في إسرائيل: "جيش الشعب" في مواجهة جيش الدولة!

5555e281c46188db298b45d9
حجم الخط

يبدو لقب «ضابط الحاضرة اليهودية في الخليل»، الذي يحمله إلياهو ليبمان، مُضلّلاً. فليبمان هذا، الذي استدعاه محامو الدفاع للإدلاء بشهادته لصالح الجندي إليئور أزاريا (المتهم بالقتل غير العمد لفلسطيني جريح في الخليل حتى وهو ممدّد على الأرض) في إطار المحاكمة التي أصبحت رمزاً للمواجهة بين اليمين واليسار، وبين الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، وبين رئيس هيئة أركان الجيش ووزير الدفاع المعزول من جهة ورئيس الحكومة وبعض وزرائه من جهة أخرى، يمثـّل «أمّة» بكاملها.
ونقصد على وجه التحديد «أمّة» المستوطنين التي جعلت من نفسها سوراً منيعاً في وجه جملة من القيم التي يدعي الجيش أنه يمثلها.  
إنها «أمّة» لديها شتات اسمه دولة إسرائيل. وليبمان هو جزء من سلالة تمثل في نظر كثيرين لبّ الحركة الاستيطانية في «المناطق» وجوهرها.
فوالده الحاخام مناحيم ليبمان كان من مؤسسي «كريات أربع»، وهو أحد الذين وقفوا في وسط مدينة الخليل مع الحاخام موشيه ليفنغر وأصدروا أوامرهم للجنود برفض «الأوامر غير القانونية» القاضية بإخلاء مستوطنين من الخليل ومن «كنيس أبراهام أفينو».
وشقيقه يهودا من مؤسسي مستوطنة يتسهار. وثمة شقيق آخر له هو شلومو قُتل في عملية في يتسهار.
ويقيم شقيق له آخر هو دافيد، في مستوطنة تبوّاح، وكان عضواً في «الحركة السرية الجديدة» التي نشطت سنة 2003 واشتُبه بضلوعها في قتل تسعة فلسطينيين.
ويحمل إلياهو ليبمان، الذي صبّ جام غضبه في سياق شهادته على وزير الدفاع وهاجم المدعي العسكري العام، وسام تقدير من رئيس هيئة أركان الجيش على يقظته وردّ فعله خلال العملية في «محور المصلين» في الخليل سنة 2002 والتي قتل فيها 12 إسرائيلياً بينهم ضابط برتبة عقيد.
تجسد عائلة ليبمان حالة التعايش والتكافل المدمّرة السائدة بين الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، وهي الحالة التي تدفع الجيش دائماً إلى طأطأة رأسه أمام رؤساء المستوطنين قبل ظهور بوادر جماعة «فتيان التلال» بوقت طويل جداً.
كانت تلك «عائلات النبلاء» الـ»ماي فلاوَر» [السفينة التي أقلت الرواد الأوائل إلى أميركا سنة 1620] بالنسبة للمستوطنين، ومنها عائلات تور، ليفنغر، ليبمان، فيليكس، ليفني، كتسوفر، بورات وغيرها، وهي التي أرست أسس الصراع السياسي مع الجيش. إنها النخب التي ترى في أوامر الجيش وتعليماته قشرة ثوم لا أكثر، ونجحت في وضع ثقافة عدم الانصياع للأوامر وتكريس تلك الثقافة. ليس مهمّاً على الإطلاق إذا ما كانت أقوال ليبمان ستعود بالفائدة أم بالضرر على أزاريا لأنه ليس سوى برغي صغير يمكن التضحية به، فالأهمّ هو فحوى شهادته التي قال فيها: «هناك من يعتقد أنه إذا تم إطلاق النار على مخرب وسقط أرضاً فقد تم تحييده. بالإمكان تحييده بطريقتين: أولاً، إطلاق النار نحو نقطة تشل حركته؛ ثانياً، إطلاق رصاصة تحييد نهائي في الرأس. وفي حال خضوع المخرب لفحص من خبير متفجرات، الإعلان أنه بريء وتقييد يديه ورجليه».
أوضح ليبمان أيضاً أنه لا يقبل توجيهات قائد اللواء التي تتيح إمكانية تقديم علاج طبي لـ «المخرب» بعد إعلان «براءته» (أي إعلان أنه لم يعد يشكل تهديداً أو خطراً)، من دون الحاجة إلى انتظار خبير متفجرات.
لا يجري ليبمان هنا نقاشاً تكتيكياً مع قائد اللواء أو مع الجيش برمّته، ولكنه يتحدث نيابة عن سياسة واستراتيجية وتقاليد وضعتها وكرستها «أمّة» المستوطنين. وليذهب الجيش وتعليماته إلى الجحيم. 
في مواجهة هذه التقاليد لا يستطيع الجيش فعل أي شيء.
إن الصراع الذي يديره رئيس هيئة أركان الجيش، الجنرال غادي أيزنكوت، ضد الحاخامين والحاخامية من أجل التربية والتثقيف وضد الوعظ والتحريض، صراع هامشي بالمقارنة مع «ثقافة» الاستيطان التي تُهدّد قدرة الجيش في كل ما يتعلق بالسيطرة على جنوده. وهي «ثقافة» التمرد وعدم الامتثال التي من شأنها أن تمسّ قدرة الحكومة في ما يتعلق بالاعتماد على الجيش.
لم تعالج شهادة ليبمان تقنيات تحييد «المخربين»، وإنما أسس ومقومات إخضاع الجيش الذي لا يزال يصر على إبداء علامات استقلالية عن تلك «الثقافة».
وإذا كان والد ليبمان ورفاقه المقربون أخضعوا الجيش بوساطة المستوى السياسي، فإن جيل ليبمان وأولاده لم يعد بحاجة إلى المسؤولين السياسيين الذين يحتقرهم أصلاً.
إنه الجيل الذي لديه جنود وقادة عسكريون من لحمه ودمه داخل صفوف الجيش.
إن صراع هؤلاء الجنود والقادة ليس منصبّاً على القيم وليس ضد التناقض بين ما يزال يسمّى «قيم الجيش الإسرائيلي» وقيم «أمّة» المستوطنين، بل إنه صراع من أجل السيطرة على الجسم العنيف الشرعي في الدولة.