كتب : عثمان أبو غربية لقد كانت خارطة النفط أحد العوامل الأساسية قي رسم الخارطتين الجيوسياسية و الجيواستراتيجية منذ بداية القرن الماضي وخاصة: في المنطقة التي عرفت باسم الشرق الأوسط . ثمة عوامل أخرى وخاصة ما بعد الحربين العالميتين كل بآثارها، ولكن النفط كان عاملاً أساسياً حتى في وجود بعض الدول اليوم أو في رسم الحدود.
أخذ دور نوع من أنواع الطاقة، وهو الغاز في التنامي المتسارع منذ أواخر القرن الماضي، وأخذ مع اطراد نسبة تناميه في أطراد نسبة تأثيراته الجيواستراتيجية والصراع على المصالح المرتبطة به بدرجة من الدرجات في العالم، وخاصة لدرجة كلفته وتأثيراته البيئية التي تعد أكثر إيجابية من النفط.
تتشكل خارطة الغاز حسب مكانه وكميته وتطور الاعتماد عليه في العالم وخطوط امداده.
بالنسبة للمكان والكمية تتمتع روسيا بالموقع الأول، حيث يتواجد لديها أكثر من 44 ترليون طن من المخزون، وتليها إيران، ثم قطر، ثم أذربيجان، إذن يتشكل المخزون للغاز في محيط وسط آسيا وبحر قزوين امتداداً إلى قطر، وقد أشارت الآليات العلمية إلى وجود أقل أهمية في شرق المتوسط ومصر، حيث تمتد بعض الحقول في دلتا مصر. وكذلك في شرق المتوسط قبالة غزة وفلسطين المحتلة ولبنان وصولاً إلى تخوم قبرص المائية، وكذلك في الشاطئ السوري، حيث يتواجد أهم حقل غاز في شرق المتوسط وهو حقل (قارة) من ناحية أخرى فقد تم اكتشاف مخزون للغاز الصخري وخاصة في الولايات المتحدة، وهو أقل تأثيراً من ناحية الكمية والاحتياجات المحلية له، وكلفة إمداده وإيصاله.
من الجانب الآخر فإن الإعتماد الأكبر على استيراد الغاز يتركز في كل من أوروبا والصين، حيث أن اعتمادها عليه وعلى النفط ما زال في طور التنامي، وخاصةً أيضاً أن الصين أصبحت من أقوى اقتصاديات العالم .
لقد أدت خارطة أماكن الغاز وخارطة مواقع الاحتياج اليه إلى بروز عامل ثالث مؤثر وهو طرق إمداده ووصوله، ولعل من أهم وأفضل طرق الإمداد إلى أوروبا التي ما زالت المستورد الأول للغاز، هي خطوط أنابيب الغاز من روسيا وأذربيجان وإيران للوصول إلى أماكن استهلاكه لدى المستورد الأول له.
من الطبيعي أن أقرب وأقصر هذه الخطوط هو ما يتم امداده من روسيا، وفعلاً كان الخط المباشر عبر أوكرانيا هو خط أساسي، ولكن رغبة كل من الولايات المتحدة وأوروبا بعدم اعتماد أوروبا على الغاز الروسي الذي تتعاظم أثاره في تأثير روسيا على أوروبا وفي نمو قوى روسيا، أديتا إلى التطلع من جانبهما لتنويع مصادر الإمداد، وبالتالي تغيير خطوطه مع الأخذ بعين الاعتبار مدى الكلفة والأمن في وصوله، من هنا نشأت فكرة خط سمي خط (نابكو) من أذربيجان إلى أوروبا، وقد اقامت روسيا خطاً هاماً يصل إلى المانيا عبر بحر الشمال، وهو خط السيل الشمالي، وشرعت في إقامة خط السيل الجنوبي وكانت النتيجة تعطيل مواصلة العمل في خط نابكو وفي السيل الجنوبي.
نتج عن هذه الخارطة وإعادة رسمها ورسم خطوط إمدادها صراعات أدت إلى الأزمة الأوكرانية، وخاصة مع اجراءات التموقع لصواريخ حلف النيتو في وسط أوروبا. وبرز الدور التركي كعامل جنوبي للتنافس على مرور خطوط الإمداد، وخاصة من أذربيجان.
وفي الجانب الآخر كانت هناك محاولة لمد خط للأنابيب من قطر إلى سوريا وتركيا، وكانت سوريا ومنطقة حمص هي عقدة هامة في خطوط الإمداد هذه.
وقد تم اجتماع ضم كلاً من أمير قطر السابق والرئيس التركي أردوغان ورئيس وزراء فرنسا في دمشق، ولكن النتيجة كانت سلبية من الجانب السوري لوجود مصالح دولية وبدائل أكثر أهمية.
ولعل من هذه البدائل الخط الإيراني الذي يمر عبر العراق إلى سوريا، والذي لجأت إليه سوريا. تماماً كما ارتبطت بمصالح سياسية واقتصادية وجيواستراتيجية مع كل من إيران وروسيا، حيث لروسيا موقعها الجيواستراتيجي في المتوسط وسوريا، وحيث تتولى شركة روسية العمل في حقل الغاز السوري (قارة)، أدى الموقف السوري إلى إثارة حفيظه كلاً من أردوغان، الذي كان يتطلع أصلاً إلى نفوذ تركي في سوريا وحفيظة فرنسا وقطر ومعهم الولايات المتحدة، والتي كانت تتطلع أصلاً إلى نظام شرق أوسط جديد والفوضى الخلاقة وأمن وقوة وتفوق كيان الاحتلال من خلال تغلغل نفوذه وتفتيت الدول المحيطة، وكذلك دفع العناصر الضاغطة لكيان الاحتلال وبرامجه التي تتضمن برامج إضعاف بعض الجيوش نتج عن كل ذلك دور مباشر لتركيا وحلفاء الولايات المتحدة في أزمة سوريا، وكذلك أخذ دور كيان الاحتلال يبرز بشكل تسلسلي وتدريجي. وكان من الطبيعي أن تتم المواجهة مع الامتداد الروسي الإيراني ومن في فلكهما في خضم تباين المواقف.
ما من شك أن عوامل أخرى لعبت دوراً وأن من هذه العوامل ما هو مباشر، وتطورت مجريات الأمور في سوريا على هذا الأساس. لكن تداعيات الميدان والموقفين الروسي والإيراني كانا أكثر صلابة واستعداداً للمواجهة، وهو ما جعل الأزمة في سوريا تتأرجح ضمن سقوف أقل من توقعات التحالف الاستعماري الذي حاول فرض إرادته على سوريا.
في هذه الأجواء تتم أحداث سوريا، والأحداث المحيطة بها، والتي تتطلب أن يدرك الجميع أن سقوط سوريا هو سقوط للأمة وأن الدم العربي هو دم واحد سواء في القنيطرة أو القدس أو غزة أو مصر، التي تتعرض لإستهداف خاص له عوامله الأكثر بعداً. أمن مصر الاستراتيجي وسوريا هو أمن لكل منهما وللمنطقة ولصالح الأمتين العربية والإسلامية.