطبيعي أن يغض إنسان سوي نظره أو أن يغلق عقله وقلبه، ويكذب على نفسه، ويقول: إنه يحب إسرائيل أو إنه يرى فيها دولة ديمقراطية أو دولة طبيعية، أو حتى سوية، وهو يرى حقيقتها، بأنها دولة القوة والقهر والاحتلال، وحتى أنها دولة عسكرية بكل معنى الكلمة؟!
قال الرسول محمد يوماً: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. ونحن نقول، وفق هذا المنطق: من رأى احتلالاً فليقاومه بيده أو بلسانه أو بقلبه، ومن لم يستطع أن يقاوم إسرائيل بالقوة، فعليه أن يقول: إنه لا يحبها وإنه يكرهها، كما فعل شعبان عبد الرحيم، نبض الشارع الشعبي المصري، أي لسان حال الشارع العربي، أنا أقول معه، وأدعو كل فلسطيني وعربي ومسلم لأن نردد معاً نشيداً واحداً هو: أنا بكره إسرائيل!
• كتبت هذا المقال، احتراماً للاعب الجودو المصري إسلام الشهابي، الذي رفض مصافحة الإسرائيلي في أولمبياد ريو، وتقديراً لماليزيا التي تنازلت عن حقها باستضافة مؤتمر الفيفا عام 2017؛ بسبب مشاركة إسرائيل فيه، وهذا يؤكد أنه بعد أن تراجع حائط الصد العربي / القومي لإسرائيل جاء حائط الصد الإسلامي، أولاً من بين الفلسطينيين، بعد أن تراخى الفكر القومي / الوطني، ظهر الفكر الإسلامي المقاوم، وتالياً على مستوى العالم الإسلامي كله من تركيا وألبانيا إلى ماليزيا وإندونيسيا.