وكلّ يومٍ أرى وأرى وأرى، لكنْ لا تنتهي الرؤية عندما أشيح بنظري إلى شيء آخر، بل تستمر وتنتقل إلى قلبي ...
حينما أرى حلماً سُرق، وبقي صاحبه تائهاً في غياهب الحياة، أشعرُ أنّ حُلمي هو الذي سُرق، فأكتئب، وأتمنى لو أنني لم أرَ.
حينما أرى أطفالاً تُساق وتُشرّد وتُنتزع منهم البراءة، أحسّ وكأنّ طفولتي انتُزعت منّي، وكأنني لم أحيا الطفولة أبداً، فأُسرع إلى ألبوم صُوري القديمة لأتأكد، وأتمنى لو أنني لم أرَ أبداً.
حينما يسخر أحدٌ من أحدٍ أمام عينيّ أنصّب نفسي محاميَ دفاعٍ وأستأنف القضية، لكن حينما يُهينه بعيداً عنّي، يجتاحني غضبٌ عارم، وأُقهر وتشتعل عينيّ لهيباً، وأتمنى لو أنني لم أرَ، ولم أسمع.
حينما أرى أمّاً تصرخ على طفلتها، أو أباً يضرب ابنه، تنتابني موجة حزن، ويبكي قلبي ألماً، وأتمنى لو أنني لم أرَ.
حينما أرى دموعاً ترسم مسارها على إحدى الوجنات، تنسلّ روحي منّي، وتتباطأ أنفاسي، وأتمنى لو أنني لم أرَ.
امتنعتُ عن متابعة نشرات الأخبار منذ سنوات، كي لا أرى ولا أعرف، لكنني أعرف، وأرى ما يحدث بقلبي، فيصفعني اكتئاب مرٌّ، وتُمطر عليّ الدموع، وأدخل بقوقعة يأسٍ، وأتمنى لو أنني لم أعرف ولم أرَ.
تمنيتُ لو كان قلبي لا يشعر، تمنيتُ لو كنتُ أستطيع أنْ أرى بعيني فقط، لكني بتّ أشك أنّ قلبي هو من يبصر دائماً، ويكأنّ قلبي بعينيّ، أو أنّ عينيّ بقلبي!
فليتَ قلبي لا يرى...
لا ... لا ... لا ...
فليرَ قلبي، ولينزفْ، وليبْكِ دماً، وليُقهرْ، وليكتئبْ، وليحزنْ، وليغضبْ، وليمتعضْ، وليتمزّق إنْ شاء...
فلأبقَ أرى، ولأبق أشعر .. فلو كان قلبي لا يرى ما كنتُ إنساناً ...