هوية مجلس النواب الأردني الثامن عشر

حمادة فراعنة
حجم الخط

خطت حركة الإخوان المسلمين وحزبها المعلن جبهة العمل الإسلامي الخطوة الثالثة في التكيف مع المعطيات المحلية الوطنية الأردنية، ومع تطورات الوضع القومي والإقليمي بعد أن أخفقت الحركة العابرة للحدود من تحقيق إنجازات ملموسة، بهدف تعزيز حضورها العربي، وتوسيع شبكة علاقاتها القومية والإقليمية، وعلى العكس من ذلك، صاحبت الحركة حالة من التراجع والانحسار وعدم القدرة على تحقيق نجاحات سياسية أو ميدانية في مواجهة منافسيها من التنظيمات الإسلامية العابرة للحدود بدءاً من أحزاب ولاية الفقيه، مروراً بتنظيمي القاعدة و»داعش» كفصائل جهادية، تتفوق على مبادرات الإخوان المسلمين الجهادية، وانتهاء بحزب التحرير الإسلامي المحظور.
خطوات الإخوان المسلمين التي قادها الثنائي همام سعيد وزكي بني إرشيد بدأت بتكليف قيادة إجرائية شكلية بديلة للثنائي المتنفذ، وبرضاهم ووفق تخطيطهم، في سبيل الخروج من المأزق السياسي الذي أوقعوا أنفسهم فيه، وفي محاولة توصيل رسالة تكيف وانصياع وانحناء للمؤسسة الرسمية التي رفضت كل محاولات الحوار والمصالحة مع الإخوان المسلمين بعد أن ذهبوا بعيداً وطاشوا على نتائج ثورة الربيع العربي، عبر رفعهم شعار «شركاء في الحكم شركاء في القرار» وعليه طالبوا بتعديل المواد 34 و35 و36 من الدستور المتعلقة بصلاحيات رأس الدولة جلالة الملك.
والخطوة الثانية تمثلت بقرار المشاركة بانتخابات مجلس النواب الثامن عشر، رغم تحفظهم على قانون الانتخاب، وكان قرارهم صائباً وحكيماً، أخرجهم من سياسات العزلة والتطرف، ووضعهم في صُلب الاهتمامات الجماهيرية، بل وفي طليعتها، معتمدين على الخيار الدستور والقانوني في أن يكونوا في قلب المؤسسة الرسمية، للوصول إلى الغطاء السياسي الشرعي تعويضاً عن الغطاء القانوني الذي فقدوه، وها هي الخطوة الثالثة التراكمية بالتقدم نحو تشكيل القوائم الانتخابية، وصولاً نحو الخطوة الرابعة وهي الوصول إلى صناديق الاقتراع يوم 20/9/2016، لفرز وفوز لا يستطيعون الحصول عليه من نتائج صناديق الاقتراع وإفرازاتها، ورهانهم على رصيدهم الشعبي الانتخابي، كي يكونوا قوة برلمانية يُعتد بها، تُخرجهم حقاً، من مأزق خياراتهم السابقة ورهاناتهم الفاشلة وتُعيد لهم ما يستحقون أن يكونوا فيه، وما يسعون له من حضور ومشاركة ونشاط سياسي وحزبي وجماهيري شرعي ومعلن.
تشكيل قوائم حزب جبهة العمل الإسلامي الإخواني، لم يقتصر على قيادات حزبية فقط، مع أنهم قدموا قيادات حزبية مجربة سياسياً ونقابياً وبرلمانياً، ولكنهم طعموا قوائمهم بذوات سياسية ونقابية وبرلمانية سابقة غير حزبية، وبذلك بعثوا برسائل متعددة تحتاج لقراءة موضوعية وتوقف هادئ لاستخلاص مغزى رسائلهم ومضمونها وهي:
أولاً: توظيفها كوسيلة انتخابية تضمن فوز أكبر عدد من الحزبيين ومن الحلفاء ليكونوا كتلة برلمانية قادرة على أن تكون مقررة أو يُحسب حسابها وحضورها في مجلس النواب الثامن عشر، وبالتالي توظيفها للهدف السياسي الأول وهو انتزاع شرعية حضورهم السياسي بديلا لفقدان الغطاء القانوني وعدم الترخيص، وأن لا أحد يملك القدرة على استئصالهم، وطي صفحة تغييبهم كحزب وخيار وتيار سياسي وأنهم باقون رغم كل التحديات التي واجهتهم.
ثانياً: رداً على كل المزاعم التي تصفهم على أنهم حزب أحادي اللون والقرار، وأنهم يتوسلون التحالف والعمل الجبهوي بعد أن فقدوا تحالفهم مع قوى المعارضة اليسارية والقومية، وأخفقت تجربتهم مع «الجبهة الوطنية «الرباعية التي تشكلت مع بداية الربيع العربي العام 2011، وجمعتهم مع الأحزاب اليسارية والقومية، والنقابات المهنية، ومجموعة أحمد عبيدات، على أثر جموحهم في فرض إرادتهم وخياراتهم وعدم احترام الشراكة مع الآخرين، وأدى هذا إلى فشل العنوان الأبرز الجبهة الوطنية التي يتحملون مسؤولية فشلها.
ثالثاً: إصرارهم على توصيل رسائل تهدئة لأصحاب القرار، في أنهم يستجيبون مع خيار المشاركة، لا مع خيار المقاطعة، ومع المصالحة لا مع المناكفة، وأن شرعيتهم مستمدة من شرعية الإجراءات الدستورية والقانونية، وأن التغيير يتم عبر صناديق الاقتراع كوسيلة سياسية معلنة، وها هم يدللون على ذلك بالتقدم مع آخرين غير حزبيين رغم كونهم من المعروفين أنهم مع المعارضة الإصلاحية، وإصرارهم هذا تم بعد فشل كل محاولات المصالحة وتحسين العلاقة مع مؤسسات الدولة عبر وساطات فيصل الفايز وعاطف الطراونة وآخرين.
مشاركة الإخوان المسلمين في انتخابات مجلس النواب الثامن عشر، إحدى أدوات إعطاء هذه الانتخابات المصداقية كونهم حزب المعارضة الرئيسي والأقوى، وأحد عناوين توسيع حجم المشاركة الجماهيرية، مع الاتجاهات المحافظة التقليدية الأوسع في الريف والبادية، ومع رجال الأعمال الشريحة الثانية من حيث الأهمية بعد المحافظين التقليديين، وقبل الشريحة الرابعة من الشخصيات اليسارية والقومية والليبرالية، التي سيتكون منها مجلس النواب الثامن عشر المقبل.