قال مناحم فليكس، من قادة "غوش امونيم"، في حينه: "لدينا دافع أقوى من دافع ذاك القائد الذي قد يكون داخل قلبه معي. وبالتالي فنحن ننتصر على الجيش الاسرائيلي، إذ نحن الجيش الاسرائيلي. وبالتالي فقد انتصر الجيش الاسرائيلي على الجيش الاسرائيلي".
كان فليكس محقا. فمحاكمة اليئور أزاريا تفكك الجيش من الداخل. وأمام ناظرينا تذبح البقرة المقدسة الاخيرة لتصبح بقرة مجنونة. حرب أهلية، حرب الكل ضد الكل. والحساب واحد وبسيط: عندما يقف "الجيش الاكثر أخلاقية في العالم" ضد "الجيش الاكثر أخلاقية في العالم" لا تبقى أخلاق، وربما أيضا لا يكون هناك جيش.
أصبحت قضية ازاريا احتجاجا شعبيا جارفا، غاضبا، مهددا لم يسبق أن شهدنا مثله منذ الايام الجميلة في ميدان صهيون "بالدم والنار نطرد رابين".
ورابين طرد في النهاية، ولكن النار بقيت على الشرفة في ايدي من حل محله – الآن في منصبه كرئيس لحركة الاحتجاج.
وكما يذكر، فقد اتصل بنيامين نتنياهو بوالد أزاريا كي يعرب له عن تفهمه لازمته.
مكالمة شخصية من رئيس الوزراء؟ فمتى توجه نتنياهو آخر مرة لابناء عائلة متهم أو مشبوه بمخالفة خطيرة كهذه أو اقل منها؟ متى أبدى تعاطفا عاما مع ضحية مخالفة: مصابة بسبب مخالفة جنسية، شيخ مضروب، أو طفل اجتاز تنكيلا.
يتبين أن هذا الطفل هو أزاريا، "طفلنا جميعا".
أو كما غنى ذات مرة يهورم غاءون: ملحمة للمسعف.
تنزل روح القائد الى الاسفل، الى وزراء الحكومة، من ليبرمان الى بينيت، والى منتخبي الجمهور. يأتي النواب لجولة استعراضية الى المحكمة في يافا، وآخرون يدعون الى منح وسام أو عفو، والمظاهرات تجري أثناء المداولات، ومن هناك الى المهرجانات في الميدان وتجنيد "الشهود الخبراء". هذا الاسبوع، مثلا، انضم اليهم بعض جنرالات الجيش الاسرائيلي في الاحتياط.
وعلى رأسهم عوزي دايان، الذي على حد نهجه لا مجال على الاطلاق لتحقيق الشرطة العسكرية واجراء قضائي "في مثل هذه القضايا".
من يدري لعل رئيس مشروع هبايس (يانصيب) اليوم سيجند أرالا كي تبلغ أزاريا بانه فاز بالبطاقة الذهبية في لعبة المونوبول التي تقول: "اخرج من السجن".
وهكذا، الى الحملة الاعلامية المكثفة، كل برنامج صباحي ثان يبث للمرة الالف شريط الفيديو ذاته، واذا بالمشاهد يغمس البسكوت في القهوة ويحسن الموقف: لحظة، الا تزال الروح ؟ها هو يرفع يده! والله انه لا يزال حيا! اقض عليه!
ولكن في هذه الاثناء من يسقطون، مثل الذباب في حر آب، هم اعضاء القيادة العليا في الجيش الاسرائيلي.
وللدقة، الجيش الاسرائيلي القديم الذي يدير حربا أخيرة من الخندق في يافا، خسائره كثيرة: وزير دفاع يذهب، رئيس اركان يندد به، نائب رئيس اركان رفع الرأس فاذا به يتلقى ضربة قوية، وباقي السلسلة القيادية – قائد اللواء، قائد الكتيبة، قائد السرية – الى أن يطلب الادعاء العام بان تبقى اسماء الشهود الآخرين سرية خشية تعرضهم للضر.
هذا الأمر، الذي هو فرض الرعب على سلطات القانون والحكم، هو التعريف الواضح لـ "الجريمة المنظمة".
غير أنه في هذه الاثناء يخيل أن لقب "المجرم" او "الخائن" غير موقعه.
في هذا المناخ الناشئ، قلب مع قضاة المحكمة العسكرية في يافا خشية ان يضطروا -لا سمح الله- الى إقرار ادانة خطيرة في هذا الملف.
دماؤهم في رقابهم، والاقوال لا تقال على سبيل المجاز.
أزاريا نفسه لم يعد هو القضية هنا منذ زمن بعيد. من يريد يمكنه أن يرى فيه ضحية، العامل الاسود للايديولوجيا البيضاء الناصعة: دانييلا فايس وهيلل فايس، كهانا وسموتريتش، كريم وليفنشتاين، عصيون ولفني، غولدشتاين وغوفشتاين. حركة الاحتجاج التي خلف أزاريا هي ثورة السجانين – جنود الجيش الاسرائيلي الذين لم يعد بوسعهم ان يحتووا خمسين سنة من عدم الابتلاع او القيء في المطارح التي تعطل فيها المنطق وضاع القانون، بلاد الفلتان. لمن يعتقد أنه يمكن مواصلة "ادارة النزاع" الى الابد يتبين أن النزاع سيمزقه من الداخل إربا. ولتعلم كل أم عبرية بانها أودعت مصير ابنها ليكون واحدا من اثنين: اليئور أزاريا أو قائد سريته. بالفعل، الجيش الاسرائيلي انتصر على الجيش الاسرائيلي.