هل مبروك لوحدها تكفي؟
لو كان من يكتب هو أديب متمرس يتفنن في استخراج التعابير والصور الجميلة ويجيد صياغة المحسنات اللفظية من بين بحور اللغة التي يتقن العوم فيها، لوجد تعابير وصياغات أكثر تعبيراً وأكثر جمالاً من مجرد «مبروك».
لكن مبروك في حالتنا المحددة لا تأتي وحيدة ومنفردة. إنها تأتي محملة بما لا يحصى من المشاعر والقيم والمعاني النبيلة تخوض فيما بينها سباقاً على ترتيب ومواقع أولويتها في الالتصاق مع «مبروك».
في هذا السباق، تجد الرجولة والشجاعة والعزة والكرامة والرأس المرفوعة، وفيه تجد البطولة والتحدي والصبر والاستعداد للتضحية. وفي السباق كذلك، تجد الوطن ملتحماً مع هدف تحرره واستقلاله والنضال من أجل تحقيقه. وفيه تجد الناس- كل أهل الوطن - تقدم الدرع الواقية والحضن الدافئ والدعم السخي. وفي السباق أيضاً تجد «الأم» بكل جلالها، تقدم المباركة مع دعوات الرضا والإصرار بعد أن أرضعت حليب الرجولة مخفوقاً بروح الوطنية، ومع الأم تحضر «عصيرة الشمالية» مزهوة بابنها ويحضر الأهل والأصدقاء والرفاق.
وفي السباق تجد الحركة الأسيرة بكل أمجادها وبطولاتها وانتصاراتها، وتحضر وجوه نضرة مستبشرة لمناضلين سبقوا بلال إلى نفس الطريق ونالوا ما ناله وحققوا ما حققه.
وفي السباق تجد... وتجد... وتجد
نعم، مبروك، بكامل حمولتها، للانتصار الذي تحقق، وهو قطعاً انتصار.
مبروك أولاً، انتصار بلال الكايد، يفرض إرادته على سجانيه وجلاديه بقوة إيمانه وجوعه وإصراره وعزيمته، وينتزع منهم مساومة تعطيه حريته ولو بعد 110 أيام، ولكنها تمنع تجديد اعتقاله الإداري، كما هي سياسة المحتل المتبعة، وتمنع الإبعاد كما تمنع إعادته إلى العزل الإداري. وسوف يكون لهذا الانتصار مفاعيله وآثاره النضالية، وقد يكون أولها فضح، وربما منع الاعتقال الإداري لأي مناضل بعد إنهاء محكوميته كما حصل معه.
(هل هي مصادفة - وكم هي جميلة ودالة - أن يكون أول يوم من أيام حرية بلال في 12/12 هو أول أيام سنة جديدة في عمر الجبهة الشعبية التي كان ميلادها في 11/12)
مبروك، لكل الأسرى في سجون الاحتلال: من تضامن منهم مع بلال بإعلان الإضراب عن الطعام ولو لفترة معينة، ومن تضامن بأي شكل نضالي آخر.
مبروك، للحركة الأسيرة وهي تضيف انتصاراً جديداً إلى هرم انتصاراتها في مقارعتها المتواصلة مع الاحتلال ومع سجونه وسجانيه.
مبروك، لكل مع وقف يحمل علماً أو ملصقاً أو يافطة في أي شارع من شوارع الوطن أو ساحة من ساحاته، يعلن دعمه وتأييده لإضراب بلال، وفي الأول منهم من أعلن الإضراب عن الطعام تضامناً معه.
مبروك للجبهة الشعبية هذا البطل الذي نهل من فكر ونضالية وصلابة وإصرار وفروسية الحكيم وأبو علي ووديع وغسان، وأكد أن الجبهة ما زالت ولادة. ولم يكن انضمام الأمين العام للجبهة المناضل أحمد سعدات إلى الإضراب عن الطعام لأيام محددة، كما هو التخطيط المقرّ، إلا تأكيداً إضافياً جديداً على هذه الحقيقة، وإشارة قوية للموقع والدور الطبيعي للقيادي.
مبروك لكل تنظيمات وقوى وهيئات النضال الوطني الفلسطيني، ولكل المناضلين، هذا الانتصار البطولي الجديد والمعركة الرابحة الإضافية في مسيرة النضال الوطني المتواصل والمستمر حتى النصر.
ومبروك، ومعها شكراً، خاصة لهيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير والهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى وللمحامين ومؤسسة الضمير وكل الذين تابعوا إضراب بلال وقاموا بدورهم المطلوب بكل مواظبة وكفاءة واقتدار.
مع الـ «مبروك» ودون أن نقلل من عمقها وشمولها ودون أن نعتم على ألقها وزهوها، بل من واقع تعزيزها وتأكيد فعلها، ومن واقع الحدث المجيد نفسه ومعطياته، يمكن الحديث في بعض الأمور:
الأمر الأول: إن النضال ضد إجراء «الاعتقال الإداري» شكل العنوان الأول والأساس للمعركة المنتصرة التي خاضها بلال الكايد، ومن تضامن معه ومن دعمه وأيده. وهو نضال ما زال ويجب أن يستمر مفتوحاً ضد هذا الإجراء الفاشي الموروث عن الانتداب البريطاني. يشجع على ذلك، أن النضال ضد هذا الإجراء يملك إمكانيات عالية للتفهم والمساندة على أوسع نطاق إنساني وحقوقي دولي، كونه مخالفاً حتى الاستفزاز ومتصادماً مع كل القيم والأعراف والقوانين الدولية، وقبلها الإنسانية والحقوقية.
الأمر الثاني: إن هناك أسرى آخرين ما زالوا يواصلون إضرابهم عن الطعام منهم الأخوان البلبول والصحافي نزال وغيرهم، ما يفرض استمرار حملة التضامن.
الأمر الثالث: إن تعبيرات حركة التضامن مع إضراب كايد في سجون ومعتقلات الاحتلال وبالذات الانضمام له في إضرابه عن الطعام كانت أقل من المتوقع واقتصرت تقريباً على رفاقه من الجبهة الشعبية.
لا ينفي هذا الأمر تماماً، وربما لا يقلله كثيراً، أن الإضراب جاء بمبادرة من المناضل الكايد لقيت تجاوباً وتأييداً منظماً ومتدرجاً من أسرى الجبهة الشعبية، ولم يكن بناء على قرار مسبق ومتفق عليه من كافة التنظيمات وقيادتها الوطنية الموحدة في سجون ومعتقلات دولة الاحتلال.
الأمل والرجاء أن يكون لذلك ظروفه الخاصة، وألا يكون من «بركات!» الانقسام، فالحركة الأسيرة بكل تلاوينها التنظيمية يجب أن تبقى وتستمر، كما ظلت دائماً، في أعلى درجات الوحدة والانسجام والكفاحية.
ولتتكرر «مبروك» كثيراً، ترافق انتصارات جديدة في أكثر من موقع وفي أكثر مجال نضالي.