شبكة سلمى: أوقفوا الحروب/ «في الأرض متسع للسعادة»

د. فيحاء عبد الهادي
حجم الخط

"حروب..حروب..حروب/ أما من قيادة لتوقف هذا العبث؟! في الأرض متسع للجميع..وفي الأرض متسع للسعادة".                                                                                
محمود درويش

في الوقت الذي تشهد به البلاد العربية حالة تشرذم غير مسبوقة، وانقساماتٍ وتشظياً؛ ليس بين البلاد العربية فحسب؛ بل داخل البلد العربي الواحد؛ يأتي اجتماع الشبكة النسوية الإقليمية سلمى؛ ليؤكِّد على ما يجمع وما يوحِّد وما يوجب الائتلاف، دون ان يلغي الاختلاف.  
ومن عمق الوجع العربي علت صرخة نساء عربيات، ممثلات منظمات نسوية عربية، من سورية، ولبنان، وفلسطين، والأردن، ومصر، وليبيا، واليمن، وتونس، والمغرب، والعراق، والجزائر؛ ائتلفن ضمن شبكة نسوية إقليمية "سلمى": أوقفوا الحروب؛ علّ الصرخة تصل إلى أسماع الجامعة العربية، والأمم المتحدة، وصناع القرار عبر العالم.
*****
ما أهمية صرخة النساء بالتحديد؟ ولماذا يعلو صوت النساء، للمطالبة بوقف الحروب؟
صحيح أن الشعوب العربية بأسرها تعاني ويلات الحروب؛ لكن النساء، وهن المتضررات مباشرة من آثارها؛ هن الأقل مساهمة في صناعة القرار بشأن إيقافها، والأكثر تهميشاً بشأن صنع السلام.
ماذا يعني إيقاف الحروب؟
إيقاف الحروب يعني بالضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني العنصري، ويعني رحيل الاستعمار بشكله المباشر وشكله غير المباشر، كما يعني إزالة أسلحة الدمار الشامل، بالإضافة إلى نزع السلاح من أيدي المواطن العادي، وحصره بين أيدي المختصين والمخوَّلين بحمل السلاح، ويعني الحدّ من تجارة السلاح، كما يعني تحقيق العدالة، والقدرة على بناء السلام العادل.
وماذا تعني مشاركة المرأة الفاعلة في مباحثات السلام، عبر العالم؟ هل هناك ما يمكن أن تضيفه؟ ما يستدعي وجودها بإلحاح؟
أعتقد أن النساء يمكن ان يضفن المفهوم النسوي للسلام، حيث يربطنه بالعدل: السلام العادل، الذي لا يعني القضاء على الحروب فحسب؛ بل يعني القضاء على أشكال العنف كافة، والسيطرة على الموارد-الحقوق القانونية والتعليم والعمل والصحة- وتحقيق الأمان الإنساني.
*****
وحين نتحدث عن المفهوم النسوي للسلام، وعن أهمية مشاركة النساء ضمن مباحثات السلام؛ يبرز سؤال بالغ الأهمية: أية امرأة نريد ضمن هذه المحادثات؟ وهل تحمل النساء جميعهن مفهوماً موحداً للسلام؟
هناك نساء يكرِّسن السائد، ويتوافقن مع الرؤية الذكورية، التي تنتهج القوة والسيطرة والتمييز، والأمثلة كثيرة بهذا الشأن، وهناك نساء يرفضن أشكال العنف كافة، ويرفضن التمييز القائم على الجنس أو اللون، أو الدين، ويناضلن من أجل ترسيخ العدالة الاجتماعية، حيث لا قهر ولا ظلم ولا استغلال ولا استبداد، وحيث المساواة، بمعناها الشامل والعميق: الفرص المتساوية للنساء والرجال، في مناحي الحياة كافة.
