طغت في الآونة الاخير ة أصوات "معركة" الانتخابات البلدية في فلسطين على ما عداها، بحيث أن مقتضيات التواصل أو التفاعل بين العائلات أو تبيان الفجوات بين التنظيمات والقاعدة وحجم التفكك داخل المدن والقرى قد ظهرت بأبرز تجلياتها.
وإذ كان للفصائل والشخصيات الوطنية من دور يحسب لها فهو أنها بغالبها كانت تتجه نحو الدفع بكفاءات ومهنيين لقيادة البلديات والمجالس القروية بحيث أن كثير من المواقع تم التوافق فيها على قوائم موحدة، فيما تبارت قوائم أخرى تحت ذات السقف.
ولكل من افترض أن انتخابات البلديات قد لا تكون هامة أو ذات أولوية أو فائدة في ظرف الجمود السياسي والتغول الاسرائيلي والتراجع الاقليمي والدولي من حول فلسطين، فإن هؤلاء قد يمتلكون الحجة الواضحة في ذلك، إذ رغم عدد من الايجابيات التي ذكرناها فإن الصراعات التي تفجرت على هامش البلديات بين أبناء البلدات والقرى لا بد أنها أثرت بشكل أو بآخر على مضامين العمل النضالي الكفاحي اليومي الذي كان من المتوجب أن يُفهم أنه الأولوية لدى الفصائل والناس وبالقطع لدى المترشحين للبلديات.
نظر الكثيرون للبلديات كمقدمة لرأب الصدع الانقسامي بين شطري الوطن نتيجة الانقلاب عام 2007 في غزة، ووقف أبواق الفتنة التي لا تفتأ تخرج علينا كل أسبوع في هذه الفضائية او تلك تنظّر مرتاحة لاستمرار الصدع الى الأبد.
ورأى الكثيرون بها أيضا مقدمة للعملية الديمقراطية في انتخابات التشريعي والرئاسة والوطني القادمة، كما رآها البعض سياقا مهما يؤسس لاعتناق ثقافة الديمقراطية الشعبية التشاركية مااحتفظت بدوريتها، ولكن!
أن الفهم الصائب لتكون البلديات مناضلة ومكافحة ومنخرطة في الفعل الميداني هو أن يتأهب أعضاؤها لتقديم عطائهم وجهدهم في تمتين النسيج الاجتماعي-الوطني الداخلي، وفي سياق الدفاع عن أراضينا ضد عصابات المستوطنين وضد القوانين الصهيونية الجائرة، وفي تحدي سلطة الاحتلال جماهيريا وبشكل يومي، وتحدي الاتصالات التي يقيمها الاسرائيليون و(ليبرمان) مباشرة مع البعض في فلسطين.
من المتوجب أن نفهم جميعا أن سياسة خدمة البلد والمجتمع لا تعني المحاصصة والمركز والموقع أو التنازع الفصائلي أو القبلي أو العائلي، وانما يجب أن تعني الانتقال بالبلديات والجماهير الى فهم الخدمة للناس كاولوية، والبناء مقرونا بالنضال اليومي الميداني ضد المحتل.
نعم نحو فلسطين خضراء ونظيفة وجميلة ، ولكن أيضا لا قيمة ترجى للبلديات والمجالس القروية باعتقادي إن لم تجزع كثيرا عند رؤية التمدد الاستيطاني، وان لم تتقدم بجسارة لتواجه بالتظاهرات والصدور العارية عصابات المستوطنين القتلة.
نحن من واجبنا رفع القضايا القانونية ضد الجدار وضد اغتصاب أراضينا، ومن واجبنا تبني الثقافة التاريخية الفاضحة للصهيونية واغتصاب فلسطيننا، كما من واجبنا باعتبارنا في البلديات والجماهير المنظمة في الميدان رأس الحربة في النضال أن نتوسع بالأراضي الزراعية كثيرا فهذا كنزنا، كما من واجبنا التوجه نحو البناء وتمدده والمطالبة به في كل أراضينا في الضفة والقدس.
ما أراه أن صراع هذه المجالس القروية والبلدية إن تسنى له أن يتخذ المنحى النضالي الجهادي، فإنه قد سيتمكن من خلق بيئة شعبية مناسبة للفعل الميداني المقاوم يجر كل شرائح المجتمع وحتى الفصائل والمؤسسات نحو خطة متكاملة تجعل من هذا الفعل النضالي اليومي منجزا يحسب لنا في رصيد الصراع المتواصل لانتزاع أرضنا ومقدساتنا من عصابات المستوطنين ومن الاحتلال الذي طال أمده.
بكل وضوح إن اردنا أن ندعم الحراك السياسي المتآزر مع القانوني ومع التاريخي ومع كشف عنصرية و زيف ادعاءات الاسرائيلي، وفي ظل انسحاب عالمي من حولنا فلا مناص من منطق بلورة ثم تكامل الخطة والاستراتيجية الوطنية التي أحد أركانها الرئيسة نضالية المجالس والجماهير، فهل تكون الهيئات البلدية فعلا عامل تقدم ام عامل تراجع وقسمة وتخاذل في هذا المسار؟