«مشاغل» أنقرة لا تمنعها من إقرار المصالحة مع إسرائيل

d0c97cf3cdd2c5c7fe3a1d0f8213f727_w800_h400_cp
حجم الخط

بعد شهرَين من إقرار المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر لاتفاقية المصالحة مع تركيا، أقرّ البرلمان التركي أمس الأول هذه الاتفاقية بما تتضمنه من تعديلات تلغي الملاحقات القضائية بحق مطلوبين إسرائيليين بجريمة اقتحام سفينة مرمرة وقتل أتراك عليها. وتنهي هذه الاتفاقية قطيعة وتوتراً دام ست سنوات بين تركيا وإسرائيل بعدما كانتا أهم حليفين لبعضهما في المنطقة طوال عقود. وبارك رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إقرار البرلمان التركي الاتفاق، معتبراً إياه تمهيداً لعودة السفراء.
وقد صادق البرلمان التركي مساء السبت على اتفاقية المصالحة مع إسرائيل التي كان توصل إليها وفدا الدولتين في الشهر الماضي بعد مفاوضات استمرت عامين. ووافق على الاتفاقية 209 أعضاء مقابل اعتراض 16 فقط. ويسري الاتفاق بشكل نهائي بعد مصادقة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان رسمياً عليه. وبحسب الاتفاق، فإن إسرائيل ستدفع خلال 25 يوماً لصندوق خيري تركي تعويضات بقيمة 20 مليون دولار لعائلات الضحايا الأتراك. وتلغى الدعاوى الحالية، وتمنع أي دعاوى لاحقة ضد إسرائيليين، مدنيين أو عسكريين ساهموا في اتخاذ قرار اقتحام سفينة مرمرة أو شاركوا في التنفيذ. وتتعهد تركيا بأن ترد لإسرائيل مبلغ التعويض إذا تقدمت جهات تركية مستقبلاً بدعاوى بشأن «مرمرة» ضد إسرائيل في تركيا أو خارجها.
وكانت سفينة مرمرة أكبر مشارك في عمليات نشطاء الحرية للتضامن مع قطاع غزة ومن أجل كسر الحصار البحري المفروض عليه. وقد اقتحمت قوات إسرائيلية السفينة في عرض البحر في منتصف العام 2010 ما أدى إلى مقتل عشرة نشطاء أتراك وجرح العشرات. وأدى هذا الاقتحام إلى تدهور العلاقات التركية -الإسرائيلية وتدهورها من مستوى الحليف الاستراتيجي إلى القطيعة. وقد بذلت الإدارة الأميركية جهوداً كبيرة شارك فيها الرئيس باراك أوباما ونائبه جو بايدن ووزير الخارجية جون كيري من أجل إصلاح العلاقات التركية ـ الإسرائيلية. وها هي الجهود تنجح في نهاية المطاف بعد سنوات من الجهد المكثف والخيبات المتراكمة.
ونظراً للأحداث الأخيرة في تركيا، توقع كثيرون أن يتأخر كثيراً إقرار البرلمان التركي للاتفاق مع إسرائيل بل كان هناك من توقع ألا يجري إقراره.
وبالعموم، يعرض الأتراك الاتفاق بوصفه انتصاراً لموقفهم لأنهم نالوا أغلب ما طلبوا، خصوصاً الاعتذار الرسمي والتعويض. ويعترف حتى معلقون إسرائيليون بأن تركيا كسبت بالنقاط في كل ما يتعلق بمسائل الكرامة. ولكن إسرائيل تعرض الاتفاق على أنه انجاز كبير لها لأنها لم توافق على طلب تركيا إزالة الحصار البحري المفروض على القطاع. وفي هذا السياق، يقول متابعون إن تركيا وإسرائيل اتفقتا على حل وسط بشأن الحصار مفاده ألا يرفع، ولكن تمنح تركيا تسهيلات كبيرة لإيصال مساعداتها للقطاع وإنشاء مشاريع حيوية فيه. وأجبرت إسرائيل تركيا على قبول استمرار الحصار على غزة من خلال تمرير مساعداتها عبر ميناء اسدود لتخضع للفحص الإسرائيلي.
وفي كل حال، فإن الاتفاق في جوهره هو اتفاق تطبيع للعلاقات الديبلوماسية ويتضمن إعادة السفراء رغم أن العلاقات الاقتصادية لم تتضرر كثيراً جراء الأزمة. ويتوقع خبراء أن يزداد التبادل التجاري بين الدولتين، خصوصاً أن لتركيا وإسرائيل مصلحة مشتركة في تطوير حقول الغاز في البحر المتوسط. ويقول معلقون إسرائيليون إن بين أسباب تراجع تركيا ضعف موقفها جراء إخفاق سياستها الخارجية. فقد نشبت الأزمة حين كانت تركيا تتطلع إلى صفر أزمات مع جيرانها، وأبرمت الاتفاق وهي متنازعة تقريباً مع كل جيرانها. عدا ذلك، صارت تركيا نفسها مهددة من الاصولية الإسلامية المتطرفة على شاكلة تنظيم «داعش»، فضلاً عن تدهور علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي.
تجدر الإشارة إلى أن المواقف في إسرائيل تجاه الاتفاق تضاربت، حيث باركه البعض وانتقده آخرون. ورأى كثيرون في تقديم تعويضات لتركيا ضربة شديدة للجيش الإسرائيلي رغم أن الجيش كان أشد المناصرين للاتفاق مع تركيا. وقد لمَّح المعلق الأمني في «معاريف»، يوسي ميلمان، إلى أن «الحدث الأمني» الذي أشار إليه إيهود باراك مؤخراً، واتهم نتنياهو بسببه بتعريض أمن إسرائيل للخطر قد يكون متصلاً بالاتفاق مع تركيا.
وقال نتنياهو بعد إقرار البرلمان التركي الاتفاق إن «إسرائيل تبارك مصادقة البرلمان التركي على الاتفاق وتنتظر استمرار تنفيذه، بما في ذلك إعادة السفراء». وفي كل حال، فإن إقرار الاتفاق يحرك عملية تطبيع العلاقات السياسية والأمنية والعسكرية بين الدولتين في ظرف تنشأ فيه تحالفات جديدة في المنطقة خصوصاً في ظل الفعالية الروسية المكثفة.