ضمن رؤيتنا للاختلافات بين النساء؛ نستطيع فهم أهمية بناء شبكات متعددة، وليس شبكة نسوية واحدة، في الواقع العربي. من خلال التعدد يمكن أن يتم طرح رؤى متعددة، للقضايا النسوية، ثم يأتي الحوار بين الشبكات المختلفة، لإيجاد قواسم مشتركة، تمكنهن من العمل معاً، على قضايا محددة؛ إذ ليس من الضروري إقصاء المختلفين/ات؛ على العكس، من الضروري إتاحة الفرصة للجميع، أن يكوِّنوا أطرهم/ن الخاصة، للتعبير السلمي عن الآراء والمعتقدات، مما ينتج التنوع والتعدد في المجتمعات العربية، حيث يجد كلٌ مكاناً ومنبراً علنياً للتعبير عن الرأي؛ إذ ليس أخطر من قمع الحريات، وقمع الأفكار تحت أي مسمى.
*****
جاء إعلان شبكة "سلمى" 2016، بعد نقاش، ومشاركة واستماع، وتبادل خبرات، تحقَّقت في إطار المؤتمر السنوي الذي تنظمه الشبكة؛ ليعكس منطلقات، ورؤية المنظمات النسوية الشريكة، اللواتي ائتلفن لمناهضة العنف ضد النساء في المنطقة العربية، وآمنَّ بأن النضال ضد أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي؛ يتطلب النضال من أجل بناء مجتمع حداثي ديمقراطي علماني، يتمتع باستقلال تام، ويضمن المساواة، والأمان، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ويفصل الدين عن الدولة (الدين لله والوطن للجميع)، وينبذ التمييز بتجلياته كافة.
كانت شهادات النساء فاجعة وصادمة وأليمة، حدَّ البكاء. تبيَّنت من خلال هذه الشهادات فداحة الانتهاكات للحقوق الإنسانية للنساء؛ حيث تجلَّى الاستبداد السياسي والاستبداد الديني، في أبشع صوره!
تبيَّنت المخالفات الجسيمة للقانون الدولي، ولقرارات الأمم المتحدة؛ الأمر الذي استدعى تحميل المسؤولية للسلطات السياسية، مدنية كانت أم عسكرية، والأنظمة القمعية الديكتاتورية، معاً.
بالإضافة إلى تحميل مجلس الأمن مسؤولية تنفيذ قراراته كافة، وعلى رأسها قرار 1325، الذي يسلِّم بضرورة حماية النساء في مناطق الصراع، من خلال توفير ترتيبات مؤسسية فعّالة، وقرار 1889، الذي "أكَّد مسؤولية كل الدول في إنهاء سياسة الإفلات من العقاب، ومعاقبة المسؤولين عن كل أشكال العنف، بما في ذلك الاغتصاب والعنف الجنسي"؟!
*****
ضمن وعي عميق لخطورة استخدام الدين لقمع الأفكار، وللوصول إلى مكاسب سياسية، من خلال الإرهاب الفكري بأشكاله، واعتباره سبباً رئيساً في انتهاك الحقوق الإنسانية للنساء، وفي وعي لخطورة استخدام الخصوصية الثقافية العربية لقمع نصف المجتمع، وإرهاب النصف الآخر؛ طالبت شبكة "سلمى" "بالكف عن استخدام الخصوصية الثقافية والدينية لتبرير العنف القائم على النوع الاجتماعي، وطالبت هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بشمل تلك التوصيات ضمن أنشطة حملة 16 يوماً الدولية لمناهضة العنف ضد المرأة".
*****
كلما حققت النساء مكسباً صغيراً، في طريق نضالهن الطويل والشاق؛ جاءت الحروب المجنونة لتضاعف الانتهاكات ضد حقوق النساء، وتضاعف من إحساسهن بالمسؤولية، وبالجرائم التي تتواصل ضد الإنسانية،
هي صرخة النساء القديمة الجديدة، في وجه صناع القرار، عبر العالم:
 أوقفوا الحروب، وامنعوا تجارة السلاح، وأنهوا الاحتلال الإسرائيلي البغيض؛ وانعموا بسلام عادل وأمان إنساني.  "في الأرض متسع للجميع..وفي الأرض متسع للسعادة".