في مثل هذا اليوم (أمس) قبل 160 سنة وُلد في سكفيرا بالقرب من كييف في روسيا القيصرية، آشر تسفي جبنتسبرغ، الملقب بـ أحاد هعام (1856 – 1927). يدور الحديث عن الأب الروحي للصهيونية، وصاحب فكرة المركز القومي الروحاني في "ارض اسرائيل"، وأحد واضعي أسس الثقافة العبرية الحديثة.
كانت الافكار الصهيونية لـ أحاد هعام معقدة ولها مركبات كثيرة، واحيانا غير منهجية وغير واضحة. ورغم ذلك، يمكن الاشارة الى عمودين فكريين أساسيين، الثقافي والسياسي، اللذين قامت عليهما مواقفه القومية اليهودية بشكل لم يقبل أكثر من تفسير.
من ناحية الثقافة والهوية، رفض أحاد هعام تماما التوجه الى بلورة الوعي القومي اليهودي من خلال الجماعية اليهودية لـ "الآخر" الخارجي.
وقد اعتقد أنه يجب بلورة الهوية اليهودية القومية الحديثة عن طريق النظرة الداخلية لارث الماضي الثقافي والتاريخي لاسرائيل، ووضع مضامين ايجابية خاصة بحياة الشعب في الحاضر لمنح المعنى المتجدد لاستمرار الوجود اليهودي في العالم المتنور مستقبلا: "حياة قومية حقيقية ورغبة قومية حقيقية يمكنهما الانبعاث من خلال الصحوة الداخلية ومن خلال... معرفة تاريخ الشعب وطريقة تقدمه في الحاضر... معرفة هويته المستقبلية التي تظهر من بعيد وتثير مشاعره وقوته... العمل دون توقف أو تردد الى أن يصل الشعب اليهودي الى المكان الذي يليق به داخل الجنس البشري"، (الشرق والغرب 1903).
إن العدو المشترك، في المقابل، "هو المحرك الرئيس لما يحدث في اسرائيل بالمعنى القومي"، حيث يوجد بذلك، حسب أحاد هعام، وصفة لانحطاط الواقع القومي الثقافي وغياب أمن الهوية، الامر الذي لا يُبشر بالخير لمستقبل الشعب القومي.
رفض أحاد هعام بشدة استعباد شعب آخر، حيث اعتبر أن قمع "الآخر" هو أمر يناقض طريق وروح اليهودية: "من وجهة النظر اليهودية... من واجب كل شعب العيش والتقدم الى أقصى حد باستطاعته، ومن واجب هذا الشعب الاعتراف ايضا بحقوق الشعوب الاخرى لأداء واجبها دون عوائق. وإلا فان "الأنا" القومية ستعيش على خراب الشعوب الاخرى" (عن البندين، 1910).
حسب هذا الموقف القومي، والذي في جوهره الاعتراف بحق تقرير المصير للشعوب كمبدأ سياسي اخلاقي عالمي، يكون أحاد هعام قد عبر بوضوح عن هدف الصهيونية القومي. كل ذلك من ردوده المعروفة حول وعد بلفور، التي تم تفسيرها في حينه من قبل حركة "اتحاد السلام" على أنها تأييد للدولة ثنائية القومية في ارض اسرائيل. ولكن يمكن قراءتها في أيامنا هذه كموقف مؤيد للتقسيم العادل للبلاد الى دولتين سياديتين مستقلتين في ظل كونفيدرالية مشتركة: "الحق التاريخي لشعب ما في البلاد التي أُخذت منه، هو العودة والعيش في ارض الآباء، من اجل بنائها دون عائق... لكن هذا الحق التاريخي لا يلغي حق باقي سكان البلاد، الذين يعملون فيها ويعيشون فيها منذ أجيال. هذه البلاد هي بيتهم القومي ايضا في الحاضر، ومن حقهم تطوير قواهم القومية حسب قدرتهم. هذا الوضع يجعل من ارض اسرائيل مكانا مشتركا لشعوب مختلفة، حيث يحاول كل شعب بناء بيته القومي"، (من مقدمة الطبعة الجديدة من كتاب "في مفترق طرق" 1920).
حسب المعنى الثقافي والهوية، وحسب المعنى السياسي والاخلاقي، فان وضع اسرائيل الحالي يناقض صهيونية أحاد هعام.
القومية التي تتحد حول "العدو المشترك" والتي كانت في نظر أحاد هعام شهادة على الطابع المتدني للوعي القومي الثقافي للشعب، هي قومية بنيامين نتنياهو، نفتالي بينيت وافيغدور ليبرمان.
محمود عباس و"حماس"، ايران، و"داعش"، ومؤلف "كفاحي" أيضا، الفلسطيني محمود درويش، هم مُعرفون دقيقون للهوية القومية الاسرائيلية.
في المقابل، الثقافة العبرية العلمانية التي اعتبرها أحاد هعام سم الحياة للقومية اليهودية الحديثة والتي تم استبعادها، البحث والانتاج العلمي، الروحي في العبرية، تناضل من اجل البقاء. ومصطلح "علماني" و"علمانية" تفرض الشرعية الجماهيرية. وبالتحديد في ظل واقع السيطرة القومية الدينية المسيحانية في أيامنا فانه يتم النظر الى "العلمانية" على أنها أداة قمع تجاه "الآخر".
فيما يتعلق بالوضع الجيوسياسي لاسرائيل، لا حاجة للاكثار من الحديث: احتلال، قمع، واستعباد شعب آخر، وهذا في نظر أحاد هعام أمر مرفوض ومناقض للدين اليهودي والقومية اليهودية. وقد تحول الى هوية اخلاقية سياسية لاسرائيل في المجتمع الدولي. وقد أدت "الأنا" القومية الى انسحاب اسرائيل من حدود العدل، حيث حل مكانها دمار الشعب الفلسطيني. وتسعى اسرائيل الآن الى أخذ مكانها المناسب (كدولة محتلة) وخارجة عن القانون الدولي.
"ليست هذه هي الطريق"، كان هذا عنوان مقال اقتحم فيه أحاد هعام الوعي الثقافي العبري الجديد في العام 1889.
وهذا هو الوقت الملائم لتذكير رؤساء دولة اسرائيل به في الذكرى الـ 160 لولادة أحاد هعام، حتى لو غابت فرصة أن يستمع إليه أحد.
عن "هآرتس