تفرغ الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، في الاسبوع الماضي من الزوبعة التي تحدث في بلاده ومن حملة التطهير والتصفيات السياسية في اوساط معارضيه ومنتقديه منذ محاولة الانقلاب الفاشلة قبل شهر، وأرسل جيشه الى سورية الجارة. وهكذا بالتزامن مع طي الاعلام وحل الازمة مع روسيا واسرائيل، قرر اردوغان فتح جبهة قديمة – جديدة أمام عدوه في سورية.
أعطيت العملية العسكرية اسم «واقي الفرات»، وهي تهدف حسب اردوغان ورجاله الى ضرب تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) الذي نفذ مؤخرا عمليات ارهابية شديدة في تركيا. كان آخرها قبل اسبوع في مدينة غفيانتد في جنوب الدولة، حيث قام مخرب بتفجير نفسه (13 سنة) اثناء حفل زفاف وقتل العشرات. من الجيد أن «داعش» موجود من اجل اخذه كمبرر للتدخل العسكري في سورية. ففي النهاية أعلن الروس والايرانيون ايضا أنهم يرسلون قواتهم الى سورية لمحاربته. ولكن فعليا، هم يحاربون مجموعات متمردين معتدلة تهدد نظام بشار الاسد. أما «داعش» فلا يقتربون منه.
صحيح أن «داعش» هو هدف يزداد أهمية بالنسبة لتركيا، لكن التهديد الاستراتيجي بالنسبة لها في سورية يكمن في الاكراد، الذين تزداد قوتهم بمساعدة واشنطن وتجاهل موسكو، حكم ذاتي كامل في شمال سورية وشرقها. حكم ذاتي كهذا، ترافقه صحوة المشاعر الكردية القومية سيؤدي، كما يخشى الاتراك، الى انضمام الاقلية الكردية في تركيا نفسها. وفي نهاية المطاف، الجيش التركي في حالة مواجهة متصاعدة مع الخلايا السرية الكردية في تركيا، حزب العمال الكردستاني، الذي ينتمي اليه اغلبية الاكراد العاملين في سورية.
يبدو أن اردوغان يفهم أن الطريقة لمنع انشاء دولة كردية في سورية هي من خلال التدخل، وايضا التواجد العسكري المتواصل في الاراضي السورية. هكذا فقط ستأخذه القوى العظمى في الحسبان عندما يتم التوجه لخلق اتفاق بعيد المدى للازمة السورية. هكذا فقط سيسعى الاميركيون الى تقييد نشاط الاكراد في سورية، الذين يؤيدونهم ويدربونهم ويسلحونهم لمحاربة داعش (الامر الذي امتنع الاتراك عن فعله الى الآن). وبالتالي فان الاكراد يضطرون الى بلع حبة الدواء المرة. إنهم يرتبطون برغبة واشنطن، التي هي بحاجة الى الاتراك.
ركزت العملية التركية على مقاطعة غرابلوس، التي أرسل منها «داعش» المخربين الانتحاريين الى جميع ارجاء تركيا. لكن اهمية هذه المقاطعة تكمن في انها نقطة الوصل بين مناطق الاكراد في شرق سورية وشمالها. بمساعدة الدبابات التي تم ارسالها الى هذه المنطقة، يهدف اردوغان الى منع الاكراد من الوصل بين المنطقتين في سورية بواسطة انشاء منطقة حكم ذاتي واعلان دولة مستقلة في المستقبل. ومن هذه المنطقة يستطيع اردوغان ايضا مد يده الى مدينة حلب التي تدور فيها حرب عالمية بين روسيا وايران و»حزب الله» وبين المتمردين السوريين الذين ينجحون في الصمود حتى الآن.
وعلى الرغم من كل ذلك، الحديث يدور عن خطوة محدودة يشارك فيها مئات الجنود وعدة عشرات من الدبابات، حيث أن الاتراك وخصوصا اردوغان، يتحدثون كثيرا – هذا ما حدث ايضا امام اسرائيل – لكنهم يدركون حدود القوة ويظهرون الحذر الكبير عند التنفيذ. وهم ايضا لا يريدون الغرق في الوحل السوري.
انضمت تركيا الى اللعبة السورية، وهي منذ زمن طويل تقدم المساعدات للمتمردين السوريين. ولكن من بين اللاعبين الكثيرين يبرز الآن، في أعقاب تدخل تركيا في سورية، رابح واحد وخاسرون كثيرون.
الرابح الاكبر هو بشار الاسد، بالطبع، الذي ما زال يجلس بأمان على كرسيه ويشاهد خصومه وهم يتصارعون فيما بينهم. أما الخاسرون فمنهم الطفل السوري البالغ خمس سنوات الذي زعزعت صورته للحظة كل العالم – خائب ومصاب في اعقاب القصف، الروسي كما يبدو، بيته تهدم ومات شقيقه الاكبر. هو ومن مثله هم الذين يدفعون الثمن، ثمن بقاء الاسد في الحكم، ثمن السمعة الرفيعة لروسيا ومن يقف على رأسها، وثمن قلة الحيلة وعدم القدرة على العمل لادارة باراك اوباما.
خريف «الإخوان» والأصولية الظلامية: بوابة سورية
01 يناير 2025