مع أن الرد الإسرائيلي على الصاروخ الذي أطلق من غزة جاء «مختلفاً» هذه المرة، إلاّ أنه لم يكن مفاجئاً لاعتبارات عديدة، في طليعتها أن من يمسك بمقاليد وزارة الحرب الإسرائيلية هو ليبرمان وليس غيره، صاحب الشعارات والإنذارات والوعد بمجابهة ساخنة تبدأ من تدمير السدّ العالي في جنوب مصر ولا تنتهي بإنهاء المقاومة الفلسطينية، فهذه هي الفرصة الأولى التي تمكن ليبرمان من انتهازها للرد على كل المشكّكين بقدراته، مؤكداً على خلاف ما هو متعارف عليه، من أنه قبل المنصب كما بعده، ما زال متمسكاً بأقواله وأفعاله.
الردّ جاء مختلفاً، إذ إن اقل من ساعات على إطلاق الصاروخ، كان الردّ الإسرائيلي، فيما مضى، كان الأمر يستغرق بضعة أيام قليلة لمثل هذا الرد، هذه المرة، أيضاً، كان الردّ واسعاً لا يتناسب إطلاقاً مع مجرد إطلاق صاروخ لم يؤد إلى أي إصابات أو أعطال، خمسون غارة إضافة إلى ضربات مدفعية مركّزة، كانت شبيهة ببدايات يعرفها أهالي قطاع غزة بعد تجربة ثلاث حروب شنتها إسرائيل خلال السنوات الأخيرة.
ويقال فيما يقال، إن الأمر لا يتوقف عند نتنياهو حول الوفاء بوعوده وتهديداته بقدر ما يتعلق الأمر برؤيته لمستقبله السياسي كطامح لرئاسة الحكومة الإسرائيلية في انتخابات برلمانية لاحقة، ويشار بهذا الصدد الى أن معظم مستوطني غلاف غزة، من المصوّتين الدائمين لحزب الليكود وللأحزاب الدينية عموماً، ليس من بينهم روس، أي المصوّتين الدائمين لليبرمان، وهو بهذا الردّ السريع والواسع غير المسبوق، يريد أن يمنحه هؤلاء الثقة من خلال التأكيد على أنه هو الأقدر على حمايتهم وتوفير الأمن لهم في ظل أي مواجهة قادمة.
في حين يرى بعضٌ آخر، أن ليبرمان إنما يوجه رسالة أكثر وضوحاً لحزب الله اللبناني، مع أن الضربات تمت في شمال قطاع غزة، إذ إن جنوب لبنان، سيظل منطلقاً لأي هجومات محتملة على شمال إسرائيل ـ على الأقل إذا ما رأى حزب الله أن معركته على الساحة السورية قد فشلت، فإن مبرر وجوده واستمراره ـ حسب رأي هذا البعض ـ بتجديد تهديده لإسرائيل، من هنا فإن ليبرمان يوجه الرسالة الأكثر وضوحاً إلى حزب الله.
أما الرسالة الأوضح فكانت إلى حركة حماس، قواعد اللعبة تضعها إسرائيل، وليس غيرها، وحسب «معاريف» فإن السياسة الإسرائيلية على هذا الصعيد أطلق عليها «سياسة انتهاز الفرص» وتقوم على أن الجيش الإسرائيلي سيقوم باستغلال إطلاق قذائف من القطاع، برد لا يستثني منشآت حركة حماس، كنقيض لمعادلة حاولت حركة حماس وضعها موضع التنفيذ: «من حق الطرفين تعزيز قدراتهما القتالية استعداداً لمواجهة قادمة» إسرائيل وحدها هي التي تحدد حدود وتخوم هذه اللعبة، وهي التي تقرر أنها لا تسعى إلى التصعيد حالياً، لحسابات تخصها بالدرجة الأولى!
ومع أن سكان غلاف غزة من المستوطنين، أعربوا عن رضاهم عن هذا الرد المختلف والواسع، وأثنوا على ليبرمان، إلاّ أن ذلك لم يكن رأي العديد من الجهات و»الجبهات» في الدولة العبرية، موقع 0404 الإسرائيلي، اعتبر الرد «جباناً ومخزياً» «ليس هكذا يكون الرد» «الحكومة الجبانة فقط هي من ترد بقصف خفيف على صاروخ أطلق على منطقة سكنية» «الرد يجب أن يشمل تدمير كل منشآت حماس العسكرية واغتيال شخص أو أكثر حتى لو لم تكن حماس من أطلقت الصاروخ» «هذا الرد الذي تم يجعل إسرائيل تحت تهديد دائم من صواريخ غزة».
لقد سمح ليبرمان لنفسه، قبل أيام، بسرقة فكرة قديمة بائسة ويائسة، عندما أشار إلى أنه يتبنى سياسة «العصا والجزرة» في التعامل مع الفلسطينيين، هذه السياسة التي تم بموجبها المرور بفترة «روابط القرى» ثم وتحت نفس الشعار، تلك السياسة التي سبق وأن تبناها رئيس حكومته نتنياهو، من خلال «الحل الاقتصادي» ولم يدر بخلد ليبرمان أن هذه السياسة فشلت تماماً، والعودة إليها مجرد خواء وقلة حيلة وإرباك في الفكر والتفكير.
وها هو مجدداً، يسرق الادعاء «برد سريع ومختلف» إذ إن معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية، قد أشارت إلى أن هذه السياسة «الجديدة» «كانت قد تم إقرارها بينما كان موشيه يعالون وزيراً للحرب، وليس في زمن ليبرمان [يوسي ميلمان ـ «معاريف»] أكثر من ذلك، فإن من أمر بهذا الرد السريع والواسع هو رئيس أركان الجيش غادي ايزنكوت بناءً على تلك السياسة المقرة قبل تسلم ليبرمان لوزارة الحرب..ويبدو أن وسائل الإعلام الإسرائيلية اعتبرت من خلال هذا الرد وكأن هناك انتصاراً ما، ولا تريد أن يذهب هذا الانتصار الوهمي لحساب ليبرمان، خاصة أن معظم تلك الوسائل الإعلامية كانت أكثر تعاطفاً مع يعالون عندما تم إقصاؤه لحساب وزير الحرب الجديد ليبرمان!
ومع أن إطلاق الصاروخ من غزة قد أثار العديد من النقاشات في الأوساط الفلسطينية، حول مبرر إطلاقه ولحساب مَن ولماذا في هذا الوقت بالذات، إلاّ أن الجدل في الأوساط الإسرائيلية، كان أكثر إثارة للتساؤلات والنقاشات والنقد من مواقع مختلفة، وباعتقادي، أن إطلاق الصاروخ وطبيعة الرد عليه، لا يجب أن يأخذ منحىً مبالغاً به بكل الأحوال، إذ يجب منحه قدره المحدود في عملية المواجهة!!
خرائط "نتنياهو" الوهمية وكيف نواجهها
26 سبتمبر 2023